02:15 م
الخميس 14 ديسمبر 2023
تثير تقنية التعرف على الوجوه بالذكاء الاصطناعي، مخاوف المدافعين عن الحريات المدنية، الذين يشعرون بالقلق إزاء فقدان الخصوصية وتقييد حرية التعبير، إلى حد المطالبة بتقنينها، خاصة مع تزايد استخدامها من جانب الشرطة والشركات الكبرى في عدد من الدول.
تعمل هذه التقنية عن طريق مسح ملامح الوجه البشري وتحليلها، مثل قياس المسافات بين العينين والأنف والفم وشكل الخدين والشفتين والأذنين. فتشكل ملامح كل شخص مجتمعةً “بصمة وجه” رقمية. ويمكن للتقنية تحديد هوية الشخص عبر مضاهاة صور وجهه مع الصور المنشورة على الإنترنت أو في قواعد بيانات الحكومة أو الشرطة، مثل صور السجلات الجنائية أو جوازات السفر.
وتعتمد جهات إنفاذ القانون حول العالم هذه التقنية بوتيرة متسارعة بهدف مضاهاة وجوه المشتبه بهم في الجرائم مع الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ورخص القيادة وصور السجلات الجنائية.
وتعد الصين أكثر دول العالم استخداما لتقنية التعرف على الوجه، خاصة في مسح الحشود الكبيرة في الوقت الفعلي بحثاً عن المجرمين.
في الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في الشوارع على نطاق واسع، وترتبط الكاميرات بقواعد بيانات ضخمة لصور وجوه المواطنين. وتستخدم أنظمة التعرف على الوجه هناك في رصد مخالفات عبور الشارع أثناء توقف الإشارة.
واستخدمت الصين تقنية التعرف على الوجوه في تقييد حركة مئات الملايين من الأشخاص خلال الشهور التالية لتفشي جائحة “كورونا” في البلاد.
وفي أغسطس، أصدرت إدارة تنظيم الفضاء السيبراني في الصين مشروعاً للمبادئ التوجيهية بشأن استخدام تقنية التعرف على الوجوه، والتي نصت على أنه لا ينبغي استخدام التقنية لتحديد العرق أو الدين أو جمع الصور في الأماكن الخاصة مثل غرف الفنادق. لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه القواعد ستطبق على وكالات الأمن الحكومية.
وفي المملكة المتحدة، سمح بعض أكبر شركات التجزئة في المملكة المتحدة لشرطة لندن بالدخول إلى أنظمة كاميرات المراقبة الخاصة بمتاجرها، للقبض على مرتكبي جرائم السرقة الكبرى بعد ارتفاع معدل جرائم السرقة بنسبة 25% هذا العام. تطابق الشرطة الصور الملتقطة عبر الكاميرات مع قاعدة بيانات السجلات الجنائية الوطنية، حيث تستغرق عملية المطابقة 60 ثانية تقريباً، وفقاً لتقرير “بي بي سي”.
وفي مايو، اتهمت منظمة العفو الدولية إسرائيل باستخدام أنظمة التعرف على الوجه في الخليل والقدس الشرقية كأداة لفرض “قيود تعسفية على حركة” الفلسطينيين.
واستخدم متطوعون إسرائيليون وبعض المؤسسات الإخبارية برامج التعرف على الوجوه، بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، لتحديد هوية المسلحين والضحايا الذين سقطوا أثناء الهجوم.
واعترف جيمس دولان، قطب الإعلام الذي يسيطر على حصة الأغلبية في شركة “سفير إنترتينمنت” المسؤولة عن إدارة قاعات ومسارح “ماديسون سكوير جاردن” و”راديو سيتي ميوزيك هول” في نيويورك، بأنه يستخدم برامج التعرف على الوجوه لمنع بعض محامي خصومه القانونيين من دخول المواقع الخاضعة لإدارته.
وتتميز تقنية التعرف على الوجوه بدقة كافية ليشيع استخدامها على نطاق واسع، لكنها ليست بالضرورة دقيقة بما يكفي للاعتماد عليها في أمور مثل تحديد هوية من يجب اعتقالهم. فقد وجدت الدراسات أن هذه البرامج يُحتمل أن تخطيء التعرف على النساء وذوي البشرة الداكنة بشكل خاص، ما دفع نشطاء حقوق الإنسان للتحذير من أن الأدوات الخاطئة بيد أجهزة الأمن يمكن أن تؤدي إلى احتجاز الأبرياء.
كان ذلك أحد الأسباب وراء التصعيد ضد استخدام هذه التقنية عقب اندلاع الاحتجاجات في الولايات المتحدة في 2020 على خلفية حوادث العنف الشرطي ضد السود، فقد أدى الاعتماد على تقنية التعرف على الوجوه، القائمة على الذكاء الاصطناعي، إلى اتهام الأشخاص بجرائم لم يرتكبونها.
وأظهرت دراسة أجراها “المختبر الفيزيائي الوطني في المملكة المتحدة”، وهي منظمة بحثية حكومية، في مارس 2023 أن دقة نظام التعرف على الوجوه المستخدم من قبل شرطة لندن شهدت “تحسنا كبيرا” خلال السنوات الأخيرة.
وكانت “مايكروسوفت” أولى الشركات التي طالبت بوضع قواعد تنظيمية لمنع ما وصفته بأنه “سباقاً تجارياً نحو الهاوية” في 2018. كما دعا جيف بيزوس، المدير التنفيذي لشركة “أمازون”، في 2019 لتنظيم استخدامات تلك التقنية المثيرة للجدل.
وفي 2020 ازدادت المخاوف حول استخدام جهات إنفاذ القانون لأنظمة التعرف على الوجوه، ما دفع شركات “أمازون” و”مايكروسوفت” و”آي بي إم” إلى تعليق مبيعاتها لإدارات الشرطة.
وأعلنت “ميتا بلاتفورمز” أنها لن تستخدم تقنية التعرف على الوجوه لمسح الصور والفيديوهات التي يشاركها مستخدموها على “فيسبوك”، فيما تعمل على تحديد إيجابيات وسلبيات التقنية. مع ذلك، لا تزال الشركات الأخرى عاكفة على إنتاج المزيد من برامج التعرف على الوجوه.
من جانبه، اقترح الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة لإخضاع أنظمة التعرف على الوجوه المستخدمة في المواقف عالية المخاطر، مثل مراقبة الحدود أو في المدارس، للتدقيق من قبل هيئات خارجية قبل نشرها في المنطقة لضمان أنها لن تؤدي إلى التمييز. كما ينبغي إبلاغ الأشخاص المعنيين لدى استخدام هذه الأنظمة في الحالات منخفضة المخاطر مثل تحليل المشاعر والكشف عنها.
وصوّت البرلمان الأوروبي لصالح مشروع قانون يفرض حظراً شاملاً على استخدام تقنية التعرف على الوجوه في الأماكن العامة في الوقت الفعلي. مع ذلك، لا تزال القواعد المضمنة في مشروع الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي تتطلب الحصول على موافقة الدول الأعضاء لتصبح قانوناً.
في الولايات المتحدة، قُدمت مشروعات قوانين لتقييد استخدام برامج التعرف على الوجوه في 25 ولاية ومدينة على الأقل.
وأصدرت ولاية واشنطن قانوناً مدعوما من شركة “مايكروسوفت” يسمح باستخدام الجهات الحكومية لأنظمة التعرف على الوجوه بضوابط معينة، بما في ذلك تمكين المسؤولين من مراجعة أي قرارات توصي بها مثل تلك الأنظمة.
وناقش أعضاء الكونجرس، مشروعات قوانين لتعليق اعتماد أنظمة التعرف على الوجوه من قبل الوكالات الحكومية مؤقتاً، لكن لم يشهد أي منها تقدم يذكر.
وحظرت عدة مدن أمريكية، منها سان فرانسيسكو وكامبريدج بولاية ماساتشوستس، استخدام الشرطة أو الجهات الحكومية لأنظمة التعرف على الوجوه بشكل كامل.