جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أشهر دبلوماسية في تاريخ العالم المعاصر هي دبلوماسية البينج بونج، أو دبلوماسية تنس الطاولة التي أطلقها هنري كيسنجر بين الولايات المتحدة والصين.
كان ذلك في عام ١٩٧١، وكانت العلاقات مقطوعة بين البلدين، وكان كيسنجر يعمل على إعادتها، وكانت البداية عندما تلقى فريق تنس الطاولة الأمريكي دعوة للمشاركة في البطولة الدولية المُقامة في بكين في بدايات تلك السنة، وكان ذلك مما أدى الى تذويب شيء من الجليد السياسي بين الدولتين، ومن بعدها جاءت زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الى العاصمة الصينية في السنة التالية.
ومن يومها عرف العالم أكثر من دبلوماسية من هذا النوع، وكلها تسعى الى إعادة العلاقة بين بلدين، أو إبقاء العلاقة بينهما في حدودها الدنيا.
وقريب من ذلك ما تابعناه عما يمكن تسميته بدبلوماسية الغاز بين روسيا وبين أوروبا.. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي كشف عن بعض تفاصيلها عندما تكلم عن إمدادات غاز تذهب من بلاده إلى القارة الأوروبية من خلال خط أنابيب يعبر الأراضي الأوكرانية.
ولا بد أن الموضوع قد أثار دهشة الذين تابعوا تفاصيله، وكان سبب الدهشة أن الطرفين في حالة حرب معلنة منذ ما يزيد على السنتين.
إننا نعرف أن روسيا أعلنت الحرب على أوكرانيا في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، ونعرف أن الروس يعرفون من وقتها أنهم لا يحاربون الأوكرانيين وحدهم، وأن الحرب في حقيقتها هي مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهما، وأن السلاح الذي في يد الجندي الأوكراني هو في الغالب إما سلاح أمريكي وإما سلاح أوروبي، وأن الحرب تدور على هذا الأساس بين طرفيها الروسي والغربي، لا الروسي والأوكراني كما قد يقع الظن عند النظرة الأولى.
ورغم هذا، فإن بوتين لم يجد مانعاً من أن تظل شركة غازبروم الروسية الشهيرة ترسل غازها الى الأوروبيين، بل ويتم الإمداد عن طريق خط أنابيب يعبر الأراضي الأوكرانية! .. فكأن شعرة معاوية تبقى ممدودة بين الطرفين طول الوقت رغم ما بينهما من قتال.
أكثر من هذا، فإن بوتين عندما تحدث في الأمر قال إن واحداً من عقود خطوط الإمداد مع أوكرانيا ينتهي في ٣١ ديسمبر المقبل، وإنه لا يعرف ما إذا كان الأوكرانيون يرغبون في تجديد العقد؟ .. ولا معنى لكلامه إلا أنه لا يمانع في تجديد العقد مع الأوكرانيين الذين يحاربونه ويحاربهم!
فإذا لم يقع هذا كله تحت ما يمكن تسميته دبلوماسية الغاز، فأي مظلة بالضبط يمكن أن يقع تحتها الأمر؟
ولماذا نذهب بعيداً؟ .. فمن أيام نشر الإعلام تقارير عن دبلوماسية البندورة أي الطماطم بين تركيا وإسرائيل، وكيف أن هذه الدبلوماسية تعمل في الخفاء حالياً بين البلدين.. والقصة أن أحداً لم يهاجم تل أبيب كما هاجمها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي بلغ في هجومه عليها إلى حد وصف ما ترتكبه في حق الغزاويين منذ السابع من أكتوبر من السنة الماضية بأنه نازية صريحة، ولكن هذا لم يقف في طريق البندورة التي تزرعها تركيا، والتي تغادر الموانئ التركية عن طريق تجار فلسطينيين من الضفة، فإذا وصلت الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط سلمها تجار الضفة لتجار إسرائيليين، وقد وصلت الكميات التي وصلت إسرائيل حتى العاشر من سبتمبر ٧٠٠ طن.
تبقى المصالح بين الدول غالبة رغم كل شيء، ولا يقف في طريقها شيء حتى ولو كان هذا الشيء حرباً دخلت عامها الثالث في الحالة الروسية الاوكرانية، أو يكون حرباً توشك أن تدخل عامها الثاني من جانب إسرائيل على غزة .