06:02 م
الخميس 07 سبتمبر 2023
السويس – حسام الدين أحمد:
تنتشر سمكة القراض في البحر الأحمر وخليج السويس، بينما موطنها الأصلي المحيط الهندي وسواحل جنوب وجنوب شرق آسيا، وهي سمكة شديدة السمية ولا يوجد ترياق أو علاج لسمها، وهو يأتي في الترتيب بعد سم العقرب، والكمية الموجودة في أمعائها كافية لإنهاء حياة 15 فردا على الأقل.
أحيانا تنجح الجهود الطبية في إنقاذ المصاب إذا نُقل سريعا إلى المستشفى وتلقى مصل لدغات العقرب، وفي أوقات كثيرة يدركه الموت لأن السم يستهدف الجهاز التنفسي وعضلة القلب.
رغم ذلك، هناك رأي علمي ينادي بفتح الباب لإعادة صيدها والاستفادة منها سواء بالتصدير مجمدة لدول جنوب شرق أسيا، أو بتنظيفها على أيدي عمالة ماهرة، وبيع لحومها للمواطنين، إذ تتمتع السمكة بقيمة غذائية مرتفعة.
الهجرة إلى المتوسط
بعد حفر قناة السويس، هاجرت أسراب سمك القراض من البحر الأحمر وخليج السويس إلى البحر المتوسط، عبر الممر المائي الجديد، 4 من أصل 9 أنواع انتشرت هناك، وليست وحدها، بل هاجرت أنواع مختلفة من فصائل أسماك المرجان والقشريات مثل الجمبري القزاز الأبيض التي جاءت من المتوسط للبحر الأحمر، لكن أكثرها تأثيرا سلبيا على البيئة البحرية هو القراض السام.
يقول شوقي غريب تاجر أسماك بالحلقة إن سمك القراض لها عدة أسماء منها الأرنب كون اسنانها بارزة مثل الأرنب وتسلخ مثله، و”النفيخ” لسلوك السمكة الدفاعي بنفخ بطنها ما يصعب التهام الأسماك الكبيرة لها، ويطلق عليها الآسيويين اسم سمكة “الفوجو” ولا أنصح أي شخص بشرائها فهي سمكة أمعائها وكبدها سام.
“لا اشتريها ولا أنصح أي شخص بشرائها أو أكلها فهي قاتلة”؛ يقول تاجر الأسماك إن القراض تحتاج إلى محترف لتنظيفها، وإذا أصاب السكين كيس الأمعاء أو الكبد وأفرز عصارته أصبح كل لحمها سام ولا يصلح للأكل مهما جرى غسلها بالماء.
عدو الصيادين
لا يرغب صيادي الأسماك بالسنانير في القراض، لا يستهدفون السمكة إلا أنها شرهة وتأكل كل ما تراه صيدا سهلا، ويقول محمد رمضان صياد سنار هاوي إن السمكة تأكل طعوم الصيادين، أو تنتظر لتأكل الصيد نفسه وهو عالق في السنارة.
“نعرفها من آثار أسنانها على الصيد هي أسوأ ما يمكن أن يخرجه الصياد حتى أنها إن ابتلعت الطعم يكون التخلص منها خطرا” يقول محمد ويضيف أن بعض الصيادين يقطع الخيط ويلقيها في الماء خوفا من الإصابة القاتلة إذا أخطأ وهو يخرج سن الصيد من فهما.
لا يقتصر الأمر على صيد بالسنانير، مراكب الصيد بحرفة الجر تعاني من السمكة أيضا، فهي تدخل ضمن الأسماك في الشباك، وتتغذى على الأسماك داخلها، ثم تمزق الشباك بأسنانها القاطعة، تصنع فتحة كبيرة تخرج منها ومعها كمية لا بأس بها من الأسماك، فضلا عن الصيد المهدر خلال رفع الشباك بالونش على المركب.
الممنوع مرغوب
رغم خطورة السمكة يقول صاحب لنش صيد إن قلة من الصيادين بمجرد صيدها خروجها من الماء يقطع الرأس جزئيا من أعلى الظهر بشكل احترافي وهي حيه ويسحب الرأس فتخرج الأمعاء والكبد سليمة، ويبقى لحم السمكة قطعة واحدة تخرج سليمة بسحبها من الجلد سريعا لسلخها، لكن ذلك لا يعني انتهاء المشكلة فتناولها محفوف بالمخاطر.
ويضيف صاحب اللنش_ رفض ذكر اسمه_ أن السمكة ذات سمعة سيئة لكنها مرغوبة وتشتري بعض المطاعم لحومها، لإعداد أطباق السوشي والشوربة، وتخرج من عائمات الصيد المختلفة لحم أبيض في أطباق مغلفة، فلا تعرفها الجهات المراقبة على الصيد ولا موظفي الثروة السمكية الذين يحصون الإنتاج ويصادرون تلك السمكة السامة.
قبل عدة سنوات صدر قرار من هيئة الثروة السمكية بمنع صيد السمكة، او بيعها مع توقيع عقوبات مالية وغرامات تصل لوقف عائمة الصيد، إذا تم إثبات صيدها وبيعها، وكان الهدف من القرار منع السمكة السامة عن الأسواق، لما سببه من حالات وفاة واصابة بعد تناولها.
زيادة وتوحش
تقول الدكتور سحر مهنا أستاذ ورئيس قسم المصايد بمعهد علوم البحار بخليج السويس، إن حظر صيد السمكة ساهم في زيادة اعدادها، خاصة في البحر المتوسط البيئة البحرية المفتوحة، وساهم أيضا في زيادة أعداد السمكة حتى وصلت أحجام تتخطى نصف المتر، بأوزان تتجاوز 15 كيلو.
تتغذى القراض على أسماك وكائنات بحرية ذات قيمة مرتفعة مثل الجمبري والكابوريا، وأفراخ الأسماك مما يهدد المخزون السمكي، في البيئة البحرية بالبحرين المتوسط والأحمر.
قيمة غذائية واقتصادية
“طالبت عدة مرات بالسماح بصيد القراض مرة أخرى لأنه يمثل مشكلة على الصياد والبيئة البحرية ولا نستفاد منه رغم أنه ثروة اقتصادية” تقول الدكتور سحر إن السمكة عند وقوعها في الشباك تأكل الأسماك داخلها، ثم تمزق الشباك وتهرب، وهي سمكة بمعدل نمو سريع مقارنة بالأنواع الأخرى، ويمكن الاستفادة منها بعدة طرق.
أوضحت الدكتورة مهنا أن سمك القراض يمكن الاستفادة منه كغذاء ودواء، لحم السمكة مفيد جدا وغني بالبروتين والمعادن المطلوبة، ولا توجد مشكلة صحية في تناوله بشرط تنظيفه جيدا، لاسيما أن المادة السامة مركزة في الأحشاء والحوصلة المرارية فقط وليست في اللحم.
وتابعت أنه يمكن العمل على السموم واستخلاص مركبات طبية وأمصال متنوعة، ويمكن الاستفادة منه كغذاء لو أقيمت على السمكة صناعات غذائية، على أن يتم جمعها من الصيادين بعد وصولهم لميناء الصيد، ويتسلمها عمالة مدربة للتعامل مع السمكة لفصل اللحم عن باقي الأجزاء السامة.
سمكة كبيرة
” القراض رغم منع صيده إلا أنه موجود في السوق ويباع لحم مخلى، وهو مطلوب” تعقب رئيس قسم المصايد أن قرار المنع لا يطبقه الجميع خاصة أن الأحجام الكبيرة من السمكة بالبحر المتوسط تصل وزن 20 كيلو، والصياد لن يضحي بسمكة بهذا الحجم ويعلم جيدا انها مطلوبة ولحمها شهي، لذلك تخرج من المراكب على صورة لحوم بيضاء مغلفة.
واستطردت ان حالات التسمم حدثت بسبب اختلاط السم بلحم السمكة، كون أحشائها حساسة للغاية ولو انفجر كيس العصارة وطال اللحم فلا يصلح للأكل ولو تم غسله بالمياه عشرات المرات، وهنا الأمان في التخلص من السمكة بالكامل.
عمالة مدربة
أما لو جرت عملية التجهيز والتخلية بمعرفة عمال مهرة مدربين على التعامل معها فذلك سيوفر فرص عمل موسمية مرتبطة بحرف الصيد، فضلا عن توفير لحوم آمنة شهية ذات قيمة غذائية مرتفعة، ومن تناول لحومها يعرف جيدا انها شهيه.
تصدير للخارج
تقول أستاذ المصايد إن سمكة القراض مطلوبة في الخارج خاصة في دول جنوب شرق أسيا، ويمكن تصديرها سليمة مجمدة مثلما تستورد مصر أسماك الماكريل والباسا، أو جاهزة للطهي وستكون قيمتها أعلى.
كما أن مطاعم تجهيز الأسماك على الطريقة الصينية واليابانية تطلب هذه السمكة، وهي أطباق أسعارها مرتفعة للغاية، ولديها زبائن من الصينيين واليابانيين والأجانب الذين يقبلون على تناول لحوم السوشي المعد من لحم القراض أو الفوجو كما يعرفونها، ويبحث الآسيويين العاملين في مصر على السمكة بأسواق الأسماك المحلية.
خال من السموم
كشفت الدكتورة سحر ان سمك القراض أن بعض أنواع سمك القراض الموجودة في مصر يمكنها الحياة في المياه المالحة والعذبة، وتلك الأنواع يمكن استزراعها في مزارع مثل مزارع البوري والبلطي وجعلها سمكة آمنة بدون سم.
يتناول القراض الأسماك والقشريات الأخرى، لكن ما يجعل أمعائها سامة هو تناول السمكة طحالب بحرية تحتوي على مركبات وبكتريا تتحول إلى سموم شديدة في أمعاء السمكة.
وتابعت الدكتورة سحر، لذلك كلما كان حجم السمكة كبير كلما احتوت على نسبة أكبر من السم، وعند تربيتها في المزارع السمكية وتوفير الغذاء من الأعلاف فقط، في بيئة خالية من الطحالب ذات البكتيريا السامة فلن تكون تلك المادة في أمعائها، وتصبح صالحة للأكل بشكل آمن.