جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
آخر الألاعيب التي لجأ إليها بنيامين نتنياهو ، رئيس حكومة التطرف في تل أبيب ، هي اتخاذ قرار بإبقاء قواته في محور فلادلفيا .
هذا المحور يمتد في غرب قطاع غرة على طول الحدود بين مصر وفلسطين من رفح في جنوب القطاع إلى آخر نقطة في الشمال ، ويبلغ طوله ١٤ كيلو متر تقريباً ، وعرضه مائة متر في بعض أجزائه ، وأقل من ذلك أو أكثر قليلاً في الأجزاء الأخرى .
وقد اشتهر المحور عندنا وعند الفلسطينيين بأنه محور صلاح الدين، أما الإسرائيليون فلا يزالون يسمونه محور فيلادلفيا . ولأنه يقع على طول قطاع غزة من جنوبه لشماله ، فالطبيعي أن السيطرة عليه أو التواجد فيه هو للفلسطينيين في القطاع وحدهم، لا لإسرائيل ولا لجيشها أو قواتها كما يحاول ويريد نتنياهو في هذه المرحلة الأخيرة من مراحل الحرب على غزة .
لقد كان واضحاً منذ أول يوم في هذه الحرب، أن رئيس حكومة التطرف، لا يريد وقفها في الأمد الزمني المنظور ، وأنه يرغب في مدها إلى أبعد مدى ممكن، وأنه في سبيل ذلك كان يتصرف كالحاوي الذي يُخرج من سلته خدعة جديدة ، كلما أحس بأن الخدعة التي عرضها على المتحلقين من حوله قد استنفدت أغراضها .
أما آخر هذه الخدع فهي كلامه عن أن قواته ستبقى في محور فيلادلفيا ، لأن تهريباً للسلاح حسب زعمه يتم عبر المحور . وبالطبع فهذا كلام أطلقه هو على عواهنه بغير أن يقدم أي دليل عملي على صحة ما يقوله ويردده .
في المقابل كان موقف القاهرة أوضح من الشمس طول الوقت ، وكان موقفها أنها لا تقبل بأي وجود لإسرائيل في هذا المحور ، ولا في معبر رفح الفلسطيني .. هذا موقف أعلنته القاهرة منذ اللحظة الأولى ولم ترجع عنه بوصة واحدة .
ولكن نتنياهو كان يقاوم ويكابر ، وقد بلغ في مقاومته ومكابرته إلى حد أنه جمع مجلس وزرائه المصغر ، وقرر من خلاله إبقاء قواته في المحور ، رغم أن يواف جالانت ، وزير دفاعه ، عارض الفكرة ورفضها ، ورغم أن إيتمار بن غفير ، وزير الأمن القومي ، والذي يشتهر بتطرفه وتشدده ، قد تحفظ ولم يصوت على القرار في المجلس .
كل ذلك كانت مصر تراقبه ، وترقبه ، وتراه ، وكانت تعيد التأكيد في كل مناسبة على موقفها الثابت الذي لا يتغير .
وحين أطلق نتنياهو تصريحه عن تهريب السلاح عبر المحور ، كان يعرف بينه وبين نفسه أن ما يقوله غير صحيح ، وأن نفي القاهرة وجود أي تهريب للسلام صحيح تماماً ، ولكنه كان يواصل المقاومة والمكابرة لعل وعسى .
ولأن حديثه عن تهريب السلاح كان مستفزاً ، ولأن حديثه بهذا الشأن كان مجرد هروب من عقد صفقة لتبادل الأسرى مع حركة حماس ، فإن موقفه قد واجه استنكاراً عربياً على نطاق واسع ، وكان من بين الأدلة على ذلك أن مجلس التعاون الخليجي أصدر بياناً باسم أعضائه الستة يرفض فيه ما يقوله رئيس حكومة التطرف ، ويقف إلى جوار مصر بقوة ويساندها .
وكانت النتيجة أن نتنياهو تراجع خطوة فأعلنت هيئة البث الإسرائيلية ، أن البقاء في محور فيلادلفيا سوف يكون إلى حين إتمام المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى .. وهذا نوع من الفصال كما نرى ، ولذلك ، فسرعان ما سوف يتبين له أن فصاله لا يجدي لأن القضية التي يفاصل فيها لا تحتمل الفصال .