جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
جاءت فكرة مكتبة الأسرة، تنفيذًا لحلم رائدنا الكبير الراحل توفيق الحكيم بأحقية القراءة للجميع، وقد عبر عن ذلك الحلم في مطلع ستينات القرن الماضي، أي قبل أربعة وستين عامًا من اليوم. ثم تجدد الحُلم في ثمانينيات القرن الماضي بدعوة من الشاعر القدير صلاح عبدالصبور ولكن باتت هذه الدعوة صامته ولم تلقى تنفيذًا.
وفي مطلع التسعينات وببداية السنة الأولى تولى الدكتور سمير سرحان – رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب سابقًا – تحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره، وجاء هذا التنفيذ تحت رعاية السيدة سوزان مبارك، وزللت لهذا المشروع كافة الصعوبات وأيضًا وفرت دعما ماليا كبيرا يكفي لدوران عجلة هذا المشروع الثقافي العظيم.
وهو وما أكده الدكتور سمير سرحان بكلمته في الاحتفال بمرور عشر سنوات على انطلاق مشروع مكتبة الأسرة، قائلًا: “كانت فكرة مكتبة الأسرة بسيطة وعميقة في نفس الوقت، وهي أن نقوم بغرس عادة القراءة في نفوس ملايين أبناء الشعب الذين لم يكن الكتاب من قبل جزءًا من حياتهم. وأعتقد أن هذا الهدف قد نجح تمامًا، فقد كان بعض من يسخرون من الشعب المصري، محاولين الحط من قدره يصفونه بأنه شعب الفول والطعمية، وأعتقد أنه الآن وبعد عشر سنوات من صدور مكتبة الأسرة، أصبحوا يسمونه بلا تردد شعب الكتابة، والقراءة، والعلم، والمعرفة”. ولكن كيف هو الحال الآن؟
عزيزي القارئ كانت مكتبة الأسرة بهذه الرؤية، وهذا التطبيق السابق، هي الملاذ الآمن والوحيد للشباب والمثقفين، حيث يحاول القارئ دائًمًا أمام غلاء المعيشة ومتطلبات الحياة، البحث عن مؤلفات تروي عطشه المتزايد للقراءة، وأن تكون هذه الكتب بأسعار مناسبة، وفي المقابل تكون هذه المؤلفات ذي قيمة حقيقة تستحق أن يستقطع القارئ جزءًا من وقته لقراءتها، وايضًا أن تضيف شيء جديدًا لرصيده المعرفي.
ففي ذلك الوقت كانت تُطبع عشرات المؤلفات من أمهات الكتب في السنة الواحدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، موسوعة سليم حسن عن مصر القديم والتي تكونت من ثمانية عشر جزءًا، وأيضًا موسوعة قصة الحضارة لول ديوانت وتكونت من اثنان وعشرون مجلدًا، وغيرها من أمهات المؤلفات وكتب التراث الهامة والضرورية لبناء الثقافة، كانت جميعها بأسعار رمزية ومناسبة للطلاب والشباب، فشهد هذا الوقت عصرًا ذهبًا للثقافة. وما نجده الآن ومُنذُ أكثر من تسعة سنوات، هو ندرة العناوين الجديدة الصادرة عن مشروع مكتبة الاسرة، حيث جاءت الإصدارات إعادة الطبع للعناوين القديمة كأنها بمثابة سد خانة لبند مكتبة الأسرة.
ومع رؤية سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي للجمهورية الجديدة وتطلعه لبناء الإنسان، فلن نجد أكثر من القراءة سبيلا نحو بناء عقلية معرفية قوية، ولذلك نأمل من سيادته وجميع الأجهزة المعنية بنشر الثقافة والمعرفة في مصر، أن يشحذوا الهمم في إعادة بناء وتأسيس مكتبة الأسرة لمكانتها الحقيقية، وأيضًا تذليل الصعوبات التي تعوق حركة الطبع والنشر لهذا المشروع العظيم. ولهذا لابد من وضع مكتبة الأسرة بندًا اساسيًا من ضمن الموازنة العامة واجنتها الثقافية، بل وجعها من أولويات الإصلاح والتعليم في مصر، لِمَا تحمله من مردود ودلالة قوية وفعالة على عقول الشباب، ومن ثم سينعكس هذا المردود على كافة المستويات الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية، لأننا حققنا لهم المساحة الثقافية الواعية التي يحتجونها للانفتاح على ثقافات العالم المختلفة، وبهذا نستطيع تركهم والاعتماد عليهم، للقيادة ومد رقعة التقدم في بلادنا الحبيبة.
وختامًا، أعي تمامًا أن هذا المشروع مع ارتفاع أسعار الورق، وايضًا توالي الأزمات الاقتصادية التي تجوب بالعالم أجمع، سيُكلف الدولة مبالغ طائلة. إلا أنه يُعد من أهم المشروعات الثقافية، لأنه سيكون بمثابة الدرع الواقعي والحائط المنيع نحو الإرهاب الفكري المفتعل من قبل أصحاب الأچندات الإرهابية، فنحن الآن نعيش حرب المعلومة وليس حرب المعدات والأسلحة، فإذا كان هناك سلاح حقيقي فلن يكون غير الكتاب والمعرفة.