06:49 م
الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
كتبت- سلمى سمير:
تبدأ الانتخابات الرئاسية الأمريكية في وقت يشهد فيه العالم أحداث غير مسبوقة من حروب دائرة في عدد من المناطق حول العالم أصبحت كل منها ملف لا يُستهان على جدول مرشحي الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كاميلا هاريس، لما تمثله تلك البلدان من تشابك وتأثير واضح في السياسات الأمريكية.
تبدأ الانتخابات في وقت لم تتضح فيه حتى الآن مصير الحرب الدائرة في قطاع غزة المستمرة منذ عام، ولا حتى الحرب الروسية على أوكرانيا التي قاربت على عامها الثالث، إضافة للملف الصيني التي يُشكل توسعها ونفوذها تهديدًا لا يخفى على الولايات المتحدة، مما يدفع كل دولة من الدول المذكورة لتفضيل مرشح عن الآخر وفقًا لما تقتضيه مصالحها.
إسرائيل
يأتي الملف الإسرائيلي، كلاعب أساسي وواضح في الحرب الدائرة، بالنظر إلى للتغيير الذي قد يحدثه الرئيس القادم في مسار الحرب سواء كان من التيار الديمقراطي والذي اختبرته تل أبيب بإدارة الرئيس جو بايدن، أو الجمهوري دونالد ترامب، والذي يرى مدير برنامج الولايات المتحدة الأميركية في مجموعة الأزمات الدولية مايكل حنا، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي” أن إسرائيل سترغب في فوزه بكل تأكيد.
وقال مايكل حنا، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وغالبية الإسرائيليين يفضلون فوز دونالد ترامب، والذي أشارت بعض تقارير الصحفية الإسرائيلية إلى أنه طلب من نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هو المنتصر.
وأضاف مدير برنامج الولايات المتحدة، أن الفترة التي قضاها ترامب في ولايته السابقة تشير إلى أنه سيمنح إسرائيل حرية أكبر للمضي قدمًا ليس فقط في الحرب وإنما في قضايا أخرى مثل توسيع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية واحتمالية ضم عدد من الأراضي للسلطة الإسرائيلية، وهو ما يرجح عدم حدوثه حال فازت المرشحة الديمقراطية، التي يمكن أن يخلق فوزها باعتقاده مجالًا للمناورة أكثر بكثير من إدارة الرئيس بايدن.
من جانبه يرى المحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور غسان معلوف، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي”، أنه لا يعتقد أن تحدث نتائج الانتخابات الأمريكية أي تأثير يُذكر على الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل أو حتى في منطقة الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أنها سياسة ثابتة لا تتغير تنص على الانحياز التام للجانب الإسرائيلي على مر العقود سواء كانت الإدارة ديمقراطية أم جمهورية.
اتخذ ترامب عددا من الخطوات التي لم يجرؤ أي رئيس أمريكي على اتخاذها، وهي ما تجعله بحسب دكتور غسان، سبب في مراهنة نتنياهو على فوزه باعتباره “صديق” جمعته به ارتباطات شخصية، إضافة إلى خطوات غير مسبوقة في الدعم لإسرائيل كقرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، بتشجيع من نتنياهو شخصيًا، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وتوقيعه على اعتراف أمريكي بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل.
ومع ذلك يقول الدكتور غسان، إن تفضيل فوز ترامب لا يعني أن الإدارات الديمقراطية ستكون معادية لإسرائيل أو تدير ظهرها لها، وذلك بالاستناد إلى إبقاء الرئيس بايدن على جميع الخطوات والقرارات التي اتخذها ترامب فيما يتعلق بالجولان ونقل السفارة إلى القدس.
الملف الروسي الأوكراني
“سأنهي الحرب في 24 ساعة لو أصبحت رئيسًا للولايات المتحدة” كانت هذه بعض تصريحات ترامب عند الحديث عن الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ أكثر من عامين ولم تنجح الإدارة الديمقراطية في وقفها حتى الآن، لكن المحلل السياسي المختص في الشأن الروسي محمد مختار، يرى في تصريحات خاصة لـ “مصراوي” أنها ليست إلا مجرد تصريحات نخبوية من أجل كسب الأصوات في الانتخابات.
وعن الأصلح لأوكرانيا بين المرشحين الرئاسيين، فيرى مختار أن كييف بلا شك تفضل فوز كاميلا هاريس بالتحديد وإن لم يصرح مسؤول أوكراني بذلك، نظرًا للدعم السخي على المستوى السياسي والعسكري من الديمقراطيين سواء في إدارة بايدن سابقًا أو هاريس مستقبلًا.
وركز مختار، على أهمية الدعم الأمريكي لأوكرانيا في مواجهة الجيش الروسي، الذي بدونه كانت كييف ستقف بموقف حرج دون دعم كاف، وهو ما يرغب ترامب بتغييره، لكنه لن يكون سهلًا عليه نظرًا لأن الملف الأوكراني أصبح من الملفات الهامة لدى الإدارة الأمريكية وهو ما لن يقبل المسؤولون الأمريكيون التهاون بشأنه حتى لو أراد ترامب ذلك.
على جانب آخر، يرى كبير محللي الشؤون الروسية في مجموعة الأزمات الدولية، أوليج إجناتوف، الذي تحدث في تصريحات خاصة لـ “مصراوي” أن الإدارة الديمقراطية لا تحظى بقبول كاف لدى كييف لعدم دعمهم الكافي للتصعيد ضد روسيا خلال الحرب، مشيرًا في الوقت ذاته أن ذلك لا يعني تفضيل الجانب الأوكراني لفوز ترامب الذي يُنظر إليه أنه الخيار الأسوأ بل و “الخطير للغاية” في وجهة نظر الأوكرانيين.
وأضاف أوليج، أن الأوكرانيون يخشون محاولة ترامب لإجبار كييف على إبرام اتفاقيات لن تصب في صالحها، مشيرًا لعدم اهتمام المرشح الجمهوري بدمج أوكرانيا مع الغرب جراء الصراع مع روسيا، وهو ما يُشكل وفقًا له “مشكلة كبيرة” بالنسبة للقيادة الأوكرانية الحالية التي راهنت على اتخاذ خطوات تدمجها مع الغرب.
ترامب والسياسات المزعجة
اتخذت إدارة جو بايدن خطوات عديدة لصالح كييف منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، منها خطوات استباقية قامت بها مؤخرًا وضعت اعتبارات عديدة من شأنها أن تقطع الطريق أمام أي محاولات مستقبلية لترامب للحد من الدعم لأوكرانيا، وذلك بحسب دكتور مختار، الذي يرى، أنه في حال فوز ترامب، فسيكون من الصعب عليه في السنة الأولى على الأقل، تغيير مسار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، لأن معظم حزم المساعدات العسكرية أُقرت بالفعل على مستوى الكونجرس الأمريكي.
ومع ذلك فإن الرئيس السابق قد يلجأ إلى أسلوب آخر، لتضييق الخناق على كييف مثل إصدار تصريحات تُزعج أوكرانيا، أو القيام بزيارات وإقامة علاقات مع أطراف لا تروق لأوكرانيا، خاصة مع دول قد لا تدعم موقفها بشكل مباشر.
وعن إمكانية وقف الحرب ورفع أو خفض العقوبات المفروضة على روسيا بفعل الحرب في حال فوز أي من المرشحين، فيقول مختار، إن موسكو لا تقوم بتقديم تنازلات خلال أي مفاوضات إلا في حال استشعرت ضعف موقفها وأن قوى الطرف المقابل تتعاظم، مشيرًا في الوقت ذاته إلى الرد الأمريكي على طلب تخفيف العقوبات عن روسيا لحلحلة المفاوضات بأن ذلك مشروط بقيام موسكو “بأفعال تثبت حسن نواياها” وهو ما يطرح التساؤل عن استعداد روسيا للقيام بذلك.
بينما يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، أنه من الصعب التراجع عن العقوبات المفروضة على روسيا، مشيرًا إلى إن رفعها في أوروبا أسهل من رفعها في الولايات المتحدة.
وأضاف أوليج، أنه في حال استئناف المفاوضات فإن روسيا ستُطالب برفع العقوبات، مشيرًا في الوقت ذاته أن العقوبات المتعلقة بالإنتاج العسكري والسلع ذات الاستخدام المزدوج والأصول الروسية المجمدة يمكن الإبقاء عليها لفترة طويلة.
في حال فوز هاريس، قد يرى بوتين – الذي يعوّل كثيرًا على ترامب – أنه خسر الورقة الأخيرة في واشنطن. وقد يدفعه ذلك إلى خطوة نحو إنهاء الحرب، حيث إن إنهاء الحرب في أوكرانيا بيد روسيا فقط وليس بيد أي طرف آخر. روسيا هي التي تملك زمام المبادرة، وهي التي تشن العمليات العسكرية.
الصين
وفي تأثير نتائج الانتخابات الأمريكية على الصين التي تنظر الولايات المتحدة لها كونها أكبر منافس اقتصادي لها يتزايد توسعه بشكل كبير، في وقت لا يخفى فيه توتر العلاقات بين بكين وواشنطن سواء في الولاية السابقة لترامب أو في الإدارة الحالية التي تعد هاريس جزءًا منها.
وفي هذا الشأن يقول المحلل السياسي المختص في الشأن الصيني، دكتور “رونج هوانج”، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي”، إن صعود دونالد ترامب إلى سدة الحكم مرة أخرى، قد تشهد معه الصين تقليلًا في مسألة تشكيل التحالفات ضدها من قبل واشنطن مقارنة بالإدارة الديمقراطية الحالية، التي عملت على تكوين تحالفات عسكرية واقتصادية في منطقة آسيا بهدف احتواء الصين.
وأضاف “رونج”، أن الصين اختبرت ترامب في ولايته السابقة، وشهدت سياسته التي لم يسع فيها لتكوين الأحلاف ضدها بهدف المواجهة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنه لا يمكن الحكم ما إذا كان سيستمر بنفس النهج حال فوزه بالانتخابات، خاصة وأن إدارته السابقة قامت بفرض رسوم جمركية شكلت ضغطًا متزايدًا على الصين.
وتابع “رونج”، أنه مع ذلك لا يمكن الحكم على ملائمة مرشح بعينه عن الآخر، خاصة وأن الصين اختبرت كلا الإدارتين الديمقراطية والجمهورية ورأت فيها سياسة أمريكية واضحة بتشكيل التحالفات بمختلف أنواعها ضدها بهدف الضغط عليها وهو الأمر الذي لا يروق لبكين، التي تفضل سياسة بناء شراكة تعاونية تحقق مصالح جميع الأطراف بدلًا من “الصفرية” التي تفضلها واشنطن بحيث يكسب طرف ويخسر الآخر.
من جانبه يقول السفير المصري الأسبق لدى الصين، علي الحفني، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي” إن العلاقة الصينية الأمريكية تتجاوز مسألة المرشحين للانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى أنه بغض النظر عن من سيتولى الرئاسة ويسكن البيت الأبيض، فإن هناك سياسات تصيغها وتضعها المؤسسات الأمريكية فيما يتعلق بالتعامل مع الصين.
وأضاف السفير علي، أن مشكلة العلاقات بين بكين وواشنطن تكمن في التنافس الشديد الذي يزداد يومًا بعد يوم، والذي من المتوقع استمراره في المستقبل، نظرًا لتواصل ظاهرة الصعود الصيني في عدد من المجالات، مثل التكنولوجيا الفائقة، والفضاء، والذكاء الاصطناعي.
واتفق الحفني مع رونج في أن تركز مشكلة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في لجوء الأخيرة إلى إنشاء تحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، واستغلال واشنطن لقضية تايوان ومضيق تايوان، والمشكلات الصينية مع بعض دول جنوب شرق آسيا، واستمرار الولايات المتحدة في محاولة تطويق الصين والحد من نفوذها.