جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يعرف المُشتغلون في مجال خدمة حفظ وترميم المخطوطات الأصلية ما يُعرف باسم “العيب المتأصل”، الذي يعني ببساطة أن المخطوطات المصنوعة من بعض المواد العضوية أو المكتوبة بحبر حديدي، تحتوي بداخلها على بذور دمارها، وعوامل تدهورها، كجزء لا يتجزأ من تركيبها.
وتلك الحقيقة تجعل من وظيفة أساليب الحفظ والترميم، إبطاء عملية التدهور من أجل إطالة عمر تلك المخطوطات كوعاء مادي للمعرفة، مع ضرورة الإسراع بعملية رقمنة المحتوى النصي للمخطوطات.
وبهذا نُحافظ على القيمة المادية الأثرية للمخطوط بقدر الإمكان، وكذلك نُحافظ على قيمته ومحتواه المعرفي.
ولو حاولنا الانتقال بمفهوم “العيب المتأصل” من مجال المخطوطات إلى مجال الحياة الخاصة، والحياة العامة، يمكن القول إن بعض البشر يحملون في تكوينهم عيوبًا متأصلة، ونقصًا ما لا تُجدي معهم أساليب التقويم والصيانة والإصلاح، لذا يسيرون بعيوب شخصيتهم وتكوينهم نحو تدهورهم التام معنويًا ومهنيًا، ويضربون عرض الحائط بكل نصيحة مخلصة تهدف إلى تنبيههم لموضع أخطائهم، وحثهم على صيانة كرامتهم ووجودهم.
وأظن أن أفضل طريقة للتعامل مع هذا النوع من البشر في الحياة الخاصة والعامة، تأتينا من عالم الزبالة”، وتُسمى طريقة “الفرز من المنبع”، التي يتم بمقتضاها تصنيف وفصل الزبالة بحسب نوعها وقيمتها، بداية من المنشأ.
وبالقياس مع الفارق، يتحتم على الإنسان السويّ في حياته الخاصة والعامة فرز البشر المتعامل معهم من البداية، والبُعد عن أصحاب “العيوب المتأصلة” غير القابلة للإصلاح، حتى لا يسيئوا إليه، ويُفسدوا حياته، وحتى لا يتحمل تبعات أمراضهم وتشوّهاتهم الداخلية وسلوكياتهم.
كما يتحتم على الدولة في مؤسساتها العامة حماية المجتمع والمؤسسات من تشوهات وسلوك وفساد هؤلاء، بفرزهم واستبعادهم من المنبع، وعدم السماح بوصولهم إلى بعض الوظائف والمسؤوليات النوعية بصفة عامة، وإلى المناصب القيادية في أي مجال عمل حكومي بصفة خاصة.
وتلك المهمة الوطنية تقع على عاتق أجهزة المعلومات والأجهزة الرقابية في هذه المرحلة من تاريخ مصر المليئة بالتحديات والأحلام الوطنية؛ لأن تلك الأجهزة هي صمام أمان الدولة ومؤسساتها، وأهم الآليات التي يمكن من خلالها تنفيذ عملية الفرز والفصل من المنبع، وحماية المجتمع والدولة والمؤسسات من أصحاب العيوب المتأصلة، الذين يُهدرون بوجودهم في تلك المواضع القيمة والمكانة والإمكانات.