مصراوي
أظهر تحقيق لـ “إندبندنت” البريطانية، الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والتي “سمحت بحدوث المجاعة في غزة”، مشيرة إلى أن الوثائق المسربة وشهادات مسؤولين حاليين وسابقين، تؤكد أن الواقع الحالي في القطاع كان من الممكن تجنبه.
يبيّن التحقيق البريطاني، أن بايدن وإدارته تجاهلوا تحذيرات متكررة من وكالات إغاثية وخبراء أمريكيين.
وكشفت لقاءات أجرتها الصحيفة البريطانية، مع وكالات الإغاثة العاملة بغزة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الحالية والسابقة ومسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، أن إدارة بايدن تجاهلت دعوات بمطالبة إسرائيل التي تتلقى مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات بالسماح بنفاد مزيد من المساعدات إلى غزة لتجنب المجاعة.
وفي هذا الشأن، أكد مسؤلو الخارجية الامريكية السابقون، أن واشنطن وفرت غطاء دبلوماسيا لإسرائيل لإحداث المجاعة عبر التصدي للجهود الدولية لوقف إطلاق النار، ما جعل وصول المساعدات “شبه مستحيل”.
بدوره، أكد المسؤول المستقيل من الخارجية الأمريكية بسبب دعم بلاده لإسرائيل جوش بول، أن الأمر تخطى التغاضي عن مجاعة من صنع إسرائيل وأصبح توطؤا مباشرا، وفق تصريحاته لـ “إندبندنت”.
من جانبها، تنفي إسرائيل وجود مجاعة بغزة، أو تقييد دخول المساعدات إلى القطاع، زاعمة أن حركة حماس هي من عرقلت أعمال الإغاثة.
ووفق الإحصاءات، فإن قرابة 32 شخصا بينهم 28 طفلا استشهدوا بسبب سوء التغذية والجفاف بغزة، مع احتمال زيادة العدد، تؤكد الصحيفة البريطانية أنه كان من الممكن إنقاذهم في حال كان رد فعل الرئيس الأمريكي أكثر حزما على المخاوف المعلنة.
ويرى المسؤولون الأمريكيون، أنه كان من الممكن أن يسفر ضغط أمريكي كبير على إسرائيل عند ظهور بوادر المجاعة في ديسمبر عن فتح عدد أكبر من المعابر لإدخال قدر أكبر من المساعدات، إلا أن بايدن رفض أن جعل الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل مشروط.
وعوضا عن ذلك، اتجهت الولايات المتحدة إلى “حلول جديدة وغير فعالة” والتي تتمثل في الإنزال الجوي والرصيف البحري المؤقت.
وبحسب تقارير برنامج الأغذية العالمي، فإن ما يقرب من 300 ألف فلسطيني بشمال غزة يعانون من “مجاعة كاملة”، بينما يواجه سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون شخص مستويات “كارثية من الجوع”.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن المعارضة داخل المؤسسة الأمريكية المنوطة بإدارة المساعدات المدنية الخارجية ومكافحة الجوع العالمي، بلغت مستويات غير مسبوقة على الإطلاق، إذ أن موظفي وكالة التنمية الدولية في واشنطن أرسلوا قرابة 19 مذكرة معارضة داخلية ينددون فيها بالدعم الأمريكي لإسرائيل.
وهاجم موظفو وكالة التنمية الدولية في إحدى المذكرات خلال الشهر الجاري، الإدارة الأمريكية والوكالة على حد سواء، نتيجة الفشل في الحفاظ على المبادئ الإنسانية الدولية وتطويعها لإنقاذ الأرواح.
وتقول الصحيفة البريطانية، إن المذكرة التي اطّلعت عليها، تدعو الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل لفك الحصار الذي يسبب المجاعة.
“لم يكن تبني هذه التحذيرات خيارا سياسيا”، هكذا يقول جيريمي كونينديك، المسؤول السابق بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خلال ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، والذي سعى لمنع المجاعة بجنوب السودان واليمن.
من جانبه، يقول قائد فريق أزمة غزة في لجنة الإنقاذ الدولية بعدما قضى شهورا في غزة، أرفيند داس، إن “المجاعة تأخذ الأصغر أولا، لأن العديد من الأمهات لا تستطيع إنتاج الحليب اللازم لإطعام أطفالهن لأنهم لا يملكون ما يكفي من الطعام لأنفسهم، يلجأ الأشخاص اليائسون للحصول على أي غذاء إلى أكل علف الحيوانات والعشب، كما تعيش العائلات على وجبة واحدة في اليوم”.
ويصف داس حالة الأطفال والنساء في غزة قائلا: “أصبح من عاديا أن ترى نساء وأطفالا بلا لحم ولا طعام ولا مياه مناسبة للشرب”، مؤكدا أنه لم ير مثيلا للوضع الغذائي المتردي بالقطاع خلال عمله بجنوب السودان وسوريا والسودان.
وفي السياق نفسه، يقول أحد الأطباء من المملكة المتحدة يعمل بإحدى مستشفيات غزة بالقرب من خان يونس، للصحيفة البريطانية، إن الأطفال تحديدا يعانون بشدة.
وأوضح الطبيب البريطاني، أن بعض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاما ممن يعالجهم، باتت أجسادهم بوزن أطفال في عمر 5 سنوات، مشددا على أن هناك سوء تغذية مزمن في تغذية غالبية الأطفال إن لم يكن جميعهم.
التنبؤ بالمجاعة “القاتلة” في غزة خلال وقت مبكر من الحرب لم يكن صعبا، بعدما بدأ الرد الإسرائيلي بفرض حصار خانق على القطاع أعلنه وزير الدفاع يوآف جالانت: “لا كهرباء، لا طعام، لا ماء ولا وقود.. نحارب (حيوانات بشرية)”.
ومنذ أن بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر الماضي، استشهد أكثر من 35 ألف فلسطيني في القطاع غالبيتهم من النساء والأطفال.
ويشدد مسؤولون في الأمم المتحدة في تصريحات لـ “إندبندنت”، على أن عمليات التفتيش الشاملة لشاحنات المساعدات والرفض التعسفي لدخول المواد “ذات الاستخدام المزدوج”، التي تزعم إسرائيل أن حماس قد تستخدمها في الحرب، زاد من حدّة الأزمة الغذائية.
إلى جانب ذلك، كشفت تصريحات 10 مسؤولين بالأمم المتحدة وعمال إغاثة ودبلوماسيين ينسقون دخول المساعدات، أن هناك قيود على إنفاذ المساعدات إلى شمال غزة.
وقبل الحرب، كان عدد شاحنات المساعدات التي يعتمد عليها سكان القطاع في الأساس، أكثر من 500 شاحنة يوميا شاملة الوقود، غير أن هذا العدد تراجع في الفترة ما بين 7 أكتوبر ونهاية فبراير إلى 90 شاحنة بانخفاض بلغ 82% في وقت تشتد فيه الحاجة إلى المعونة بسبب الحرب الطاحنة.
على الجهة المقابلة، زعمت وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية مرارا، أنه لا يوجد حد لحجم المساعدات التي تدخل إلى غزة والتي تسهلها “بنشاط”، لكنها رفضت الرد على الصحيفة البريطانية.
وفي منتصف نوفمبر الماضي، تعطلت آخر مطحنة قمح بغزة والتي كانت المصدر الأخير للدقيق والخبز في القطاع، بعد تعرضها لقصف إسرائيلي.
وأسقط القصف الإسرائيلي المكثف على غزة، نحو 254 عامل إغاثي بينهم 188 موظفا أمميا، لتكون أكبر حصيلة ضحايا في تاريخ منظمة الأمم المتحدة.
في حين تعرضت 3 قوافل مساعدات تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” للقصف من قبل البحرية الإسرائيلية، على الرغم من مشاركة إحداثيات نظام تحديد المواقع “جي بي إس” وعدد الشاحنات مع جيش الاحتلال، وفق تصريحات الوكالة لـ “إندبندنت”.
لم يستغرق الأمر طويلا ليبلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة آلاف الشهداء، وكذلك التحذيرات من مجاعة وشيكة.
وبحلول ديسمبر الماضي، أكدت مؤسستان دوليتان أن غزة باتت على شفا المجاعة التي تهدد ما يزيد عن مليون فلسطيني، بعدما تم تكليفهما من بعض الحكومات حول العالم بتحديد موعدها.
وقال القائد السابق لمكتب المساعدة الخارجية بحالات الكوارث التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، جيريمي كونينديك، إن تلك التحذيرات كان يجب أن تجبر الإدارة الأمريكية على التحرك سريعا، مستدركا: “لو أن نفس الظروف ظهرت في معظم الدول حول العالم لتصرفت الولايات المتحدة، لكنها رفضت بعناد اتخاذ أي إجراء قد يعيق المجهود الحربي الإسرائيلي”.
وأوضح كونينديك، أنه حينما تطلق التحذيرات من المجاعة، يتطلب الأمر رد فعل قوي سواء إغاثيا أو دبلوماسيا، إلا إنه لا يوجد شئ في إجراءات بايدن في ديسمبر يظهر أي من إجراءات الوقاية من المجاعة”، وفق “إندبندنت”.
أمّا في البيت الأبيض، فإن متحدثين باسم بايدن تحدثوا دائما، في تصريحاتهم للصحيفة البريطانية، عن مطالبات بايدن حكومة الاحتلال الإسرائيلي بفتح مزيد من المعابر، كما تطرقوا إلى الزيادات المؤقتة في أعداد شاحنات المساعدات كدلالة على وصفوه بـ “فعاليته”.
لكن المتحدثين الرسميين لم يذكروا أن تلك الزيادات المؤقتة لم تكن تتناسب مع حجم الأزمة في غزة، إذ تستمر المجاعة في التوسع، بينما يرفض بايدن ممارسة ضغط فعلي على نتنياهو بجعل المساعدة العسكرية مشروطة.
ويدّعي متحدث باسم البيت الأبيض، أن بايدن يقود الجهود الرامية لإيصال المساعدات إلى غزة، زاعما أنه قبل مشاركته لم يكن هناك طعام أو ماء أو دواء يدخل القطاع، مشددا على أن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للمساعدات إلى غزة.
وبين أروقة الوكالة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أثار غياب الإصرار لدى قادتهم “المعينين سياسيا” امتعاض موظفي الوكالة، إذ أظهرت وثائقها أن الموظفين أوصلوا مخاوفهم حول عدم اتخاذ إجراءات بشأن المجاعة في غزة، إلى مديرة الوكالة سامنثا باور وكبار قادتها، عبر رسائل معارضة داخلية، غير أنها لم تلقى اهتماما.
“الشئ الذي كان محبطا للغاية، هو أننا نسمع بشأن المجاعة الوشيكة في غزة”، يقول موظف عامل بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه ما زال يعمل لدى الوكالة، مشيرا إلى أنه كان على علم بإرسال نحو 19 مذكرة للاعتراض على عدم اتخاذ الوكالة إجراءات بشأن المجاعة.
الرقم يصفه كونينديك بأنه “غير عادي”، ويؤكد أنه لم يواجه مذكرة معارضة واحدة داخل الوكالة على مدار أكثر من 5 سنوات قضاها خلال ولاية كل من أوباما وبايدن.
بحلول منتصف يناير، كانت الوكالات الإغاثية في غزة تطلق نداءات يائسة لوقف العنف من أجل تسهيل وصول المساعدات الغذائية، حيث أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 378 ألف شخص يواجهون معدلات كارثية من الجوع، وأن جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة يعانون من نقص حاد في الأمن الغذائي.
في مؤتمر صحفي يوم 31 يناير، أكد مايكل رايان، المدير الطبي لمنظمة الصحة العالمية، أن “هؤلاء السكان يواجهون مصيرا مأساويا حيث يتعرضون للموت جوعا، ويتم دفعهم إلى حافة الانهيار الشامل”.
في ذات اليوم الذي وصف فيه رايان الوضع القاسي في غزة، دافع جون كيربي، منسق الاتصال بمجلس الأمن القومي الأمريكي بالبيت الأبيض، عن قرار إدارة بايدن بتعليق المساعدات للأونروا، مستنكرا أن يكون قطع المساعدات عن الوكالة الأممية تأثيرا ضارا على الوضع الإنساني في غزة.
وزعم أن الولايات المتحدة تعمل جاهدة لتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية لشعب غزة.
حتى الآن، كان البيت الأبيض يركز على تقديم الدعم اللازم لإسرائيل في حربها ضد حماس.
تفاقمت أزمة الجوع بسرعة خلال الشهر التالي بسبب تصاعد الحرب، وفي 27 فبراير، أبلغ ثلاثة من أبرز مسؤولي الأمم المتحدة مجلس الأمن بأن ما لا يقل عن 576 ألف شخص يواجهون خطر المجاعة الحرج.
وقال راميش راجاسينجهام، مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، إنه رغم الوضع السيئ الحالي، إلا أن هناك احتمالات كبيرة لتفاقم الوضع أكثر.
وفي واحدة من أسوأ مجازر النزاع، استشهد عدد كبير من الفلسطينيين الذين كانوا يسعون بيأس للوصول إلى المساعدات بعد أن أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على حشد يجمع الطعام من شاحنات الإغاثة في 29 فبراير بالقرب من مدينة غزة.
في بادئ الأمر، حمّل جيش الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية للتدافع في الفوضى، لكن في استعراض لاحق، زعم أنه “لم يطلق النار على القافلة الإنسانية، بل أطلق النار على عدد من المشتبه بهم الذين اقتربوا من القوات وشكلوا تهديدا لها”.
ووفقًا لمراجعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، حدثت “حوادث تدافع” أثناء عمليات النهب، مما أسفر عن إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين ودهس الشاحنات لعدد من الأشخاص، فقد خلالها أكثر من 100 فلسطيني حياتهم أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات في ذلك اليوم.
قبل اندلاع الحرب، قدمت الأونروا، وهي أكبر وكالة تعمل في غزة، المساعدات الأساسية للسكان للبقاء على قيد الحياة في المناطق المحاصرة، مثل الغذاء والأدوية والوقود، وكانت الولايات المتحدة هي المانح الرئيسي بشكل كبير للأونروا، حيث ساهمت بنحو نصف ميزانيتها السنوية لعمليات الوكالة.
ومع ذلك، قامت الولايات المتحدة بتجميد هذا التمويل بناء على ادعاءات إسرائيلية بتورط 12 موظفا في الأونروا في هجوم 7 أكتوبر، وأن حوالي 10% من موظفيها لهم ارتباطات بالمسلحين، غير أن مراجعة مستقلة قادها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا أظهرت لاحقا أن إسرائيل لم تقدم أي دليل داعم لهذه المزاعم.
بحلول نهاية فبراير، أعلنت الأونروا أن إسرائيل قامت فعليا بمنعها من الدخول إلى شمال غزة.
بينما وقع ما لا يقل عن 188 من موظفي الأونروا ضحايا منذ بداية الحرب، مع تضرر أكثر من 150 من مرافقها، بما في ذلك العديد من المدارس، واستشهاد أكثر من 400 شخص أثناء البحث عن ملاذ تحت راية الأمم المتحدة، وفقا لما صرحت به المنظمة للصحيفة البريطانية.
تأثرت قدرة فرق الإغاثة على تقديم المساعدات اللازمة بشدة بسبب العمليات القتالية المستمرة، ما أدى إلى تدهور الظروف الأمنية للعمال الإغاثة، وفي أعقاب هجوم على مركز توزيع طعام في رفح في مارس، اتهم رئيس الأونروا فيليب لازاريني إسرائيل بـ “التجاهل الصارخ” للقانون الإنساني الدولي.
لازاريني قال حينها: “الهجوم اليوم على أحد مراكز التوزيع القليلة المتبقية للأونروا في قطاع غزة يأتي في ظل نفاد الإمدادات الغذائية وانتشار الجوع، وفي بعض المناطق، يتحول إلى مجاعة”، مشيرا إلى أن إحداثيات المنشأة كانت معروفة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وجرت العادة بأن يعلن لازاريني عن مواقفه ضد إسرائيل بسبب منعها قوافل المساعدات الإنسانية.
وحاولت الصحيفة البريطانية التواصل مع لجنة تنسيق الأعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، لكنها لم تلقى ردا.
وكانت اللجنة الإسرائيلية انتقدت ما وصفته بـ “الادعاءات الكاذبة التي تُنشر بشكل غير مسؤول” حول تقييد إسرائيل للمساعدات داخل غزة أو عبرها، متهمة حماس بسرقة وتعطيل المساعدات التي تدخل القطاع .
وادّعت اللجنة أن إسرائيل تساعد وتشجع وتسهل دخول المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة وبنيته الأساسية الطبية والبنية الأساسية الأخرى الحيوية، مضيفة أن إسرائيل تخوض حربا ضد حماس، وليس ضد سكان غزة.
من جانبهم، يرى العاملون في المجال الإنساني، أن حل المشكلة يكمن في وقف إطلاق النار، والذي يعد الطريقة الوحيدة لزيادة المساعدات ومنع حدوث مجاعة.
وفي غياب التهدئة، يتعين على إسرائيل فتح المزيد من المعابر البرية في غزة والسماح بدخول مزيد من شاحنات المساعدات.
ومع استخدام الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو” ضد وقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي نيابة عن إسرائيل، أزاحت واشنطن فرص الحل الدبلوماسي.
وفي تبرير لاستخدام “الفيتو” في 20 فبراير، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد إن وقف النار الفوري يعرض المحادثات متعددة الأطراف للخطر ويعرقل التوسط في وقف الحرب والإفراج عن الأسرى.
ومع تعثر تحقيق وقف شامل لإطلاق النار، طالبت الجماعات الإنسانية إدارة بايدن باستخدام نفوذها لممارسة الضغط على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات بسرعة لوقف المجاعة.
وقالت الجمعية النرويجية للاجئين إنها خاطبت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بيلنكن في أكتوبر وحثته على إنشاء بعثة مراقبة دولية على حدود غزة لتسهيل تقديم المساعدات، لكن لم تجد مناشدتها استجابة.
وأكد المسؤولون أن الولايات المتحدة لديها الوسائل للضغط على إسرائيل، ولكن استخدام هذه الوسائل كان موضع جدل داخل الإدارة الأمريكية.
في تصريح أدلى به لصحيفة الإندبندنت، أكد مسؤول بارز على أنه عندما تضطر الحكومة الأمريكية لاستخدام التكتيكات التي استخدمتها سابقا للتصدي “للسوفييت” في برلين وداعش في سوريا والعراق، ينبغي أن يثير هذا بعض الأسئلة الصعبة حول السياسة الأمريكية الحالية.
وفي 2 أبريل، تعرضت مجموعة من عمال الإغاثة في “المطبخ المركزي العالمي” لهجمات متتالية من الطائرات بدون طيار تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي خلال محاولتهم توصيل الطعام لسكان غزة المحاصرين، مما أسفر عن وفاتهم وسط صمت عالمي.
وأفادت منظمة المساعدات الإنسانية التي أسسها رئيسها خوسيه أندريس بأن أعضاءها كانوا يستخدمون سيارات تحمل شعار المؤسسة الخيرية عندما تم استهدافهم، على الرغم من تنسيقهم مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي مقال رأي بعنوان “دع الناس يأكلون”، الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بعد الهجمات، انتقد أندريس السياسات التي قلصت من المساعدات الإنسانية واتهم إسرائيل بحجب الغذاء والدواء عن المدنيين.
لكن هذه المرة، طرأ تغير لافت على رد فعل البيت الأبيض، حيث ألمح الرئيس بايدن إلى إمكانية حجب الدعم الأمريكي عن إسرائيل إذا لم تتخذ إجراءات فورية لحماية عمال الإغاثة.
وخلال مكالمة هاتفية مع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شدد بايدن على ضرورة أن تعلن إسرائيل عن سلسلة من الإجراءات المحددة للتصدي للخسائر في صفوف المدنيين والمعاناة الإنسانية وضمان سلامة عمال الإغاثة.
وفي استجابة فورية، وافقت حكومة الاحتلال على فتح 3 ممرات للمساعدات الإنسانية في غزة، بما في ذلك معبر إيريز الذي كان مغلقا منذ اندلاع الحرب.
وبالرغم من ذلك، زادت مخاوف منظمات الإغاثة بسبب تواصل انتهاكات إسرائيل للقوانين الإنسانية الدولية ومنعها وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
في بداية شهر أبريل، أفادت برقية صاغها مسؤولون في الوكالة الأمريكية للإغاثة الدولية وتم تسريبها لـ “هاف بوست”، بأن “عتبة تحديد المجاعة قد تم تجاوزها بالفعل على الأرجح” في قطاع غزة، حيث وصفت مستويات الجوع وسوء التغذية بأنها “غير مسبوقة في التاريخ الحديث”.
كما تسربت مذكرة منفصلة كتبها مسؤولو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لوزير الخارجية أنتوني بلينكين، تشير إلى أن إسرائيل قد تنتهك توجيهات البيت الأبيض التي تحث على السماح بتسليم المساعدات الإنسانية الممولة من الولايات المتحدة دون عوائق.
وعلى الرغم من ذلك، تسربت مذكرة أخرى إلى “ديفيكس” من قبل خبراء في الأمن الغذائي، حملت عنوان “المجاعة التي لا مفر منها، يمكن للتغييرات أن تقلل من وفيات المدنيين على نطاق واسع ولكن لا توقفها”، تشير إلى أن “التحديات الإدارية التي تفرضها إسرائيل تعيق تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة”.
وآنذاك، بدا واضحا أن الضغط الذي مارسه الرئيس الأمريكي جو بايدن على نتنياهو بدأ يؤتي ثماره، حيث تمكنت شاحنات أخرى من نقل المواد الغذائية والإمدادات إلى غزة في نهاية شهر أبريل، كما تم فتح معبر إيريز مطلع مايو، ليرتفع عدد الشاحنات التي تدخل إلى غزة إلى أكثر من 200 شاحنة يوميا لعدة أسابيع.
واعتبر البعض هذه الخطوة إشارة على تقدم، ولكن بالنسبة للآخرين، فقد أظهر ذلك قدرة بايدن على التأثير المباشر على سلوك إسرائيل كلما قرر استخدام نفوذه.
ومع ذلك، وكما حدث عدة مرات خلال الصراع الممتد منذ أكثر من 7 أشهر، لم يدم الضغط والتقدم لفترة طويلة.
ومع احتداد المجاعة في غزة، أكدت الأمم المتحدة مرارا أن الوقت بات محدودا لمنع آلاف الوفيات.
وفي ضوء هذه الظروف، قالت سيندي ماكين، المديرة الأمريكية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، تعتبر أبرز شخصية دولية تحذر من وقوع مجاعة في غزة، إن الوضع “مرعب”.
وعلى مدار الأشهر الماضية، أذاعت إسرائيل نيتها لاجتياح رفح جنوبي غزة، Top of Formالتي تضم أكثر من مليون شخص نزحوا من مناطق أخرى، بينما ما يقرب من 600000 طفل يعيشون في ظروف معيشية صعبة داخل الخيام والمباني المكتظة، بينما يحاولون اللجوء إلى أقل الأماكن أمنا.
كما كانت رفح المركز الرئيسي لوكالات الإغاثة العاملة في غزة، وتُعتبر بحسب المزاعم الإسرائيلية آخر معاقل حماس.
من جهته، أعلن البيت الأبيض معارضته للعمليات العسكرية الواسعة النطاق في رفح، تجنبا للكارثة الإنسانية المحتملة التي قد تنتج عنها.
ومع ذلك، بعد أيام قليلة من مقابلة سيندي ماكين، أمرت إسرائيل بإجلاء ما يقارب 100000 شخص من المدينة، قبل أن تسيطر قوات الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، على معبر رفح الحدودي، وتوقف حركة نقل المساعدات عبر “القناة الرئيسية”، والذي كان الممر الوحيد الذي كان يمكن للفلسطينيين المصابين أو المرضى أن يتلقوا العلاج عبره.
وفي 5 مايون، أغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم، بعد هجوم أسفر عن مقتل 4 جنود.
وعلى الرغم من تأكيد إسرائيل بأن المعبر فتح منذ ذلك الحين، أشار مسؤولون في الأمم المتحدة إلى أنه من الصعب للغاية على العاملين في المجال الإنساني الوصول إليه بشكل صحيح.
وأوضح ينس ليرك، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لصحيفة “الإندبندنت” أن معابر رفح وكرم أبو سالم كانتا “الشرايين الرئيسية للعملية الإنسانية” في القطاع بأكمله، وأن إغلاقهما كان “كارثيا”.
هذه الخطوة أعقبها استجابة “دراماتيكية” من الرئيس بايدن، الذي هدد لأول مرة بوقف تسليم أسلحة هجومية محددة إلى إسرائيل إذا دخلت قواتها إلى رفح.
وبدلاً من إلغاء الهجوم، قامت إسرائيل بتوسيع أوامر الإجلاء في جنوب وشمال غزة لتشمل نحو 300000 شخص، وبدأت في هجومها على رفح.
وفي الوقت نفسه، لم يضع الرئيس بايدن نفس الشروط على تسليم المساعدات الإنسانية التي كانت بحاجة ماسة إليها.
وتؤكد الصحيفة البريطانية، أن هذا التناقض هو ما أثار القلق داخل حكومة الأمريكية، خاصة بين الذين يسعون لمنع حدوث المجاعة.
وقال مسؤول حالي في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لم يصرح باسمه: “أعتقد أن الولايات المتحدة متواطئة في تهيئة الظروف لحدوث المجاعة”، مضيفا: “لم تكن استجابتنا كافية على الإطلاق، بل نحن مسؤولون بشكل كبير عن ذلك”.