جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
(المقال الأول): تحدي المرشحين
يبدو الأمر جليًا لدى الجميع فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، يراها البعض صورة لديمقراطية لطالما نادينا بها حتى لو لم يعولوا على نتيجتها الآن، بينما يراها البعض الآخر مسرحية عبثية مليئة بالكوميديا السوداء حيث الضحك ممزوج بالبكاء، أما المرشحون المحتملون، والذين أعلنوا بالفعل عن الترشح، واستطاع بعضهم الحصول بالفعل على التوكيلات اللازمة، فلابد من سؤالهم .. جميعًا : هل تأخذون الأمر بجدية ؟؟ ..
(1)
يقف المرشح عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي متكئًا على إرث بناه عبر عشر سنوات واجه فيها الكثير من التحديات. الكثير من التأييد . الكثير من الحشد، والقليل الذي تحول إلى كثير من الدهشة والتساؤلات والرفض لقرارات أو سياسات أو أوجه عبرت عن فترة حكمه السابقة، وهو على الرغم من ذلك، وللعالمين ببواطن لغة الجسد، غير مستريح لترشحه الجديد، أو ربما لما سبقه وواكبه وسيطل عليه عبر معلومات لابد وأنه يملكها بأجهزته المعلوماتية المختلفة، ويريدها الرئيس انتخابات حقيقية، بل ويرحب (عبر تصريحاته) بأن يتحمل المسئولية من هو أفضل منه (إن وجد)، ويدعو الناس للتغيير عبر الانتخابات، لكن الجدية التي يفرضها الأمر لا تتعلق بالأقوال بقدر ما تتعلق بالأفعال على أرض الواقع، والتحدي التاريخي الذي يواجهه المرشح الرئيس ( الذي يفترض أن تكون تكون هذه هي فترته الأخيرة للرئاسة في حال فوزه) هو : كيف تكون هناك (حياة سياسية حقيقية) في الست سنوات المقبلة، تسمح لوجوه أخرى بالظهور الحقيقي (أو حتى المصنوع وهو أمر متعارف عليه في السياسة) وبنفس الأوزان النسبية في الدعم، وبما يليق حقًا بدولة عظيمة مثل مصر …
(2)
بينما يطل المرشح أحمد محمد رمضان الطنطاوي متحديًا، ولا وصف آخر يمكن أن نضيفه بعد ذلك، حيث يبدو الطنطاوي يصلي صلاة مودع وهو يتحدث عما لا يملكه منافسه، أكثر مما يتحدث عما يملكه هو، ويتحدى ويحاول كسر هيبة المنصب الذي يتولاه منافسه، دون أن يدرك أن هذا المنصب لو كسر مرة مع شعب مثل الشعب المصري فإنما سيؤدي لديكتاتورية حقيقية في المستقبل لإعادة الأمور إلى نصابها ، ويبدو الطنطاوي مصرًا على القميص والبنطلون وكأنه يعيد للأذهان فكرة ( واحد مننا) لأستاذه حمدين صباحي، دون ذكر مباشر، ومستفيدًا، ومتاجرًا أحيانًا، بتضييق غير حكيم بالمرة تعرض إليه، ولايزال، ويجيد إعادة تصديره عبر السوشيال ميديا التي يصعب توجيهها مهما تعددت لجانها وذبابها الإلكتروني الرسمي وغير الرسمي والقادم من الخارج، ليبدو الأمر وكأنه ( خناقة بلدي ) أكثر مما هو دعم/رفض للمرشح، ولكنه في المقابل يبدو غامضًا في تحالفاته التي يبرمها بالصمت أو بالميوعة أو بالهروب الذكي أحيانًا، والمفضوح في أحيان أخر، لاسيما حين يتعلق الأمر بالجماعة الإرهابية، ثم لا حديث آخر عن حلول عملية بالإجراءات الملموسة أو الأرقام الواقعية أو حتى اقتراح ماذا سيقدم من حلول ومعاونة في حال خسر الانتخابات أو لم يصل إليها من الأساس، بل إنه لا وجود لوعود ملموسة للناخب الذي يجب أن يراهن عليه، بقدر ما هو رهان كبير، ومقامرة (أظنها محسوبة) على ما يسميه أساتذة العلوم السياسية بالتصويت العقابي، والذي يبدو الأمر فيه (عقابيًا) للمرشح المنافس أكثر ما هو اقتناع بالمرشح الذي يدعمه الناخب، وإعجابًا بالمتحدي أو دعمًا له من باب العرف الشعبي بحب الشجاعة والجدعنة واللامبالاة، بشرط أن تظل كذلك ولا تنجرف في نزوة الحديث المتواتر إلى حماقة أو أخطاء تاريخية تقلب عليه نفس الذين أعجبوا به، ولعل أحدًا من أصحاب الحكمة (والصوت الخفيض غير المسموع)، في دوائر الحكم الرشيد (على قلتها) قد حذر بالفعل من فكرة تضخيم (النظام) لظاهرة طنطاوي (الصوتية حتى الآن) عبر عدم قبول التحدي ولو بشكل غير مباشر، والاتجاه الأبرز لإقصائه من المشهد بعدم وصوله للحد المسموح من التوكيلات أصلًا، والفيديوهات المتاحة والمنتشرة تؤكد على أن هناك تضييق يحدث بالفعل، ورغبة في الإقصاء والمنع من أوجه تنسب في توجهاتها للنظام، وتقف بالمرصاد لمحاولات كسب شعبية، بطريقة قديمة تجعل الأمر يأتي بأثر عكسي مع المرشح الذي صار حديث العديد من الأوساط حتى الذين لا يعرفونه، فإذا أضفنا مفاجآت الساعات الأخيرة التي يتيح القانون استخدامها، على منطقيتها، مثل أن يفاجأ بعد تقديم الأصوات بتوكيل لأحد الأشخاص مكرر مع مرشح آخر، وهو ما يبطل التوكيل تمامًا، ويتيح استبعاد المرشح، فإننا سنجد مشكلة أخرى تتعلق بتضخيم الظاهرة الطنطاوية أكثر وأكثر، وعدم تصديق الكثيرين لأن هذا هو ما حدث بالفعل (حتى لو حدث فعلًا)، لكن في كل الأحوال، ولأن أحدًا لا يستمع لهذا الصوت، ولأن وجهة النظر الأبرز عند أجهزة المعلومات تقول أن الطنطاوي مدعوم من جهات أخرى خارجية، فالأساس – كما يرون – هو التعامل مع هذا الظرف بنفس طريقة المنافسين، وعبر السوشيال ميديا، وعبر ميراث الانتخابات المصرية الصميمة بكل تشابكاتها المعقدة، ومستفيديها، وعرائس الجونتي السياسية والشعبوية الملبوسة باسم الحفاظ على الوطن. ومع هذا، يظل الأكثر منافسة، والأكثر إضفاء للمصداقية على الانتخابات لدى المواطن البسيط، هو الطنطاوي نفسه، حتى ولو لم يعطه صوته، وحتى ولو كان الطنطاوي أعلن عن ترشحه من خارج البلاد في دلالة لافتة لا يحبذها كثيرون، ويعتبرونها مرادفًا للقادمين من الخلف مدعومين ممن يتعاون معهم في (منفاهم الاختياري) كما قد يصف البعض .
(3)
ثم يأتي الدور على جميلة إسماعيل التي يبدو أنها لا تأخذ الأمر بالجدية الكافية، لكنها تكسب أرضية مهمة سعت إليها قبل سنوات بثينة كامل، لأن تكون المرأة المصرية ممثلة في انتخابات الرئاسة بفتح الثاء لا بكسرها . تدرك جميلة أن المزاج الشعبي لا يرحب بالمرأة في هذا المنصب، كما تعرف جيدًا أنها حين اشتداد الأمر ربما ستصل بالكاد للتوكيلات التي تحاول جمعها بعد ان أفسدت اجتماعها في مجلس النواب بعدم حضورها للموعد المقترح لجمع التوكيلات، علاوة على تشابكات الماضي التي تؤثر عليها، ولا تزال، بشكل عائلي يفرض أسئلة تصبح مباحة وقت الاختبار الحقيقي للمرشحين بحق، ومع ذلك فإن جميلة صاحبة الصوت العالي في التظاهرات، والصوت الجميل في الغناء، والصوت الواثق مهما كان الحديث الذي تتحدث فيه، تريد أن تكون صورة المرأة حاضرة في مناسبة تفرض وجودها بقوة القانون لا بدعم المرشح/ الرئيس الذي يولي المرأة اهتمامًا متزايدًا منذ لحظاته الأولى في التفكير للترشح وليس فقط بعدما أصبح رئيسًا بالفعل . كما سيكتب في التاريخ، في حال وصول جميلة للتوكيلات المطلوبة، أنها أول امرأة مصرية تترشح للانتخابات الرئاسية، وتتنافس فيها مع رئيس الدولة .
(4)
أما المرشح حازم عمر، العضو (المعين) في مجلس الشيوخ بقرار من الرئيس / منافسه الحالي، فهو رئيس حزب استطاع أن يجمع التوكيلات المطلوبة بسهولة حقيقية، ليس كرهًا في المرشح الرئيس، وإنما دعمًا للشكل الديمقراطي المطلوب، من حزب يؤيد منافسه ولا يريد له أن يخسر أمام رئيسه الذي عينه الرئيس المنافس !!!!! وقد تكون المفاجأة في أن أصوات حازم عمر لن تكون بالقلة التي يظنها البعض، بينما المشكلة الأكبر ستكون لدى فريد زهران، والذي يفرض عليه الظرف التاريخي المدفوع به للمنافسة، والحاصل به على توكيلات تتيح له الترشح، أن يأخذ الأمر بجدية أكبر، ويعتبر الأمر تمهيدًا حقيقيًا لحزبه (غير الشعبي) لأن يكون متواجدًا بقوة في الانتخابات القادمة، وأن يؤهل منه من هو قادر على المنافسة في انتخابات 2030، لكن يبدو أن الأستاذ فريد، الناشر واليساري العتيد، لم يأخذ الأمر بالجدية الكافية .. على الأقل حتى الآن . كان يمكن أن أتحدث عن عبد السند يمامة المرشح المحتمل ورئيس حزب الوفد التاريخي، لكن سيبدو الحديث باهتًا ومكررًا خاصًة إذا بدأناه بسؤال: أين حزب الوفد أصلًا في حياتنا السياسية ؟؟ وإذا ختمناه بتصريح الأستاذ يمامة: ” أحب أن أكون رأس فأر وليس ذيل أسد “.. هذا الرجل حسمها، فهنيئًا له بجديته في أن يكون رأس فأر.