جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
فعلاً، لم أتشرف بمقابلة هذا الرجل الذي شيّعت جنازته إلى مثواه الأخير منذ أسبوعين تقريباً، ولكني رأيته من خلال حُسن أخلاق وفضائل أخلاقيات ابنه الأكبر الصديق عمرو عزت. لقد كنت طوال سنوات ماضية كلما قابلته أو جالسته أقول له (فعلاً ربنا يكرم اللي رباك).
ومنذ أسبوعين، وتحديداً مساء الجمعة قبل الماضي، تلقيت على الهاتف من صديقي عمرو خبر وفاة والده (رحمة الله عليه)، وبالطبع ذهبت لحضور الصلاة عليه وتشييعه إلى مثواه الأخير، وهناك في مسجد الشرطة بالشيخ زايد وجدت صديقي عمرو وشقيقه محمد، كلاً منهما ممسكاً بمصحف وجالسين حول النعش الذي يرقد بداخله جثمان والدهما ويقرآن ما تيسر من آيات القرآن، وبينما أحتضن الصديق عمرو مواسيًا وهو منهمك في البكاء بلوعة شديدة، علمت من بعض المتواجدين بالمسجد أن المغفور له بإذن الله الحاج أحمد عزت، المسجى جثمانه داخل صندوق الموتى (في انتظار صلاة الجنازة عليه)، وافته المنية داخل المسجد القريب من بيته، والذي كان معتاداً صلاة فروضه الخمسة والاعتكاف فيه سويعات قليلة بعد صلاة فجر كل يوم، بل إن المنية وافته وهو يشارك جموع المصلين صلاة الجمعة. عندها اندفعت نحو الصديق عمرو ودفعته في كتفه وأنا أقول له لا تبكِ يا صديقي على وفاة والدك، فقد أحسن الله خاتمته، وليت خاتمتنا تكون مثل خاتمته.
وأثناء جنازة الرجل عرفت من أهله وأصدقائه المقربين ثم من أبنائه أنه كان حسُن الخُلق، ذا ضمير يقظ، متفانياً ونزيهاً في عمله لسنوات طويلة في هيئة حماية المستهلك. لم يسمعه أحد يسبّ أو يحتدّ على مرؤوسيه. كان يقدّس العمل ويحظى باحترام وتقدير كل زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه. منذ شبابه وهو مواظب على الصلاة في أوقاتها وعلى تعطير لسانه بذكر الله. كان أباً حنوناً عطوفاً وحازماً، وكذلك كان زوجاً، كما قالتها لي الفاضلة زوجته (والدة صديقي عمرو)، لم تسمع منه طوال قرابة خمسين عاماً إلا خيراً، أو كما قالت حرفياً (كان نِعم الزوج ونِعم العشير). كان يعشق الصدقات وإخراجها لمستحقيها، وكان كذلك يواظب بحرص شديد على صلة أرحامه والسعي في الصلح بين الخصوم من حوله.
كان الرضا دائماً يملأ قسمات وجهه حتى في أحلك الشدائد، وكان نِعم الجار لجيرانه، كما أجمع على ذلك كل جيرانه الذين أصرّوا على تشييع جثمانه. ملخص سيرة الرجل كما ترامى إلى أذني أنه كان تقياً نقياً ذا أخلاق حميدة وذا عشرة طيبة.
ومن كثرة ما سمعته عن الرجل فعلاً والله أحببته في الله، وقسماً بالله أدعو له كثيراً بالرحمة والمغفرة في صلاتي. وكيف لا أفعل ذلك وقد علمت أنه ظل مريضاً لمدة شهرين في غرفة العناية المركزة، وأنه تماثل للشفاء وعاد إلى بيته شبه معافى، وصباح ثاني يوم من خروجه من المستشفى إلى بيته توضأ وخرج مع ابنه المقدم محمد عزت لصلاة الجمعة، وكان سعيداً للغاية لأنه منذ شهرين (قضاهما في غرفة العناية المركزة بالمستشفى) كان مشتاقاً للذهاب للمسجد ولصلاة الجماعة ولرفاق المسجد الذين هم أحبته في الله. وقد همس في أذن ابنه المقدم محمد عزت، وهما في طريقهما للمسجد، أنه يشعر وكأن جسده خفيف نشيط، وأنه يشعر وكأنه يمشي على الماء.
وبعد أن أنهى الخطيب خطبة الجمعة، وقام مع المصلين للصلاة وافته المنية أثناء الصلاة استجابةً لدعائه منذ سنوات بأن يقبضه الله سبحانه وتعالى إليه وهو في صلاته.
ومثل هذا الرجل، فيما أعتقد، فاز بسعادة الدنيا لأنه عاش دنياه والرضا يملأ داخله، والقرب من الله سبحانه وتعالى متعته، وحسن الأخلاق طباعه، ونحسبه فاز بالآخرة لحسن إيمانه وتقواه. ويكفي أنه مات مبتسماً وهو قائم يصلي صلاة الجمعة وهو ضيف في بيت من بيوت الله، وكما أكد جميع من حضروا لحظة وفاته أنها هي نفس ابتسامته العذبة التي لم تفارق وجهه المضيء بنور التقوى طوال حياته.
وأشهد الله سبحانه أنني أحببتك في الله تعالى دون أن أتشرف بلقائك يا حاج أحمد عزت.
ومن قبل ومن بعد، صدق الله العظيم القائل في كتابه المبين (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى). ولذلك نقول نحسب فلاناً من الصالحين أو نحسب فلاناً من أهل الجنة. ونسأل الله أرحم الراحمين أن يكون هذا الرجل وأمثاله برحمة الله سبحانه وتعالى من أهل الجنة، وأن يأذن لهم سبحانه وتعالى فيأخذوا بأيدينا ليدفعونا معهم إلى الجنة بسلام ودون حساب ولا سابقة عذاب.