جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
“كان مرًا
كان حلوًا
كان صلبًا
كان مثاليًا تمامًا لأنه يأبى أن يرى الإنسان، ذلك المخلوق السامي، غير مثالي، غير عف، غير صادق، غير نبيل.
أيها السادة …
نحن في حضرة عبقرية انتهت حياتها منذ أيام، وإلى ألف عام من الآن، إلى مسافة تماما كالتي كانت بين المتنبي وأمل دنقل، سنظل ننتظرها.
ولن أطلب منكم الوقوف حدادًا؛ فنحن إذا وقفنا حدادًا سيكون الحداد على عصر طويل قادم.
حدادًا على العصر الذي سيمضي حتى يشب فيه رجال لهم شيمة الرجال الذين كان يراهم أمل دنقل.
وكرم الرجال الذين كان يحلم بهم أمل دنقل.
وشرف ونبل وإنسانية وشجاعة ورقة الرجال الذين استشهد أمل دنقل وهو يراهم هم البشر، ويحلم برؤيتهم.
وكنا نحن صغارًا، فلم نراهم ولم نراه”.
هذا ما كتبه الراحل العظيم الدكتور يوسف إدريس في مقال حمل عنوان “قانون موت الشاعر” نُشر بالعدد الأول من مجلة أدب ونقد، ١٩٨٤، لرثاء الشاعر الجنوبي الراحل أمل دنقل الذي رحل عن دنيانا يوم ٢١ مايو عام ١٩٨٣ بعد معاناة مع مرض السرطان، وبعد حياة قصيرة حافلة بالكفاح وجسارة الروح والأحلام والشعر.
ويقيني الشخصي أن الدكتور يوسف إدريس كان يرثي بهذه الكلمات الرائعة ذاته أيضًا بشكل ضمني؛ لأنه وجد في أمل دنقل صورة نفسه وأحلامه وشجاعة روحه وعقله، وربما خيبة أمله.
كما وجد في شعر وصدق والتزام أمل دنقل، المعادل الشعري ليوسف إدريس الأديب؛ لأن يوسف إدريس كتب المسرح والقصة والرواية القصيرة، لكنه لم يكتب الشعر، وكان في ظني يرى أن ما كتابه أمل دنقل هو الشعر الذي كان سيكتبه يوسف إدريس لو كان شاعرًا.
رحم الله الأديب الكبير الراحل يوسف إدريس، والشاعر الجنوبي الراحل أمل دنقل، اللذين جسدا في كتاباتهما وحياتهما عظمة الثقافة المصرية والإبداع الأصيل، وعظمة النزاهة الفكرية للنخبة المصرية الحقيقية.