10:24 م
الجمعة 09 يونيو 2023
كتب- عبدالله عويس:
بشعره الأبيض، ونظارته الشهيرة، ووشاح أحمر يضيف لمسة مختلفة للمشهد، عادت صورة السياسي المصري البارز جورج إسحق للواجهة من جديد، وهو يقف على كوبري قصر النيل والناس من حوله سجدا، في إحدى الصلوات، أيام ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011.
الصورة رافقت جورج إسحق، عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، منذ التاسع من أغسطس عام 2012 وحتى الآن. تاريخ طويل قبلها ، يبدأ من مظاهرات أعقبت النكسة، والاحتجاجات الطلابية وغيرها، وتاريخ طويل بعدها، جاوز الـ12 عاما. لكن جورج إسحق قد سبق ذلك المشهد من أيام 2011، بسنوات عدة.
كانت العبارات المرفقة مع الصورة تدعوا له بالشفاء، إثر نزيف في المخ، أدخله في حالة غيبوبة، نقل بسببها للرعاية المركزة، وفيما كانت التعليقات على الصورة الشهيرة تصفه مجازا، بـ«حارس الثورة»، ودعه المصريون اليوم، بوفاته بعد صراع مع المرض.
في عام 2004 كان إسحق أحد مؤسسي حركة «كفاية»، التي رفعت مطالب لمواجهة نظام مبارك. كان حلم إسحق أن يتجمع ولو 100 شخص، أمام دار القضاء العالي في 2004، ليقولوا لمبارك «كفاية»، ضآلة الرقم تعود لسطوة النظام آنذاك، في ظل قانون الطوارئ، لكن أول تجمع للحركة استجاب له أكثر من ألف شخص، بحسب ما يروي جورج إسحق في مداخلة متلفزة لقناة النهار، في ذكرى مرور 10 سنوات على تأسيس الحركة، التي كان أحد مؤسسيها، وأول منسق عام لها.
في السادس من أبريل عام 2008، ظهرت احتجاجات ومواجهات بين الأمن ومحتجين على نظام مبارك في المحلة، وفي أعقابها، وفي التاسع من أبريل في العام نفسه، اعتقلت قوات الأمن جورج إسحق من منزله، وكانت حركة كفاية تجهز لمؤتمر في اليوم التالي للرد على ما حدث في المحلة.
آنذاك كتب يحيى الجمل الفقيه الدستوري مقالا، في جريدة المصري اليوم، بعنوان «جورج إسحق.. لا تبتئس»، قال فيه إنه كلما قويت علاقته بجورج إسحق، أحس بمدى صدق وطنيته وعمق حبه لمصر وشعبها، وإيمانه بالديمقراطية، عادا القبض عليه في ذلك التوقيت لا معنى له «جورج إسحق من الذين يبنون في مصر ومن الذين يتطلعون إلي أن تتقدم مصر، وهو يبني بالكلمة الصادقة والعمل السياسي (…) وكنت أتصور بدل اتخاذ هذا القرار بالقبض علي جورج إسحق، والذي أتصور أن وراءه دوافع سياسية أن نفكر في جذور المشكلة التي أدت إلي ما حدث في الأيام الماضية، وأن نبحث لها عن حل علمي سليم».
أفرج عن جورج إسحق بعدها بأيام بكفالة 10 آلاف جنيه، وحين قامت ثورة يناير كان أحد أبرز وجوهها، وفي تلك الأيام التي سبقت تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن رئاسة مصر، التقطت له الصورة التي باتت أيقونة له، مع كل حدث يستدعى فيه اسمه، حتى مماته.
في أعقاب يناير، ظل حضور الرجل السياسي بارزا، يهاجم وينتقد بمقالات ومقابلات متلفزة وبانخراط في العمل السياسي، فهاجم الإخوان وانتقد سياستهم في حكم البلاد، وكان أحد الداعين بقوة للمشاركة في ثورة 30 يونيو عام 2013، مفندا أكاذيب الإخوان، ومعددا بجرائم سياسية وغيرها ارتكبوها في حق الشعب المصري.
ظل جورج إسحق منخرطا في العمل العام، يشتبك مع القضايا ويحللها، ويدون في مقالاته ما يدور برأسه، يصيب ويخطئ، يهاجِم ويهاجَم، ينتقد دون رادع، ويتلقى النقد أيضا، في هجوم هنا وهناك، لكن كثيرون اعتبروا أن بوصلته دوما كان الوطن. كان آخر مقال نشر لجورج إسحق، في جريدة الشروق في الـ8 من مايو من العام الجاري، بعنوان «عيد العمال»، تحدث فيه عن حضوره احتفالية عيد العمال، تحدث في مقاله عن حقوق العمال، وتتبع المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي كان عضوا به، كل ما يخص العمال في مصر حتى لا تضيع حقوقهم، داعيا لتشكيل لجنة من عمال مصر للسماع إلى شكوكهم «تحية لعمال مصر وكل الأمنيات لتحقيق آمالهم وأفكارهم وتحسين أجورهم وحمايتهم حتى نحافظ على هذه الثروة التي لا تقدر بثمن».
أما آخر مقال له، فكان بعنوان «الانتخابات التركية نموذجا»، ونشر في جريدة المصري اليوم، في الأربعاء الماضي، السابع من يونيو الجاري، تحدث فيه عن الحوار الوطني ومناقشة الانتخابات. في مقاله طالب إسحق بـ«الرقابة من كل الجهات، والسماح لكل منظمات المجتمع المدني بالرقابة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حتى تخرج انتخابات ليست كالسابقة تماما». كما تحدث في آخر فقرة له في مقاله عن المحبوسين احتياطيا «حتى نعطي أملا لهذا الحوار (الحوار الوطني)، والنظر في قوانين الحبس الاحتياطي والأحكام الجنائية، ونحن ننتظر إفراجات كثيرة. هل نستطيع أن نحقق ذلك ونحن في هذا الحوار الآن؟.. أرجو أن نرى شواهد تؤيد ما نطالب به… نتمنى ذلك».
اليوم، غادر جورج إسحق الحياة، بعد رحلة طويلة من العمل السياسي، ونعاه سياسيون ومثقفون، رحلة بدأت منذ طفولته في بورسعيد حيث نشأ، بالمشاركة في مقاومة الاحتلال مع الفدائيين، مرورا بمقاومة العدوان الثلاثي، ومنه الانخراط في العمل السياسي مع حزب العمل، وتوالت فصول حياته، إلى أن أعلنت وفاته اليوم بعد صراع طويل مع المرض، لكنها كانت حياة صارع فيها كثيرا، من العدوان إلى بعض الأنظمة والتيارات.