كتب- محمد صفوت:
هي الحرب الأطول والأكثر دموية في تاريخ الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث دخلت الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي يومها الـ 100، دون أدنى مؤشرات على قرب انتهائها.
دمرت إسرائيل بشكل غير مسبوق أغلب مناطق القطاع الذي تفرض عليه حصارًا منذ أكثر من 16 عامًا، ودفعته إلى أكبر كارثة إنسانية وصفت بأنها “الأسوأ” و”وصلت إلى نقطة الانهيار” حسب منظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية أخرى.
أدت الحرب التي دخلت يومها الـ 100 إلى استشهاد 23268 فلسطينيًا إضافة إلى أكثر من 60 ألف جريح، وآلاف المفقودين، في حصيلة غير نهائية، للعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
ودمر القصف المتواصل على القطاع ما بين 45-56 في المئة من مباني غزة، أما المستشفيات في غزة التي تعمل جزئيًا فهي بين 15 و36 مستشفى، وألحقت أضرار بـ 121 سيارة تابعة للإسعاف، وبلغت نسبة المباني المدرسية المتضررة في غزة أكثر من 69 في المئة، وتضرر 142 مسجدا بالإضافة إلى ثلاث كنائس.
رغم الحصيلة المرعبة التي تكشفها الحرب في القطاع المحاصر، إلا أن في غزة الحياة تنتصر على الحرب والموت، حيث سجلت القطاع المحاصر انتصارات عدة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، منذ اندلاع المعارك في السابع من أكتوبر.
هجمات السابع من أكتوبر وتحطيم أسطورة السياج الحدودي
شنت 5 فصائل فلسطينية هجمات مباغتة استهدفت مستوطنات غلاف غزة ومواقع عسكرية إسرائيلية، وأسفرت عن مقتل ما يزيد عن 1200 أسرائيلي بينهم عسكريين وأسر أكثر من 270 إسرائيليين.
الهجوم المباغت الذي شنته الفصائل على الدولة العبرية حطم أساطير عدة ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي بأجهزته الأمنية ومراكز أبحاثه بمشاركة دول عدة على رأسها الولايات المتحدة، يدرس الهجوم الذي أطلق عليه “طوفان الأقصى”.
نجحت الفصائل الفلسطينية في اجتياز السياج الحدودي وهو مشروع نفذته دولة الاحتلال على الحدود بين غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف رصد أي نشاط في داخل غزة والرد عليه قبل تنفيذ أي هجمات.
من بين النجاحات التي حققها الهجوم، التخطيط العسكري والتدريب الذي تم تحت أعين الاحتلال الإسرائيلي واستمر لنحو عامين، والإشارات التي بعثتها حماس بإنها لا تسعى لحرب جديدة مع الدولة العبرية وما يشغلها هو الاقتصاد والسيطرة على القطاع، ما اعتبره محللون إسرائيليون وعسكريون أحد “أكبر خطط الخداع الاستراتيجي”.
الفشل الذي حصده الاحتلال في السابع من أكتوبر، دفع قياداته إلى إلقاء اللوم على بعضهم البعض وخوفًا من الموت السياسي والمحاكمات المنتظرة بعد نهاية الحرب.
استمرار القتال في غزة
الرد الإسرائيلي جاء عبر إطلاق آلاف الأطنان من المتفجرات على القطاع بهدف تدمير البنية التحتية لحماس وتفكيكها عسكريًا، ثم إطلاق عملية برية للقضاء على عناصر حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى.
بدأ القصف في السابع من أكتوبر الماضي، ثم اتبعه توغلاً بريًا محدودًا فإطلاق عملية عسكرية برية، لم تؤت ثمارها بعد، فالحركة لا تزال تحتفظ بقدرات عسكرية تصد بها قوات الاحتلال في مناطق عدة داخل غزة حتى الشمال الذي أعلن الاحتلال أنه يسيطر عليه.
وفي تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي أمس السبت، أكد على استمرار القتال في غزة دون تحديد سقف زمني لنهاية الحرب، ما يعتبره محللون أن المعارك لم توشك على الانتهاء.
ولا تزال الفصائل الفلسطينية تبث يوميًا مقاطع فيديو لاستهداف القوات الإسرائيلية المتوغلة داخل غزة، فيما يعلن الاحتلال يوميًا عن خسائر بشرية في صفوفه فضلاً عن الآليات والمعدات العسكرية التي دمرت بنيران المقاومة الفلسطينية.
وكشف جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم الأحد، أنه تم تجنيد 295 ألف جندي وضابط من صفوف الاحتياط منذ بداية الحرب على قطاع غزة، وعن الأصابات أكد أنه تم إجلاء 970 عسكريا جريحا من قوات الاحتلال بواسطة المروحيات ونحو 1700 بواسطة سيارات الإسعاف منذ 7 أكتوبر.
خسارة الدعم العالمي
على مدى عقود ظلت الرواية الإسرائيلية متحكمة في الرأي العام العالمي عبر اللوبي الصهيوني الذي يدير أكبر وسائل الإعلام العالمية ويسيطر على مراكز قوى عدة، لم تكن خسارة هذا الدعم بهينة على دولة الاحتلال التي طالما صدرت محرقة “الهولوكوست” في روايتها لكسب التعاطف العالمي.
بعد أيام من العدوان على غزة وانتشار مشاهد الدمار الذي خلفه القصف المستمر وإطباق الحصار على غزة ومنع وصول المساعدات الإنسانية الطارئة لا سيما الأدوية اللازمة لعلاج الجرحى وأدوية المرضى، اندلعت مظاهرات في مختلف دول العالم من الشرق الأوسط إلى أوروبا مرورًا بآسيا والولايات المتحدة.
وتصدرت المظاهرات الرافضة للعدوان والمنددة بالرواية الإسرائيلية وسائل الإعلام العالمية، وسط دعوات لمقاطعة المنتجات التي تدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، أتت أكلها حسب تقارير اقتصادية عدة.
الرفض الشعبي العالمي صاحبه رفضًا دوليًا من مسؤولين عدة لا سيما في الإدارة الأمريكية التي واجهت أزمة كبرى جراء منح إسرائيل دعمًا عسكريًا غير محدود ورفضها الدعوات المنادية بوقف إطلاق النار.
الضغط العالمي دفع مسؤولين في إدارة بايدن إلى الاستقالة والاحتجاج في مذكرات رسمية إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية على النهج الذي تتبعه الإدارة ومنح دولة الاحتلال دعمًا غير مشروط.
تواصل الضغط على الدول الغربية التي تدعم إسرائيل حتى باتت ترفض خططه بشأن التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وهي الخطط التي دعمتها في بداية الحرب ورأت أنها وسيلة للقضاء على حماس.
انقسامات في الداخل الإسرائيلي
دفعت الحرب في غزة دولة الاحتلال إلى حافة الهاوية إذ يواجه قيادات الدولة العبرية ضغوطًا من الشارع الإسرائيلي والمعارضة، للإعلان عن هدنة إنسانية والبدء في اتفاق بشأن كافة الأسرى لدى حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، وتقديم الاستقالة والاعتراف بالفشل في صد هجمات السابع من أكتوبر والتنبؤ بها.
لا يزال أهالي الأسرى وآلاف الإسرائيليين يخرجون في مظاهرات للتنديد بفشل قيادات دولتهم في الحرب وتحميلهم مسؤولية حياة الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، الذي قتل بعضهم بالفعل جراء القصف المستمر.
الانقسام في إسرائيل، طال القيادات نفسها، إذ تتضارب التصريحات بشأن الحرب بين الأجهزة العسكرية ونتنياهو فضلاً عن الضغط الذي يعاني منه الاقتصاد الإسرائيلي جراء استمرار الحرب.
وكشفت استطلاع للرأي اليوم، أنه بعد 100 يوم من الحرب تراجع ثقة الإسرائيليين باحتمال إحراز النصر إلى 61% مقابل 78% في نوفمبر الماضي.
أزمة اقتصادية حادة
وكبدت غزة، الاقتصاد الإسرائيلي خسائر هائلة قدرت بنحو 60 مليار دولار، تشمل الميزانية العسكرية لجيش الاحتلال والمساعدات المقدمة للقطاعات الاقتصادية المتضررة، جراء إعادة تجنيد جنود الاحتياط الذي يقدر عددهم بنحو
360 ألف يكلفون الدولة العبرية 3 مليارات دولار.
ويقدر التراجع في الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بسبب الحرب نحو 2%.
وتوقع بنك إسرائيل المركزي عجزًا قدره 30 مليار دولار في ميزانية الدولة. وسيتطلب ذلك تخفيضات في الميزانية وزيادة في الضرائب تصل إلى أكثر من 18 مليار دولار.
أظهرت مسودة معدلة لميزانية 2024 كشف عنها اليوم، في إسرائيل أن عجز الميزانية من المتوقع أن يرتفع من 2.25 بالمئة إلى 6.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري.
محاكمة دولية
وللمرة الأولى تقف إسرائيل في موضع المتهم أمام محكمة العدل الدولية التي شاركت في تأسيسها لمحاكمة النازيين بتهم الإبادة الجماعية ومحرقة “الهولوكوست”، وحاليًا تنظر المحكمة في الاتهامات التي وجهتها جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال بتهم ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
رفعت جنوب أفريقيا قضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكابها جريمة إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وأعربت دول عدة عن تأييدها القضية، إلا أنها لم تشارك رسمياً في المرافعات وقد يقتصر دورها على تقديم دفوعات أو تفسيرات مساندة.