12:05 م
الثلاثاء 04 يوليو 2023
كييف – (بي بي سي)
يجر جندي أوكراني جسده عبر طريق مكسو بالعشب الطويل، وتتدلى خلفه إحدى ساقيه. بعد ثوان يظهر وميض برتقالي لامع وسحابة من الدخان الأبيض في بقعة على بعد أمتار قليلة، حيث انفجر لغم أرضي آخر.
بينما يحاول جندي ثان، مصاب بجروح بالغة، النهوض متجها نحو مكان آمن نسبيا لحاملة جنود مدرعة قريبة – تتخبط ذراعاه مثل السباح الذي يحاول التشبث بقارب نجاة – وتدل لطخة كثيفة من الدم الأحمر الداكن على الآلام التي تكبدها.
وقد استعيدت السيطرة على هذه المنطقة الأسبوع الماضي، من قبل طائرة بدون طيار تابعة للجيش الأوكراني، حلقت فوق الخطوط الأمامية جنوب مدينة باخموت الواقعة في إقليم دونباس. وبدا حقل الألغام من الأعلى، وكأنه مغطى بطفح عشوائي من من محصول من الكرات ذات اللون البني الداكن.
قال أرتيوم، وهو جندي يبلغ من العمر 36 عاما من لواء الدفاع الإقليمي 108 الأوكراني: “الألغام مرعبة… إنها تخيفني أكثر من أي شيء آخر”. قبل يومين، داس اثنان من زملائه على – ألغام صغيرة خضراء مضادة للأفراد – نُثرت مؤخرا عبر أحد الحقول بواسطة الصواريخ الروسية.
وأوضح أرتيوم، خبير المتفجرات المتمرس، أن الصواريخ تمكن القوات الروسية من زرع ألغام جديدة في الأماكن التي تم بالفعل تحريرها واستعادتها من قبل القوات الأوكرانية.
كما أن الهجوم المضاد الأوكراني الذي طال انتظاره، لم يحقق بعد النتائج المأمولة بالسرعة والزخم الذي كان البعض يتوقعه – بما في ذلك الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي اعترف بأنه كان “أبطأ مما هو مطلوب”. وقد ألقى مجموعة من الجنود الذين تحدثنا إليهم في أقسام مختلفة من خط المواجهة، باللوم على حقول الألغام الروسية في جزء من هذا التأخير.
قال قائد فرقة مكونة من تسعة أفراد “بطبيعة الحال وجود الألغام يبطئ من حركة القوات”. كان القائد قد أنهى للتو مهمة إزالة الألغام على الخطوط الأمامية القريبة إلى الشرق من قرية بريدتيشين الصغيرة المدمرة، خارج باخموت. ووضع مجموعة من الألغام الروسية المعطلة على الأرض تحت شجرة بحذر، لكي لا تتمكن الطائرات الروسية بدون طيار أن ترصده.
قال الملازم سيرهي تيشينكو من اللواء المهاجم الثالث، متحدثا من ملجأ قريب: “العدو لا يرحم جنوده، إنه يستخدمهم كوقود، أما نحن فنحاول التقدم إلى الأمام بأقل عدد ممكن من الضحايا”.
على بعد حوالي ثلاث ساعات جنوبا بالسيارة، عبر سلسلة من الجسور العائمة، جثم خبراء الألغام الأوكرانيون على جانب طريق مليء بالحفرالتي خلفتها الألغام، وقاموا بتثبيط لغم كلايمور القوي المضاد للأفراد الذي كان مخبأ بالقرب من عمود كهربائي، والذي كان على وشك الانفجار محولا المشاة أو المركبات إلى شظايا.
يقول أرتيوم، وهو ميكانيكي سابق، بعد لحظات من انتهائه من تعطيل اللغم: “أكره هذه الوظيفة”.وبعد ثوان سمع صوت صفارة، ثم تبعه دوي انفجارظـ إذ سقطت قذيفة مدفعية روسية على الحقول المجاورة.
على حافة تل قريب، كان المشاة الأوكرانيون يتقدمون ببطء جنوبا إلى ما وراء قرية ريفنوبل التي تم الاستيلاء عليها حديثا. لم يكن غضب أرتيوم مجرد رد فعل ناجم عن مخاطر حقول الألغام، بل كان رد فعل على العقلية “الخبيثة” التي شعر أنها تكمن وراء فعل زرع الألغام والأفخاخ المتفجرة، بدلا من محاربة عدوك “رجلا لرجل”.
في وقت لاحق، في قاعدتهم المؤقتة الكائنة في كوخ على بعد عدة كيلومترات، أعرب الجنود عن إحباطهم إزاء نقص معدات إزالة الألغام ونقص خبراء المتفجرات، فقد أصيب أربعة منهم في الأسابيع الأخيرة.
ولكن بعد ذلك أرانا أرتيوم هوائيا كبيرا، وأخرج جهاز كمبيوتر محمول لبدء تشغيل تسجيلات لما قال إنها اعتراضات لاسلكية للتنصت على الجنود الروس. يبدو أن الرسائل المليئة بالشتائم تشير إلى درجة من الفوضى وتدني الروح المعنوية لدى الجنود الروس.
“ضربت طائرتنا بدون طيار طراز كاميكازي سيارتنا. لدينا قتيل وشخص آخر جريح. أخرج من هناك”.
“الجنود يهربون. بعضهم يسرق السيارات فر 50 شخصا. وهربوا”.
وأشارت التسجيلات إلى أن الجنود الروس كانوا يفرون من مواقعهم بعد قصف مدفعي أوكراني.
قال أرتيوم: “يحدث من وقت لآخر، في مجموعات مكونة من 10 أو 20 جنديا روسيا أن يختفي الجنود ويغادرون من دون إذن. يدرك الروس أنه يمكننا التنصت على اتصالاتهم لكنهم ينسون ذلك أحيانا”.
ووصف أرتيوم نفسه بأنه “واقعي” فيما يتعلق بالهجوم المضاد لأوكرانيا، وأعرب عن اعتقاده بأن الكثيرين “في وسائل الإعلام وفي صفوف المواطنين على عجلة من أمرهم”، وأنهم يتوقعون تقدما مفاجئا.
وقال “أعتقد أن الخيار الأسوأ ممكن الحدوث دائما.. والأسوأ في هذه الحالة هو التقدم البطيء”.
حلقت طائرتان مقاتلتان أوكرانيتان على ارتفاع منخفض مصدرتان هديرا يصم الآذان، أعقبت ذلك سلسلة من الانفجارات امتدت من الخطوط الأمامية إلى الجنوب. بعد ذلك بوقت قصير، سمعنا صوت المدفعية وما بدا وكأنه نظام صاروخي بعيد المدى HIMARS يقصف المواقع الروسية.
قد يكون الهجوم المضاد لأوكرانيا بطيئا وحذرا نسبيا في هذه المرحلة. لكن أحد الضباط ، أشار إلى أن هذا النهج الصبور سيؤتي ثماره قريبا بصورة دراماتيكية، إذ دمرت الضربات بعيدة المدى قدرة روسيا على إعادة تسليح وحدات الخطوط الأمامية، كما أسهم تراجع الروح المعنوية في صفوف الجنود الروس في توفير فرص لإحداث اختراقات استراتيجية من قبل القوات الأوكرانية.
وأضاف الضابط “سترون النتائج قريبا”.
بالنسبة للمساحات الشاسعة من حقول الألغام التي لا يزال يتعين على هجوم أوكرانيا المضاد التخلص منها، بدا قائد فرقة المتفجرات بالقرب من باخموت، واثقا وهادئا، وقال: “نحن نتعلم الارتجال وابتكار طرق لشق ممرات سريعة وآمنة عبر حقول الألغام… لكن مما لا شك فيه أننا نقاتل عدوا شرسا للغاية”.