(تسلسل زمني لحياة اللبنانيين منذ عام 1975 حتى 2024)
– مارينا ميلاد:
(8 أكتوبر 2023) – (بلدة شبعا جنوب لبنان)
أشرقت الشمس على بيت عائلة “ماضي”، ووصل “عاهد” من صيدا ليزور أمه وأخته. لا حديث يدور في طريقه ولا مكانه سوى عملية “حماس” التي شنتها ليلة أمس على المستوطنات الإسرائيلية وأخذها لرهائن.. لكن زاد عليها أنباء أكثر قربًا وخطرًا: “حزب الله يدخل على خط الحرب الدائرة ويستهدف مواقع إسرائيلية بمنطقة مزارع شبعا الحدودية، وبالطبع، ترد إسرائيل”.
لم يكن من الصعب على “عاهد” وأسرته ممن عايشوا حروبًا واستقروا على حدود مشتعلة دائمًا أن يتنبؤا بما سيحدث، كما أن والدته بحاجة لزيارة الطبيب في صيدا.. فغادروا البيت على الفور..
اتكأت الأم على ذراعه وزاغت عيناها بين أرجاء البيت، فحبست دموعها وكأنها تخشى وداعه، ليهون عليها ابنها ويقول: “لا تأخذي أغراض.. سنعود قريبًا”..
لكن باب بيتهم ظل مغلقًا لعام، لم يقدروا خلاله على العودة، إنما عبرت الحرب الحدود الفاصلة، وأخذت طريقها من غزة إلى لبنان.
هذا التسلسل الزمني يدور حول ما عاشته لبنان وعائلة “عاهد” في الأربع عقود الأخيرة، حول من هم وراء الأخبار والعناوين والأرقام، هؤلاء الأشخاص الذين عاشوا على خطوط ترسمها الاتفاقات وتؤمنها المفاوضات، وفي ظل حروب طويلة عرفتها لبنان أكثر من أي دولة أخرى.
—————————–
(1988) – (الطريق إلى صيدا)
كانت المرة الأولى التي يغادر فيها “عاهد” بيته في شبعا، وعمره 11 عامًا.. لكن وقتها، كان بمفرده، ذاهبًا إلى أخيه الذي يعيش في صيدا.
وبين طرقات “شبعا” الضيقة والمنحدرة، تمر الحافلة على بيوت تساوت أسقفها مع الطرقات، وعلى حياة ذات إيقاع بطيء كخطى ناسها، وعلى بساتين الكرز والتفاح المميزة لوجه القرية، والتي يملك إحداها والد “عاهد”.
تلك الصور تمضي سريعًا إن أطل عليها من نافذته، لكنها حُفرت بهوادة في ذاكرته الصغيرة، فوطدت علاقته بشبعا، التي كان يركض ويلعب بين بساتينها وأنهارها.. فيذكر أنها: “من أجمل القرى اللبنانية، قرية جبلية كثيفة المياه، مياهها باردة بعز الصيف”، يتنهد قليلا ثم يقول:”آآآه.. شبعا غير أي شئ بالحياة”.
تردد صوت أمه في ذهنه وكأنه تعليق صوتي يرافق ما يراه أمامه، حين حكت له “كيف كانت الحياة جميلة وبسيطة، وكيف كانت الناس تحب بعضها، وأن بيت العائلة، لا يفضى أبدًا من الناس”..
أغمض عينيه للحظات، وتذكر كيف تحول كل ذلك، وبات حاضره لا يشبه ماضي أمه.
فجغرافيا قريته ربما ظلمتها كما ميزتها، فمنحتها موقعًا مميزًا بين المستوطنات الإسرائيلية الشمالية والجولان المُحتل، وعليه؛ صارت هدفًا لإسرائيل منذ عام 1967.. فثمة اعتداء تلو الآخر، ثم تهجير لأهلها أكثر من مرة، ثم اجتياح إسرائيلي وصل بيروت عام 1982 بهدف محاربة منظمة التحرير الفلسطينية وإبعاد أفرادها عن الحدود، حتى صارت شبعا “مُحتلة” مع مناطق أخرى بالشريط الجنوبي، مُحاصرة بأسلاك شائكة ومراقبة بمراكز عسكرية تسكن مرتفعاتها الخضراء.
تغيرت صورة “شبعا” الهادئة، وخرج منها شباب قرر أن يقف في وجه الإسرائيليين بدافع “المقاومة” التي لم تكن حينها ناضجة ولا منظمة. وبالتزامن، كان حزب الله الذي يحظى بدعم إيراني وتأسس مؤخرًا يكبر تدريجيًا.
فاجتمع مقاومي “شبعا” ببيت عائلة “ماضي” حتى بدا كأنه مقر لهم، كما انضم لهم أشقاء “عاهد”، وهو ما جعل القوات الإسرائيلية تداهم البيت مرة واثنتين حتى اعتقلت اثنين منهما.
سمع “عاهد” وشاهد ما هو أكبر من عمره ومخيلته، فهو الأصغر بين ستة إخوة.. لكنه أدرك قبل أوانه ما يحدث حوله، فحين كان يخرج من البيت للمشي، تنبهه أمه أن يأتي قبل الثامنة مساءً، لأن المشي والتجول ممنوعين وإلا سيصاب برصاص الاحتلال، كما يتذكر.
يفتح عينيه الآن بالحافلة على واقع آخر سيء، واقع صنعه اللبنانيون أنفسهم، ينبئ به أصوات متداخلة وصلت إلى مسامعه، ليتبين أنها الكمائن المنتشرة بأرجاء البلد والتي ترعبه، فالحرب الأهلية لازالت دائرة منذ 13 عامًا.
تلك الحرب التي انطلقت من حادث واحد يتعلق بقتل فلسطينيين بحافلة في منطقة عين الرمانة ببيروت، تلاه انقسام لبنان إلى معسكرين، إلى شرق وغرب: أحزاب يمينية مسيحية ضدّ أحزاب يسارية وإسلامية، ثم انقلبت الأحزاب الحليفة على بعضها، لتكن حربًا طائفية بامتياز رغم أن أساسها كان سياسيًا.
والسمة الأبرز في الحرب، كانت نصب الميليشيات المختلفة لحواجز مفاجئة، كتلك التي يقف عندها “عاهد” الآن.
لم يرفع “عاهد” عينيه عن هؤلاء الأشخاص وهم يفحصون الهوايات، الموقف الذي يحتاج الكثير من الحظ لتجاوزه إن كنت من معسكر مُخالف، وتذكر أنه يفعل نفس الشيء في لِعبه مع جيرانه وزملائه بالمدرسة.
فكان لعب الأطفال هو “تمثيل الحالة العسكرية الموجودة”، كما يحكي “عاهد”، فينقسم مع زملائه إلى فريقين يمثلان طرفي الصراع، يحملون سلاح مصنوع من الخشب، ويطلقون أصواتًا تعبر عن صوت الرصاص، ويصبح الفريق المهزوم هو الممثل للطرف الأضعف بالمنطقة، فإن كانوا بمنطقة يسيطر عليها المسيحيون، فيكون المسيحيون هم الفريق الفائز والطرف الآخر هو الخاسر، والعكس صحيح إن ذهبوا لمنطقة أخرى تبدلت فيها السيطرة.
لا يعِ “عاهد” مبرر ذلك، يسأل نفسه: “لماذا يكون المسيحيون والمسلمون متصارعين؟”، فقد تربى بين الاثنين، وجاورت الكنيسة بيتهم، بل كان يذهب مع صديقه “نيقولا” ليدق أجراسها. لا رواية منطقية لديه، لكن على كل حال، فهو يحدق الآن في القوات الحقيقية التي تفتشهم، ليجيد تقليدهم في لِعبه.
تتجاوز الحافلة ذلك الكمين، ويفلت “عاهد” من مصير نحو 130 ألف شخص، قتلوا بهذه الحرب (بحسب الأمم المتحدة)، رأي أمامه الكثير منهم، جثث ملقاه في الشوارع، تنبعث منها رائحة الموت لتنتشر في كل الأنحاء.
تلك السنوات سجلها “عاهد” في ذاكرته باعتبارها “الأسوأ في حياته”، فكانت لبنان في وجه نظره “مُكبلة ومُحاصرة بين عدو داخلي، وعدو خارجي”.
ثم وصل أخيرًا إلى مشارف مدينة صيدا، فشعر بخوف يتسلل إليه، للحظة راودته فكرة أن يعود لوالديه، وفجأة جاء صوت البحر، ليشجعه أن يبقى ويرى ما سيحدث.
—————————–
في العام التالي، انتهت الحرب بعدما وقّع النواب اللبنانيون “اتفاق الطائف” في السعودية، لكنها تركت ندوبًا وثقوبًا ليس على جدران البيوت فحسب إنما داخل الأنفس.
بينما بقت “شبعا” وجيرانها تحت الاحتلال، الذي أحكم قبضته عليها أكثر، لا أحد يدخل إليها ولا أحد يخرج منها تقريبًا.. انقطع طريق تصريف والد “عاهد” لبضاعته فقل دخله، وكذلك، انقطع سبيل لقاء ابنيه في صيدا.. فلم يرِ “عاهد” والديه لسبع سنوات، فاته خلالها مناسبات وأعياد وأغلب أخبارهما، ومنها عودة أخيه الأكبر من السفر بعد غياب طويل.
صار خلالها شابًا يافعًا، والتحق بالجامعة في صيدا ليدرس علوم سياسية.. كان يجول بنظره لما حوله بهذه الفترة، ويرى أن سنوات مراهقته ليست كقرنائه، ليست كما يجب أن تكون، فلا أغاني عاطفية ولا نزهات، إنما “نشأة على الأغاني الثورية وحب فلسطين والجنوب.. والمظاهرات داخل الجامعة اعتراضًا على الوضع بلبنان ودعمًا لدول العربية مثل العراق”.
يصف “عاهد” تلك الأيام بـ”مزيج من الفرح والرعب، ولما كانت الأحلام تتلخص في أن يكونوا أبطالا بوجه المحتل”.
ثم انسحبت إسرائيل (عام 2000) من بلدته شبعا باستثناء مساحة تعرف باسم “منطقة المزارع”، محل النزاع بين لبنان وسوريا، والتي تصدر اسمها عناوين الأخبار كثيرًا بهذا الوقت: “حزب الله يتعهد باستمرار المقاومة حتى استعاده شبعا”، “مزارع شبعا تعيد فتح ملف التوتر على الحدود اللبنانية”..
وحولها، رُسم ما يسمى بـ”الخط الأزرق” الذي وضعته الأمم المتحدة بين إسرائيل ولبنان ومرتفعات الجولان.. في نفس الوقت، كان حزب الله يواصل تقوية جناحه العسكري.
وعلى جانب أخر من البلدة وبينما يحدث كل ذلك، فٌتحت الطرق المغلقة، ليلتقي “عاهد” ببيته بشبعا بعد فرقه وتجتمع عائلته على نفس الطاولة مرة أخرى.
—————————–
استمر “عاهد” بالجامعة لعامين، ثم تركها لاضطراره العمل ومساعدة أخيه في المصروفات. سافر كبقية مغتنمي فرص السفر إلى الخليج، أملا في دخل أكبر.. ولم يمر سوى فترة قصيرة إلا واكتشف أنه لن ينسجم مع الأجواء هناك، فعاد إلى بلده.
بعد عودته بفترة، توفى أبوه ولم يشهد المناوشات المألوفة على حدوده، والتي تجددت بالقرب من شبعا، لكنها هذه المرة كانت أشد بعد أن اختطف حزب الله جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية. ثم اتسعت رقعة القتال لتصبح “حرب 2006” التي استمرت 34 يومًا، وانتهت بقرار الأمم المتحدة، الذي دعا حزب الله وإسرائيل إلى الانسحاب من المناطق الحدودية، لتحل محلهما قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والجيش اللبناني. وسيبدو فيما بعد، أن الجانبين لم يلتزما بشروط هذا الاتفاق على نحو لائق.
فوهات المدافع والبنادق صمتت، صمت هش ومؤقت، فازدحمت شوارع مدينة صيدا حول “عاهد” بسيارات العائدين لتفقد الأضرار التي لحقت بمنازلهم وممتلكاتهم، مع عدم الاقتراب بالسيارات من جنوب نهر الليطاني، النهر الأطول والأكبر في لبنان، والذي سرى عليه التحذير الإسرائيلي.
ومن بعدها، صارت لبنان بلد يحوم بها التوتر طوال الوقت، “منقسمة إلى قسمين.. الأول يتمثل بالمقاومة والثاني لا يعنيه فلسطين والقضية، بل يميل ناحية الغرب”، هكذا بات يراها “عاهد”.
لكنه اختلط بالجميع، حتى الفلسطينيين الذين فروا إلى لبنان ومكثوا بمخيماتها الاثني عشر، والذين لم يكن مرحبًا بهم ببعض المناطق، لكن على العكس بالجنوب وصيدا، فكما يقول، “لم يكن هناك نفور بل صاروا جزءًا من المجتمع”. ثم زاد عليهم لاحقا، أكثر من مليوني سوري في سنوات ما بعد عام 2011 (حسب تقدير الحكومة اللبنانية). فضغط ذلك أكثر على حكومة مُنهكة وبلد صغير يسكنه نحو 6 ملايين نسمة، فخطى لبنان خطوات ثابتة نحو أزمة اقتصادية خانقة.
في تلك السنوات، كان “عاهد” بدأ عمله مع أخيه بشركة المقاولات الخاصة بهم، لكن الأزمة التي فتكت بكل شيء، طالته هو أيضًا، فيقول “لا يوجد عمل بمجال العقارات منذ أكثر من خمس سنوات”، وحتى زراعة أبيه في شبعا، التي ورثها، قد تأذت مجددًا، فبعد أن كان إنتاجهم ألف صندوق تفاح بالموسم، تراجعت لعشر صناديق فقط.
ربما حال كل ما يجري بين “عاهد” وفكرة الزواج. ثم انفجر وصاح غاضبًا من الأوضاع في أواخر عام 2019، حين اشترك في تظاهرات حاشدة ضد الحكومة والاقتصاد المتعثّر في احتجاجات يسمّيها اللبنانيون “ثورة 17 تشرين”.
لم يمر عليها سوى بضعة أشهر، حتى زاد الطين بلَّة، فانفجرت آلاف الأطنان من مادة نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت ودمرت أجزاءً من المدينة. تلك الصورة القاتمة، جعلت البنك الدولي يرجح “أنّ الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان هي واحدة من أسوأ الأزمات التي شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
تَجلى ذلك في حياة “عاهد” اليومية، حين يجلس في ظلام لساعات لا يقطعها سوى تشغيل المولد، وحين يقف في طوابير لا يرى آخرها على محطات الوقود، وحوله يعلو الصياح والشجار. لكن أكثر ما آلمه هو وفاة صديقه القديم “نيقولا” بعد انهيار النظام المصرفي وفقدان الناس لأموالهم، فضاع كل ما جناه في حياته.
لم يكن لبنان يحتمل ما هو أسوأ، لكنه وقع بعد حرب غزة.. وكما جرت العادة، كانت “شبعا” والمناطق الحدودية في واجهة الضربات. فغادر “عاهد” رفقة أمه وشقيقته بيتهم هناك، ثم سمعوا بعدها تعرض إحدى بيوت العائلة للقصف والهدم.
—————————–
وبالنسبة لوالدة “عاهد” التي بلغت الثامنة والسبعين ولم تترك بيتها خلال هذا العمر حتى في أقسى الظروف، كان ذلك الرحيل الممتد لعام كامل “كارثي”، بوصف “عاهد” الذي يراها طوال الوقت غارقة في حزن شديد.
وحتى هو نفسه، يشتاق للعودة لبيته الذي ورثه عن أجداده ويقول “إن عمره يتجاوز عمر الجمهورية اللبنانية”.
لكن الضربات والتهديدات المتبادلة طوال عام بين إسرائيل وحزب الله، أخذت منعطفًا آخرا خلال سبتمبر الماضي، على نحو يبعد بينهم وبين بلدتهم أكثر.. إذ بدأ التصعيد بانفجارات أجهزة الاتصالات اللاسلكية “البيجر” في وجه عناصر حزب الله، ثم استهداف قادته، وما تلاه من هجمات الحزب على الشمال الإسرائيلي، لينتهي باجتياح الغارات المتلاحقة لسماء لبنان ثم مقتل زعيم حزب الله، حسن نصر الله.
وبعد غياب نهار يوم 23 سبتمبر، صار النزوح الكبير لسكان الجنوب وعجت الطرق بالسيارات خاصة في صيدا والطريق المؤدي إلى بيروت، فأطل “عاهد” على مشهد لم يكن شاهده منذ حرب 2006.
فهرع مع شباب متطوع ليوزع مياه وطعام على النازحين الذين ظلوا ساعات طويلة بسيارتهم وأغلبهم قضى ليلته هناك أو على جانبي الطريق.
ولأكثر من 18 ساعة، ظل يجوب الشوارع المكتظة بالناس والسيارات. ثم انزوى بعيدًا ليتحدث عبر الهاتف لأخيه، وهو مُتعب، ليطلب منه استضافة نازحين بأماكن وبيوت تتبع شركته، فاستجاب، وصار “عاهد” يستضيف نحو 280 شخصا، يمثلون 47 عائلة، بين نساء ورجال ومسنين وأطفال.
عشرات القصص يسمعها “عاهد”، تنطلق كل صباح وكل مساء من الجالسين في تلك المساحات المكدسة بالناس، مثل “قاسم”، الذي يتحدث عن اللحظة التي سمع فيها دوي انفجار قرب بيته في قضاء بعلبك، ليجد 17 شخصًا من أسرته تحولوا إلى أشلاء. ويجاوره ابنه “حسين”، الذي يعجز عن الحكي، لأنه فقد أسرته وخطيبته بينما كانا يستعدان للزواج. و”جِنان” القادمة من الضاحية الجنوبية لبيروت، وتحكي عن إرسالها ابنها العشريني إلى سوريا لعله يكون في مأمن، فتقول بُحرقة: “لا أدري إن كان ما فعلته صحيح أم لا، لكنني فعلت مثلما فعل غيري”. و”أم حسن”، التي فرت من مدينة النبطية بعد أن تضرر منزلها بشدة، تشاركهما فتقول: “المشهد الذي رأيناه في غزة يتكرر هنا”. أما شذى فارس، اللاجئة السورية التي فرت من دمشق عام 2013 مع عائلتها لتجد نفسها تهرب مجددًا هنا، فتقول: “لم نفكر. بمجرد بدء الإضراب، هربنا.. بدأت حفيداتي في البكاء والصراخ، وقالوا أخرجونا من الحرب. هناك حرب هنا ولا نريد البقاء”.
يعجز “عاهد” عن فعل شيء تجاه كل ما يسمعه سوى المواساة وأن يستمر فيما يفعله من مساعدة، فيجهز الآن مستودع فارغ ليستوعب أعدادا أكبر، وسط استمرار الغارات على مناطق مختلفة وغير متوقعة، فخلطت الليل بالنهار وقتلت أكثر من ألفي شخص، وأصابت نحو 10 آلاف (حسب وزارة الصحة اللبنانية)- حتى اليوم.
تَمضي اللحظات عليه بطيئة وثقيلة، وفي بعض السكون إن حدث، يسرح قليلا، فيومض في رأسه شريط عمره الذي يساوي الأربع عقود الأخيرة من حياة لبنان، واقعة واقعة، فيقول: “كل ما أظن أنني رأيت كل شيء صعب في هذا البلد، يظهر ما هو أصعب”.
زمن طويل من القصف: قنابل وصواريخ ودبابات، كان يكفي ليبعده عن شبعا وربما عن لبنان كلها، لكنه لم يفكر في ذلك أبدًا، كما يقول، بل يبق داخله حدس أنه سيعود لبلدته مرة أخرى، شبعا التي يحدها جبل يرتفع كجدار ينتصب فوق قمته مرصد اسرائيلي، وغير ذلك لا يحدها شيء، فتبدو للوهلة الأولى كأنها تقع في آخر العالم، وصارت كذلك بالنسبة له في هذه اللحظة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرسوم بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي
اقرأ أيضا:
على طريق النزوح.. ما تكشفه رسائل لبنان في 48 ساعة