جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
حقا لقد هيمن وربح جوجل وملحقاته من المنصات الرقمية معركة تسييد الأفكار ونشرها وتسويق الخدمات والسلع وبناء الصور المواتية أو الضد، ومضت تلك الصناعة تراكم التطبيقات وتشترى قصص النجاح والمشروعات الرقمية البازغة أو المنافسة ليضمها إلى مملكته رصيدا وهيمنة واحتكارا، يقدم ما ترغب ويغريك بما لا تعرف بعد أو لم يدخل قائمة اهتماماتك، وذلك عبر توظيف أرشيف بشر الكون الكبير الذى صنعه لديه على مدار سنوات قلائل هى تاريخ عمره الكونى محدود السنوات واسع الأثر والنتائج، وصار يكبر كل ذلك الأرشيف البشري لديه كل يوم حتى أن سجله لك هو أكبر مما هو فى ذاكرتك عن نفسك وعن معرفتك بتاريخ أنشطتك وتفضيلاتك، فما إن تطأ عيونك منصاته حتى يُظهر لك ما يرتبط باهتماماتك كأنه يعرفك حقا، وليوظف الإعلانات بشكل جديد، ليس إعلانا مباشرا، لكن عبر ربط بروفايل معلوماتك وتصفحاتك واهتماماتك وخصائصك الديموجرافية المسجلة والموثقة بالبائعين والمسوقين للخدمات والسلع وحتى الدعايات المباشرة ذات الأغراض العديدة، فإذا كنت قد طالعت كتابا عن السينما مثلا ستظهر لك كتبا قريبة أو ذات صلة، يصنع الإعلان والدعاية الجديدة هنا جانبا حميما وقريبا من شخصيتك وطريقتك ونمطك فى الحياة فيغريك بالاقتناع وأيضا بالشراء ويغرى السلع والخدمات ومنتجوها بالظهور لك فى الحيز الجغرافى المناسب تماما لدائرة بيع خدماتهم، فصنع الاعتياد وكرس الاعتماد.
حقا هى أشياء مستجدة حدثت لسيكولوجية البشر فى الكون منذ أن عرفوا واستغرقوا ثم استوطنوا ساحات ومنصات فضاء الإنترنت وعوالمه المتجددة، حتى حلت عبر سنوات قلائل مجالا للحياة وشواغلها، الهام منها والهامشى وما بينهما من أشياء البشر، تلك التى تتجدد مع اتساع فراغات الوحدة والانعزال التى يكرس لها مزيد من استخدام السوشيال ميديا نمطا وطريقة حياة، وربما يكشف طبيعة استخدام البشر لوسائل التواصل الاجتماعى عن نزعات سيكولوجية تحتاج لا زالت مزيدا من دراسة وتمعق، وربما مثلت إظهارا لخبيئة فطرية كامنة فى الأفراد تمثلت فى الرغبة فى إعلان تفاصيل الحياة اليومية على الهواء، حتى احترف البعض وتفرغ لعمل ذلك نيابة عن الجمهور كأنه يحكى طوعا ما جرب وأحب بينما هو غارق فى الترويج وانتظار الأرباح المباشر منها وغير ذلك، هو بعض آثار جانبية لتوظيف المنصات والسعى لجعلها ليست مجرد تسلية بل مصدر انتفاع وربح، ارتباطا وانتظارا لتدفق الجمهور “الكبير” حيث غياب الأسرة والأصدقاء عوضه أو حل محله المؤثرون ومختلف المنصات وأيضا المسوقون المجهولون الكثيرون الذين صاروا مساحة للمشاهدة والمتابعة فى أوقات الفراغ ثم بعض الوقت وكل الوقت.
ومع ذلك التغيير تحولت الشاشات القديمة التى كان يجتمع حولها الناس فى البيوت وحجراتها إلى ديكور ثابت غالبا وشاشات للعبة البلاى استيشن أو مشاهدة المنصات الرقمية، وحل بث فردى أحادى انعزالى يخاطب فيه الإنسان أقرانه الفضائيين الذين منحته الصدفة وجودهم فى ذات التوقيت “أون لاين” على منصات السوشيال ميديا، خفف ذلك فى البدء – أو تصور البعض ذلك – من عزلة الفرد قليلا، فأمامه على المنصات الناس يعيشون ويحيون ويبثون مثله، ثم تحول ذلك الى غربة وانعزال، والإنسان كائن تمنحه الخبرة أن يسلك طرقا يسيرة فى التعامل مع مفردات الحياة ثم يدمنها ويبقى أسيرا لها.
وهكذا نمت وازدهرت شبكات الحياة الإجتماعية على النت لتكون ديوان اللقاءات والحكم والأمثال والهزل والجد العبث والجنون والتأمل أيضا، وأتاحت لمن شاء عابثا و هازئا أو متخيلا وحالما أن يصنع محتواه ويطرحه فى مزاد المتابعة الكونية، أغرى ذلك البعض فى سبيل الربح بمزيد من التفصيل والانكشاف والحضور المعيب أخلاقيا، فلم يعد الأمر مجرد شهرة بل وأرباح أيضا، نقل هذا التحول حالة السوشيال ميديا وتفاعلاتها مع البشر الى مجال آخر تماما قل فيه التطبع وزاد التصنع واحترف البعض فيه صنع الصورة المرغوبة ولو كانت على حساب كرامة الذات والنفس معا.
يتم ذلك بتأسيس بسيط وإتاحات يسيرة، وعبر تكنولوجيا متاحة مجانية يتشارك فيها الجميع وتتاح على قارعة التطبيقات، حيث تكفلت جوجل ولوازمها وتوابعها وتطبيقاتها فى وضع البشر تحت رعايتها ودعمها، ووثق جوجل كل ذلك فى أرشيفه الضخم الكبير الذى يمثل ذاكرة الكون وناسه وحياتهم وتفاصيلهم المقربة والبعيدة.
تمضى الأيام وسيصير جوجل كل يوم أكثر قربا منك ومعرفة بظاهرك وداخلك، شريكا معك فى الاختيار، شيئا كنبضك – أليس هناك تطبيقات تسير معك فى الموبايل تقيس خطواتك وتعدها وتنصحك بشرب أكواب الماء! – ليكون صديق الجميع والمقيم الذى لن يكتسي ملامح إنسانية معتادة، لكنه حاضر فى كل حل وترحال سيذهب معك كل الأماكن ويجول معك كبعضك، وهو جزء سابق من بيئة تطبيقات وبرامج الذكاء الصناعى المقتحمة التى يتخوف منها البعض وكأنهم لم يمروا بتجربة جوجل ومنصات التواصل فى اكتمال للدور والهدف، والتى معها جميعها سيمضى أرشيفك يكبر كل يوم تتنفس فيه وتحيا موثقا على محركات البحث والمنصات، بل سيتطوع جوجل ورفاقه متكرمين بسؤالك عن تفضيلك لبقاء صفحاتك بعد عمر طويل أثرا شاهدا على تاريخ حياتك البشرى.