04:46 م
الثلاثاء 25 فبراير 2025
كتبت- أسماء البتاكوشي:
بدأ العد التنازلي لانتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وإسرائيل، ولا تزال الخلافات محتدمة بشأن الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، أو تمديد الأولى، وهو ما يعرقل التوصل لاتفاق جديد، ويزيد المخاوف من استئناف العمليات العسكرية، خاصة بعدما أجلت تل أبيب الإفراج عن أكثر من 600 أسير فلسطيني ضمن الدفعة السابعة التي كانت مقررة السبت الماضي.
في الأيام الأخيرة الماضية، تصاعدت التهديدات الإسرائيلية، بعملية عسكرية جديدة في قطاع غزة في الوقت الذي تشن فيه عملية واسعة بالضفة، إذ نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول رفيع قوله إن استئناف الحرب بات مسألة وقت، مشيرًا إلى وجود تفاهمات مع الولايات المتحدة بهذا الشأن، موضحًا أن تشكيل قيادة جديدة لهيئة الأركان الإسرائيلية قد يمهد الطريق لتنفيذ هذه العملية العسكرية، والتي وصفها بأنها “أمر لا مفر منه”.
فيما قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، “ستندهشون من قوة ودقة وفتك العملية العسكرية لاحتلال غزة عندما نقرر الوقت المناسب لاستئنافها”، مشيرًا إلى أن الجيش يستعد لعملية أشد فتكًا في غزة بقيادة رئيس الأركان الجديد إيال زامير، وبدعم سياسي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
جاء هذا بعدما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي مستعد لاستئناف القتال المكثف في قطاع غزة في أي لحظة، موضحًا أن الخطط العملياتية لذلك قد أعدت بالفعل، كما أعرب عن دعمه لمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، قائلًا: “نحن ندعم خطة ترامب الهادفة إلى منح سكان غزة حرية المغادرة وإنشاء غزة أخرى”.
في الوقت ذاته، يصعد جيش الاحتلال عملياته في الضفة بصورة غير مسبوقة، إذ أعلن استخدام الدبابات لأول مرة منذ 23 عامًا منذ عملية “السور الواقي” عام 2002 في محيط مدينة جنين بالضفة، كما دفع بقوة من 3 دبابات إلى منطقة جنين بالضفة، لافتًا إلى أن قرار استخدام الدبابات في معارك شمالي الضفة جاء بسبب ضغوط مارستها القيادة السياسية عليه برغم عدم وجود الحاجة المهنية لهذا القرار وكذلك لتجنب الاضطرابات في الضفة، حسبما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.
استئناف الحرب أو التهدئة
ويرى خبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور، أن الساحة السياسية الإسرائيلية تشهد تصعيدًا في الخطاب تجاه قطاع غزة، إذ يواصل مسؤولون بارزون، بينهم وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس، التلويح بإمكانية استئناف العمليات العسكرية، رغم اتفاق للتهدئة، التصريحات التي تأتي في ظل انقسام داخلي بين مؤيدين للالتزام بالاتفاق، وضغوط من أوساط اليمين المتطرف تطالب باستكمال الحرب، وسط تساؤلات حول مدى جدية هذه التهديدات وإمكانية تنفيذها على أرض الواقع.
ويقول الدكتور علي الأعور خلال حديثه لـ”مصراوي”، إنه قبل بدء الصفقة والتوقيع على الإعلان، كانت إسرائيل، إلى جانب عدد كبير من أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف وحزب الليكود، تطالب بشدة بالعودة إلى الحرب واستئناف القتال بهدف تدمير غزة بالكامل، الدعوات التي لم تتوقف حتى بعد توقيع الاتفاق، إذ استمرت التصريحات التصعيدية من شخصيات بارزة مثل سموتريتش ووزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير، الذي قدّم استقالته احتجاجًا على وقف الحرب، متناسيًا أن الهدنة جاءت كثمن لاستعادة الأسرى الإسرائيليين أحياءً إلى تل أبيب.
وفي تطور جديد، بدأ وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، في التهديد مجددًا باستئناف الحرب بوحشية غير مسبوقة، ولكن يبقى السؤال: ماذا تبقى من غزة حتى يعود القتال؟ سكان القطاع عاشوا أهوال الحرب، لكن إرادتهم وصمودهم في أرضهم أحبطت مشاريع التهجير، تمامًا كما فشل مشروع ترامب في ترحيل الفلسطينيين، والدليل على ذلك عودة نحو نصف مليون فلسطيني من النازحين إلى مناطقهم المدمرة، ليؤكدوا أنهم أصحاب هذه الأرض، رغم الدمار الهائل، حسبما أفاد خبير الشؤون الإسرائيلية.
خيار الحرب لم يعد مطروحًا
ويوضح خبير الشؤون الإسرائيلية علي الأعور، إنه في ظل هذه الأوضاع، يعود بعض وزراء إسرائيل وأعضاء الكنيست للمطالبة بتدمير ما تبقى من غزة والقضاء على حركة حماس، لكن الواقع الميداني يفرض معادلة مختلفة: إما استعادة الأسرى الإسرائيليين في توابيت، أو استكمال الصفقة والمضي قدمًا في مرحلتها الثانية. هذا هو الخيار الحقيقي المطروح أمام الحكومة الإسرائيلية.
خيار الحرب لم يعد مطروحًا، وفقا لـ”الأعور”، ليس فقط بسبب الضغوط الدولية، ولكن أيضًا بسبب التغيرات في الشارع الإسرائيلي، الذي بات يوجه المرحلة المقبلة، وليس نتنياهو أو وزراؤه، فالشارع الإسرائيلي يضغط لتنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة، مما يقلل من احتمالات العودة إلى الحرب.
ويبدو أن نتنياهو لا يستطيع تحمل مسؤولية استمرار احتجاز الأسرى الإسرائيليين في غزة، ولا حتى إدارة ترامب قادرة على تحمل تداعيات ذلك، من هنا، فإن الاتجاه العام يسير نحو تنفيذ الاتفاق، رغم محاولات نتنياهو للمراوغة وتأخير التنفيذ عبر المناورات السياسية، لكن المؤشرات تشير إلى أن القرار النهائي سيكون المضي قدمًا في الصفقة، وليس العودة إلى التصعيد العسكري، وفق خبير الشؤون الإسرائيلية.
في الوقت ذاته أصدر قادة المعارضة الإسرائيلية بيانًا مشتركًا دعوا فيه حكومة نتنياهو إلى استكمال تنفيذ صفقة التبادل دون تأخير، الموقف الذي جاء في ظل انتقادات متزايدة داخل إسرائيل حول كيفية إدارة الحكومة لملف الأسرى، خاصة بعد الضغوط الشعبية المتزايدة من عائلات الأسرى.
عودة للحرب
بينما يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد المهدي مطاوع، أن إسرائيل تسعى من خلال استراتيجيتها الحالية إلى تحقيق هدفين رئيسيين في مفاوضاتها حول الهدنة مع حركة “حماس”، الهدف الأول هو تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، بهدف الحصول على مزيد من الأسرى وتعزيز موقفها التفاوضي، أما الهدف الثاني، فيكمن في فرض شروط المرحلة الثانية، والتي تتضمن نزع سلاح حماس، وإزالة حكمها من قطاع غزة، إلى جانب شروط أخرى من المتوقع أن ترفضها الحركة، ما قد يمنح تل أبيب ذريعة لاستئناف العمليات العسكرية.
ويضيف مطاوع خلال حديثه لـ”مصراوي”، أن هذه التوجهات تحظى بدعم واضح من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يساند نتنياهو في أي قرار يتخذه، الأمر الذي يعزز فرص التصعيد العسكري. لكن في الواقع، تبقى الضفة الغربية هي الهدف الأهم بالنسبة لإسرائيل، خاصة مع انضمامها إلى أولويات الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية، وهو ما يفسر التصعيد الإسرائيلي غير المبرر هناك، حيث لم يأتِ كرد فعل على أي تطورات جوهرية على الأرض، بل يأتي في سياق رؤية أيديولوجية تهدف إلى فرض الأمر الواقع.
وأكد أنه في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الاتفاق الحالي سيتم تعديله، وسيتم فرض شروط جديدة على أي مرحلة قادمة، وفي حال رفض الجانب الفلسطيني لهذه الشروط، فإن البديل سيكون العودة إلى الحرب، وفقًا لما تسعى إليه الحكومة الإسرائيلية.