جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
نقلت وكالة الأناضول التركية في الرابع من ديسمبر خبراً عن هيئة الأمن القومي الإسرائيلي ، كان هو الأول من نوعه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة .
الخبر كان يقول إن الهيئة أذاعت تحذيراً في بيان مكتوب ، وإن التحذير كان موجهاً إلى الإسرائيليين ، وإنه كان يدعوهم إلى تجنب السفر إلى ثمانين دولة حول العالم . . ولم يكن لهذا الخبر من معنى ، سوى أن هذا جزء مما سوف يدفعه الإسرائيليون ، لأنهم جاءوا أولاً ببنيامين نتنياهو في آخر انتخابات رئيساً للوزراء ، ولأنهم ثانياً سكتوا ويسكتون عما يرتكبه من مذابح في حق الأطفال والنساء والمدنيين في أنحاء القطاع .
وكان الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتزوج قد استدعى نتنياهو في ديسمبر من السنة الماضية لتشكيل الحكومة الجديدة ، ولم يكن قد استدعاه من فراغ ، ولا لأنه كان يحبه ويفضله على سواه من الساسة الإسرائيليين ، ولكنه كان يستدعيه لأنه فاز في الإنتخابات ، ولأن كتلة الليكود التي يرأسها قد حظيت بثقة الناخب في الدولة العبرية .
وبما إن هذا الناخب قد أعجبه نتنياهو ، وبما إنه كناخب قد وثق في الليكود ، فأهلاً وسهلاً ، ولكن عليه في المقابل أن يتحمل النتيجة وأن يدفع الثمن .. كان هذا هو لسان حال الهيئة وهي تذيع بيانها على الإسرائيليين .
وليست النتيجة ولا الثمن سوى ما جاء في البيان ، لأن العالم إذا كان يتشكل من ١٩٣ دولة ، فإن الإسرائيلي قد أصبح ممنوعاً من دخول نصف دول العالم تقريباً ، وبموجب تحذير صادر عن هيئة اسرائيلية ، لا عن هيئة في دولة أخرى .
وهو ممنوع ليس لأن حكومات هذه الدول الثمانين قد أصدرت تعليمات بمنع دخوله ، ولا لأن هذه الحكومات في تلك الدول تتخذ موقفاً عدائياً من الإسرائيلي لمجرد إنه إسرائيلي ، ولكن لأن الرأي العام في الدول الثمانين مشحون بما يكفي ضد إسرائيل ، وضد كل ما يتصل بإسرائيل ، وضد كل ما يعيد تذكيره بما فعلت إسرائيل في أطفال ونساء غزة .
والغريب بالفعل أن في هذه الدول الثمانين دولاً تقع في أوربا ، وهي ليست دولاً في أوربا وفقط ، ولكنها في أوربا الغربية التي اشتهرت بمناصرة إسرائيل، بل إن دولة مثل بريطانيا تأتي على رأس القائمة ، مع إنها تنتصر لتل أبيب طول الوقت !
لم يكن غريباً على نتنياهو أن يرتكب في حق الأطفال والنساء ما ارتكب ، فليس في تاريخه ما يجعله يفعل شيئاً مختلفاً ، ولم يُضبط متلبساً في أي يوم بعمل إنساني لوجه الله ، ولا كان من دعاة السلام في أي وقت ، ولا كان من الذين يمكن أن تراهن على أنهم ينتمون للإنسانية بمعناها المجرد ، وإنما كان دائماً ممن يمثلون عبئاً على الإنسانية ذاتها .
عاش نتنياهو على هذه الصورة ، وعلى ما هو أشد منها سواداً ، ولا شيء يدل على ذلك سوى أنه قتل في غزة خلال شهرين اثنين ، أي من السابع من أكتوبر إلى السابع من ديسمبر ، ما يزيد على ضعفي الذين سقطوا من الأطفال والنساء في الحرب الروسية الأوكرانية على مدى ٢١ شهراً .
ولكن الغريب حقاً كان في أن يحصل على ثقة الناخب في بلاده ، ثم كان الأغرب أن يسكت عليه هذا الناخب ، وأن يقف متفرجاً على هذه المقتلة في غزة ، فتكون النتيجة أن يصبح دخول هذا الناخب إلى ثمانين دولة خطراً على حياته نفسها !
حدث هذا ويحدث بالنسبة للناخب الإسرائيلي بينما الحرب لم تضع أوزارها بعد ، فإذا ما وضعت أوزارها فإن عدد هذه الدول سيزيد ، وسيكتشف الإسرائيليون فداحة الثمن الذي سيدفعونه ، وسيكون عليهم أن يشربوا من الكأس التي شرب منها الغزاويون ، وسيكتشفون أيضاً أنهم أخطأوا في حق أنفسهم مرتين : مرة يوم جاءوا بنتنياهو على رأس الحكومة ، ومرة ثانية يوم سكتوا على وحشيته مع أطفال ونساء غزة .