جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تحتفل مصر بمرور واحد وخمسين عاماً على انتصارات حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣. وتعتبر حرب أكتوبر من المناسبات الوطنية المصرية التي لا يختلف عليها أحد في كونها مصدر سعادة وفخر لكل مصري وعربي على حد سواء. ويشاء القدير أن يشهد شهر أكتوبر أيضاً وبتاريخ ٧ أكتوبر تحركاً من قبل حركة حماس لمقاومة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في منطقة غلاف غزة عام ٢٠٢٣. وقد جاء هذا التحرك مباغتاً ومفاجئاً ومستلهما ً طبيعة وحالة حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣ التي أعادت للعدو الإسرائيلي ذكريات أليمة كان قد أوشك على نسيانها. ولكن الحرب.. خدعة!
فلم يتوقف الأمر على التحرك المباغت في السابع من أكتوبر من عام ٢٠٢٣ فحسب، إنما طرح هذا التحرك أيضا ً تساؤلات محورية وعميقة حول المسألة الفلسطينية ومعها المسألة العربية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي الممتد.
وإذا كان العدو الإسرائيلي أراد أن يضفي على هذا التحرك – شأنه شأن أي عمل مقاوم يقوم به الفلسطينيون من أجل تحرير أرضهم أو تحريك المياه السياسية الراكدة من أجل تسوية عادلة للقضية الفلسطينية- صفة العمل العدواني، فإن ما حدث أبعد من مجرد عمل مادي أو قتال يقع في بقاع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وهو ما يقتضي العودة إلى الوراء، أي إلى أكثر من قرنين من الزمان، وفي عام ١٨٤٤ تحديداً عندما كتب ” كارل ماركس” كتابه ” المسألة اليهودية: الأصل- اللغة-الدين”. حيث تحدث “ماركس” في الكتاب عن نشأة اليهود من حيث أصلهم وعاداتهم الاجتماعية وعاداتهم الدينية وكيف يسعون لإنشاء وطن قومي. وقد أبرز “ماركس” في كتابه الجانب الاقتصادي في حياة اليهود مثل تفوقهم في إحداث تراكم في الثروة عن طريق عمليات التجارة والإقراض الأمر الذي عرضهم للاضطهاد في إنجلترا وألمانيا وإسبانيا وروسيا وبعض دول أوروبا الشرقية. كما أشار الكتاب إلـى ما ارتكبه اليهود من تجاوزات في حق بعض المجتمعات الأوروبية من أجل إنشاء وطنهم القومي المأمول.
وفي وقت لاحق، أي بعد حوالي مائة عام من كتاب ” المسألة اليهودية” بدأت تتكشف ” المسألة الفلسطينية” ومعها ” المسألة العربية” حركة وكتابة حول أيضاً: الأصل – اللغة – الدين. ولكن الفرق بين المسألتين أن المسألة اليهودية كانت بهدف “إنشاء حق غير موجود على الأراضي الفلسطينية” وأن المسألة الفلسطينية كانت من أجل ” إقرار حق موجود بالفعل” أقره “ماركس” في كتابه. وما بين إنشاء حق وإقرار حق برزت وتبرز تساؤلات هامة حول كيفية تسوية المسألتين وفقاً لاعتبارات الأصل واللغة والدين في المقام الأول. وكيف يمكن الانتصار على الظاهرة الاستعمارية الاستيطانية التي أسفرت عن طرح ومناقشة “المسألة اليهودية” في أوروبا من خلال الاعتراف ولم شمل القوى الفلسطينية السياسية والفكرية من أجل تشكيل قوى سياسية واقتصادية وثقافية تبدأ مرة أخرى في طرح “المسألة الفلسطينية” على المجتمع الدولي. كما برز تساؤل هام حول إمكانية حل المسألتين في دولة واحدة يتصالح فيها الأصل واللغة والدين كما كانا في عهد الدولة العثمانية طوال القرن السادس عشر؟!