07:01 م
الأحد 04 يونيو 2023
– مارينا ميلاد:
اسودّت السماء فجأة وضربت مصر رياح عاتية، الخميس الماضي، اقتلعت معها لوحات إعلانية، لتسقط فجأة فوق رأس أشخاص دون أن يتنبهوا لأي خطر قادم.
ما فعلته العاصفة الرملية بلوحات الإعلانات قتل شخصين – أحدهما مهندسة شابة – وخلف أربعة مصابين والكثير من الجدل حول “مدى تحمل اللوحات الإعلانية للعوامل الجوية، ومن المسؤول عن الخطأ؟”.
بمجرد أن شاهد المهندس محمود طلعت، صور اللوحة الإعلانية المنهارة أعلى كوبري 6 أكتوبر، أدرك أن القطاعات (الأعمدة الرئيسية المثبت عليها اللوحة) قليلة، والروابط بينها غير سليمة. وباعتباره متخصصًا في التصميمات الإنشائية (Steel structure)، فيعتقد “أن تثبيتها في الأرض لم يتم بشكل صحيح، وعلى الأغلب لم يُجر لها تصميم هندسي”.
فتلك اللوحات الضخمة التي تملأ طرق العاصمة، تندرج تحت جزء “المنشآت المعدنية”، التي تطلب أولا إجراء مهندس مختص لتصميمها. ويراعي هذا التصميم أحمال الزلازال والرياح، فيتضمن شكل القطاعات ومواصفتها كالأبعاد، الأطوال، النوع، والسُّمك. ثم يتابع مكتب هندسي استشاري اعتماد التصميم وخطوات تنفيذه حتى الاستلام، بحسب ما يوضحه “طلعت”.
تلك العملية الطويلة والمُكلفة، لا يفضلها أغلب العملاء، كما يقول “طلعت”، الذي يشير إلى أن العميل يريد تقليل التكلفة قدر الإمكان، فيسند المشروع لشركات صغيرة أو مقاول، وهذا المقاول غالبًا لا يلجأ لمهندس للتصميم، إنما يعتمد على خبرته أو تصميم قديم لديه.
وإن لجأ المقاول لمهندس؛ قد يكون حديث التخرج أو بلا خبرة كافية، وبالتالي، لن يكون هناك مكتب استشاري للمراجعة، وهذا ما يسبب حدوث خلل ومشكلات باللوحات وأن تسقط مع أي تقلبات جوية.
تختلف تكلفة اللوحة وفقًا للمطلوب تنفيذه ومن سينفذه. لكن “طلعت” يضرب مثالا إن كان مسؤولا عن تصميم تلك اللوحة التي سقطت أعلى الكوبري، فسيحصل على مبلغ يتراوح بين 7 لـ 15 ألف جنيه. ذلك غير تكلفة الحديد الذي يزيد سعره بشكل متسارع، فبحسب “طلعت”، يتكلف الكيلو الواحد في أقل قطاع حديد نحو 37 ألف جنيه.
“قال لي عميل ذات مرة، الرقم الذي تطلبه أعلى من تكلفة اللوحة كلها”.. يقول “طلعت”.
الصورة التي يرسمها “طلعت” قد تمثل خطورة أكبر في اللوحات الإعلانية المثبتة أعلى البيوت. فاليوم التالي لتلك العاصفة الترابية، شهد ميل لوحة إعلانات عملاقة بارتفاع ٢٥ مترا وعرض ٣٠ مترا فوق سطح أحد عقارات حي الشرابية.
كادت تلك اللوحة أن تسقط على العقار والعقارات الملاصقة قبل أن يتم إنقاذها بونشين بحمولة ١٦٠ طنا ومجموعة من الفنيين المتخصصين، بحسب بيان شركة المقاولون العرب، التي جاءها الإبلاغ من محافظة القاهرة.
وأصدر محافظ القاهرة، تعليماته بتشكيل لجنة هندسية لبيان مدى تأثر العقار من حادث تلك اللوحة التابعة لشركة خاصة، مع اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
لم تعد اللوحات الإعلانية وعلاقتها بالبيوت مثل الماضي، فتطورت وازدادت تعقيدًا.. هكذا ترى داليا عبدالله (أستاذ العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة). إذ تحولت اللوحات من ورق مثبت على جانبي العقار إلى “بانر” أكثر تحملا، ثم إعلانات مضيئة، حتى وصلت تدريجيًا إلى شكلها الحالي منذ عشرين عامًا.
الشكل الحالي المسمى “يوني بول، أو تيبول أو فلاج تايب”، هو اللوحات الكبيرة ذات مقاس 4 في 8 متر أو 4 في 14 متر، والمرفوعة على أعمدة عالية ولها قاعدة خرسانية. ذلك الشكل الذي يستلزم في رأيها “متابعة الأحياء مع أصحاب العقارات والوكالات الإعلانية المستأجرة لأي مساحة، وعمل صيانة دورية”.
وألزم قانون رقم 208 لسنة 2020 لتنظيم الإعلانات على الطرق العامة، والذي ألغى القانون القديم العائد لسنة 1956، المُعلن بالقيام بأعمال الصيانة للافتة طبقًا للمعايير التي يصدرها الجهاز القومي لتنظيم الإعلانات، وفي حالة امتناعه تقوم الجهة المختصة بالأعمال اللازمة على نفقته ويكون التحصيل عن طريق الحجز الإداري.
كما يكون للجهة الإدارية حق إزالة اللافتة على نفقته أيضًا إذا كان من شأن بقائها تعريض سلامة المنتفعين بالطرق أو السكان أو الممتلكات للخطر أو إعاقة حركة المرور.
لكن عادة لا تجرى تلك المتابعة والصيانة للقطاعات القديمة، فقط يتم تغيير المادة الإعلانية، كما يقول المهندس محمود طلعت، ذلك في وقت تستحوذ الإعلانات الخارجية على نصف صناعة الإعلان في مصر التي بلغت قيمتها حوالى 5 مليارات جنيه عام 2019، وفقاً لتقدير شعبة الإعلان في اتحاد الصناعات المصرية.
وربما لم يقتصر أمرها عند الصيانة، بل قد تتواجد لوحات إعلانية منتهية الترخيص مثل اللوحة التي سقطت فوق كوبري أكتوبر. فهذه اللافتة الموجودة أعلى عزبة أبو حشيش قد حررت الجهة الإدارية بمخالفتها في فبراير الماضي، بحسب شهادة مديرَ الإيرادات والإعلانات بحي حدائق القبة للنيابة العامة، التي تحقق في الواقعة.
ويعاقب قانون تنظيم الإعلانات كل من وضع لافتة مخالفة بغرامة لا تقل عن مثلي قيمة تكلفة الأعمال، ولا تزيد على 3 أمثال تلك القيمة. وفي جميع الأحوال، يقضي بإزالة اللافتة وبإلزام المخالف برد الشيء إلى أصله، وأداء ضعف الرسوم المقررة على الترخيص.
والرسوم المستحقة لإصدار الترخيص وفقًا للقانون، لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، على أن تؤول نسبة 20% من ذلك إلى الخزانة العامة للدولة. ويستثنى من ذلك اللافتات التي يتم وضعها على المباني والأراضي المملوكة للأشخاص الطبيعية.
وعليه، أمرت النيابة بتشكيل لجنة هندسية من محافظة القاهرة لمعاينة الأرض الكائن بها الإعلان، والاطلاع على ملف تراخيص اللافتة، وبيان مدى الالتزام بأعمال الصيانة بها أو بيان المتسبب عن بقاءها بعد انتهاء ترخيصها، كما استدعت النيابة مسؤولي الوكالة مالكة اللافتة لسؤالهم.
تلك الواقعة لم تكن الأولى. في عام 2015، سقطت لوحة إعلانات أعلى كوبري أكتوبر، خلفت إصابات. وفي عام 2018، قررت النيابة العامة في الإسكندرية، حبس 3 أشخاص، بينهم مالك عقار في واقعة سقوط لوحة إعلانات على كورنيش الإسكندرية، أدت لوفاة شخص.
لذا حذرت منار غانم (عضو المركز الإعلامي بالهيئة العامة للأرصاد الجوية)، خلال تصريحاتها التلفزيونية، من الاقتراب من الأشجار والبنايات المتهالكة ولوحات الإعلانات، في ظل هبوب رياح تجاوزت سرعتها 50 كيلومترًا في الساعة.
وترجع التقلبات المناخية التي تشهدها مصر إلى الكتل الهوائية القادمة من الصحراء الشرقية أو الغربية. ويقول المهندس محمود طلعت، “عادة لم نكن نأخذ في اعتبارنا التقلبات الكبيرة في الجو، فمصر ليست اليابان وغير معرضة لكوارث طبيعية. لكن يبدو أن الوضع تغير”.
اقرأ أيضًا:
يوم الأرض: كيف أثر تغير المناخ على الحياة في مصر؟