12:38 م
الإثنين 08 يناير 2024
واشنطن – (د ب أ)
قلبت الهجمات التي يستهدف بها الحوثيون السفن التجارية في البحر الأحمر حركة الملاحة العالمية رأسا على عقب، وقد تمتد هذه الاضطرابات إلى الاقتصاد العالمي تقريبا.
ويقول الكاتب نواه بيرمان في تحليل نشره “مجلس العلاقات الخارجية” الأمريكي، إنه منذ منتصف نوفمبر 2023، أطلقت جماعة الحوثي، المتمردة في اليمن والتي تدعمها إيران، عشرات السفن التجارية في البحر الأحمر، وليس هناك ما يشير إلى تراجع هذه الهجمات.
ويشكل إعراض شركات الشحن العالمية عن المنطقة الآن إعاقة لسلاسل التوريد وزيادة في أسعار المستهلكين، فيما بدأت معدلات التضخم العالمية في الانحسار.
وأعلنت أمريكا مبادرة أمنية دولية لتوفير الحماية للسفن التجارية في البحرالأحمر، ولكن خبراء يرون أن هذه الجهود لا ترقى إلى مستوى الردع اللازم، ويساور القلق آخرين من أن الرد القوي قد يدفع المنطقة إلى صراع أوسع نطاقا.
ويقول الحوثيون إن هجماتهم تستهدف سفنا تتعلق بمصالح إسرائيلية، وإنها ستستمر حتى توقف إسرائيل حربها على قطاع غزة. ولكن من الناحية العملية، يقول الخبراء إن الحوثيين استهدفوا السفن دون تمييز.
يشار إلى أن عمليات الشحن البحري تتسم بالغموض على نحو سئ السمعة، حيث إنه في الغالب تختلف ملكية السفينة والقائمين على تشغيلها، وجنسية الطاقم، وموقع تسجيلها. وفي خضم الخوف من هجمات الحوثي، أعلنت شركات الشحن الكبرى، وبينها مولر ميرسك العالمية الرائدة، خططا لتحاشي المرور في البحر الأحمر وقناة السويس، مما أدى إلى تحويل نحو 200 مليار دولار من التجارة العالمية عن هذه الطريق
والسؤال المطروح هو: كيف يمكن لهجمات الحوثيين التأثير على الاقتصاد العالمي؟
يشير بيرمان في تحليله إلى أن البحر الأحمر يعد واحدًا من الشرايين الرئيسية لنظام الشحن العالمي، حيث يمر عبره ثلث إجمالي حركة الحاويات في العالم، ومن شأن أي اضطراب متواصل في التجارة يقع هناك أن يسفر عن تأثير مضاعف لارتفاع التكاليف في جميع أوصال الاقتصاد العالمي. وبشكل خاص، ينطبق ذلك على قطاع الطاقة: حيث يمر 12% من النفط المنقول عبر مياه البحر عبر قناة السويس، وكذلك 8% من الغاز الطبيعي المسال.
ويرى بيرمان أن تحاشي المرور في البحر الأحمر يعني التخلي عن أحد طرق الشحن العالمية بين آسيا وأوروبا، حيث يمر حوالي 40% من التجارة بين الجانبين عبر البحر. والبديل هو الدوران حول أفريقيا (طريق رأس الرجاء الصالح)، مما يكلف الصفقة مليون دولار إضافية ذهابا وإيابا، في شكل تكاليف وقود إضافية. ورغم ذلك، اختارت أكثر من 150 سفينة تجارية المسار الأطول منذ نوفمبر. وإضافة إلى ذلك، ارتفعت أقساط التأمين على السفن التي تبحر في البحر الأحمر إلى ما يقرب من عشرة أمثال منذ بدء الحوثيين هجماتهم.
وتقوم شركات الشحن من جانبها بتمرير الزيادة في التكاليف على العملاء، وأعلنت شركة الشحن الفرنسية العملاقة “سي إم أيه سي جي إم”، وهي ثاني أكبر شركة شحن في العالم من حيث حصتها في السوق، اعتزامها زيادة الرسوم بمقدار الضعف اعتبارًا من 15 يناير الجاري لعمليات الشحن بين أسيا والبحر المتوسط، على خلفية هجمات الحوثيين على السفن التجارية.
ويؤكد بيرمان أن ضربات الحوثيين ليست سوى الحلقة الأحدث في سلسلة من الاضطرابات التي سلطت الضوء على الطبيعة المتداخلة للشحن ودوره بالغ الأهمية في الاقتصاد العالمي.
وقامت إيران في عام 2019، بمهاجمة عدة ناقلات نفط في مضيق هرمز، وهو ما دفع العديد من شركات الشحن إلى رأس الرجاء الصالح. وفي عام 2021، جنحت سفينة الحاويات “إيفرجرين” في قناة السويس، وهو ما أسفر عنه احتجاز بضائع بلغت قيمتها حوالي 10 مليارات دولار لكل يوم من الأيام الستة التي تعطلت فيها الملاحة عبر القناة. وخلال الفترة الأخيرة، أدى الجفاف في بنما إلى تفاقم مشاكل الشحن، حيث تعمل قناة بنما، التي يمر عبرها 5% من التجارة العالمية، بجزء صغير من طاقتها الطبيعية.
ولكن حتى أوائل يناير الجاري، لم تسفر هذه المساعي بعد عن زيادات كبيرة في الأسعار بالنسبة للمستهلكين، في أسواق الطاقة على نحو خاص، فلا يزال سعر مزيج برنت، الذي يستخدم كمعيار لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي، أقل من المتوسط في شهر أكتوبر، رغم ارتفاعه في أعقاب الهجمات الكبرى.
ويشير بيرمان إلى ما ذكره زونج يوان زوي ليو، زميل مجلس العلاقات الخارجية، من أن أوروبا سوف تشعر بضغوط اقتصادية أسرع من أمريكا، حيث إن البحر الأحمر هو الطريق الوحيد إلى قناة السويس، التي تربط بعضا من أكبر مستهلكي السلع القابلة للتداول، في أوروبا بالموردين في آسيا.
ولكن ما هو الحل.
يقول بيرمان إنه من أجل ضمان حرية الملاحة، وهو ما كان على مدار فترة طويلة أحد الأهداف الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، قادت الولايات المتحدة قوة عمل بحرية من عشرين دولة لحماية السفن التجارية المارة في البحر الأحمر وخليج عدن، وقامت بنشر حاملات طائرات في المنطقة. وكان تم تطبيق نفس النهج، عبر تشكيل تحالف، خلال موجة الهجمات الإيرانية في 2019، والذي ضم آنذاك قوى إقليمية مثل السعودية والإمارات، ويرى خبراء إنه ليس من المرجح انضمامها إلى العملية الحالية.
ويقول متشككون في هذه الاستراتيجية إنه ليس من المرجح أن يردع الموقف الدفاعي الهجمات الحوثية.
ويستخدم الحوثيون أسلحة منخفضة التكاليف، نسبيا، وبينها الطائرات بدون طيار (مُسيرات)، ولكنها تحدث أضرارًا بالغة التكلفة، ولا يمكن لسفن البحرية أن ترافق جميع السفن التجارية. ونتيجة لذلك، “صارت حماية السفن التجارية في البحر الأحمر أصعب حاليا من أي وقت مضى”، كما يقول الزميل العسكري في مجلس العلاقات الخارجية، جون بي. بارينتوس، الذي تولى قيادة سفن في المنطقة.
ويقول مسؤولون في وزارة الدفاع (البنتاجون) ومحللون مستقلون إنه يتعين على الولايات المتحدة مواصلة الهجوم على مواقع الحوثيين في اليمن، وأشاروا إلى سجل حافل من الردع: ففي أعقاب هجوم الحوثيين على السفن التجارية والعسكرية الأمريكية في عام 2016، شنت هجمات من جانبها، نجم عنها تراجع الحوثيين. وكتب ستيفن أيه كوك، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية:”إذا كانت الولايات المتحدة تريد حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر وضواحيه، فسيتعين عليها نقل المعركة مباشرة إلى الحوثيين”.
ويقول بيرمان في ختام تحليله إن هجمات الحوثيين من شأنها تصعيد خطر اندلاع صراع إقليمي، يشمل إيران، التي أرسلت سفينة حربية إلى البحر الأحمر، ويقول إن الحوثيين يستمتعون علانية بفكرة الحرب مع الولايات المتحدة، وعلى النقيض من عام 2016، هم ليسوا غارقين حاليا في صراع يومي مع جارتهم الشمالية، السعودية. وبالتالي، فإن أي خيار قد يلجأ إليه الغرب سيكون له “سلبيات خطيرة”، بحسب ما كتبه بروس جونز من معهد بروكينجز، مضيفا: “تتصاعد التوترات والخيارات السيئة في البحر الأحمر، وهي نُذُرُ لخيارات أكثر شدة، ومياه هائجة في المستقبل”.