04:38 م
الأربعاء 30 أكتوبر 2024
المنيا- جمال محمد:
على بعد 110 كيلو مترًا شمالي غرب محافظة المنيا، وعلى مسافة قصيرة من مركز الفشن التابع لمحافظة بني سويف، تجد “سلاقوس”، تلك القرية التي باتت تشبه منطقة صناعية صغيرة، تنافس كبرى المناطق في محافظة المنيا، بل تزيد عنهم بمشهد اصطفاف الحاويات الضخمة محملة بالكونتينرات استعدادًا للتوجه إلى أكثر من 20 دولة أوروبية وعربية، لتوزيع منتجها الذي يمثل ثروتها الحقيقية بسواعد مزارعيها، وهو محصول الثوم.
عرفت “سلاقوس” زراعة الثوم منذ أكثر من 70 عامًا تقريبًا في خمسينات القرن الماضي، وكانت القرية كغيرها من القرى تقوم بزراعته على مساحات محدودة، ويعمل فيه أعداد قليلة من الأهالي، ولكنها في العقود الأربعة الأخيرة اكتشفت أن جودة محصولها سيجعلها الأشهر عالميًا.
فور دخولك للقرية يجذب انتباهك مشهد القش المتطاير على جنبات الطريق من محصول الثوم، فضلًا عن رائحته النفاذة، التي تطاير لكيلومترات قادمة من الحقول تارة، ومن الثلاجات الضخمة تارة، ومن مراكز تجميعه وتقشيره وتجهيزة تارة أخرى، لتٌدرك حينها أنك في قلب مركز تجميع المحصول والذي يستعد للذهاب لكافة دول العالم، في جولة لإثبات جودة منتج القرية المنياوية وأبنائها من المزارعين والمزارعات.
“إحنا بقالنا أكثر من 45 سنة مانعرفش حاجة غير زراعة الثوم أبًا عن جد.. وأكثر من 15 ألف شاب وفتاة بقريتنا بيشتغلوا في الثوم بمراحله المختلفة وده فتحة خير علينا أجمعين”.. هكذا بدأ الحاج وليد أحمد الملقب بوليد أبو العمدة، صاحب أكبر مراكز تجميع وتجهيز الثوم وتصديره حديثه مع “مصراوي”.
وأشار أبو العمدة، إلى أنه منذ ولادته ووجد جده ووالده يقومان بزراعة المحصول، وكان الجميع يلاحظ أن محصول تلك القرية يختلف عن غيره من القرى، إذ يتميز بجودة عالية ووفيره، لذلك بدأ الأهالي في فكرة التصدير لدول عربية وأجنبية، وما لبث الأمر وأصبحت القرية في السنوات الـ 15 الأخيرة من أشهر قرى مصر تصديرًا للثوم، خاصة إلى دول أوروبية كبرى أبرزها: ألمانيا، روسيا، أوكرانيا، أسبانيا، إيطاليا وهولندا، وعدة دول عربية منها الأردن وسوريا والسعودية والإمارات، وليبيا، فضلًا عن عدة دول بشرق آسيا، وبعض الدول الأخرى حسب الطلب.
وأكد صاحب شركة تجهيز الثوم وتصديره، أن مراحل الثوم منذ زراعته وحتى تصديره تمر بخطوات عدة، إذ يُجرى تجهيز الأرض وزراعتها على مرحلتين، الأولى في شهر يناير، والثانية في شهر مايو، وفي كل مرة بعد حصاده يتم نقله إلى مراكز التجهيز، وهو عبارة عن مكان واسع بجوار الأراضي الزراعية ويصطف فيه الشباب والسيدات العاملات ويبدأون في تنظيف المحصول من الطين، ثم قص العروش، وإزالة القشور الزائدة، ووضعه في الشبك أو الأسبته، حسب طلب كل دولة، ثم التقفيص والوزن، إلى أن يتم تحميله في العربات النقل الكبيرة المحملة بالحاويات تمهيدًا لنقله لدول العالم.
“بلدنا بتشغل أكتر من 10 آلاف ولد وبنت وست من قريتنا وكل القرى المحيطة”.. بهذه العبارة كشف الحاج حجاج محمود، أحد العاملين في مجال زراعة وتصدير الثوم كلام سابقه، حجم العبارة العاملة بالقرية.
وأضاف أن القرية ساعدت كافة القرى القريبة منها في إيجاد فرص عمل حقيقية تكاد تكون على مدار العام وبلا انقطاع، بل يصل الأمر إلى استقدام عمالة من قرى مركز الفشن التابع لمحافظة بني سويف والقريب من قريتهم .
وفسر محمود تميز قريتهم في زراعة الثوم، بأنها قرية “تحب الخير لبعضها ولا تعرف سوا العمل الجاد” -حسب ذكره-، مشيرًا إلى أن سلاقوس تزرع أكثر من 15 ألف فدان ثوم، ويخرج من أراضيها ما يزيد عن 30 ألف طن فضلًا عن زراعة بعض المساحات بالظهير الصحراوي الغربي مؤخرًا، ما يعطي إنتاجية كبيرة تضاف لهم، وجميعها إنتاجية وفيرة ومميزة.
وأكد ابن قرية سلاقوس، أنهم اكتسبوا خبرة كبيرة في طريقة التعامل مع زراعة المحصول وتجهيزه، وأية مشكلات تظهر يتم التعامل معها سريعًا نظرًا لزراعته على مدار عقود طويلة، مقدمًا الشكر لأبناء القرية الذين جعلوا القرية في مقدمات قرى العالم زراعة للمحصول الذي يطوف كافة الدول بجودة عالية.
من جانبه قال محمد حسنين مشرف زراعي بالمعاش، وأحد أهالي القرية أن سلاقوس لا تقل مكانة عن أية منطقة صناعية كبيرة في المنيا، بل تفوقت على الجميع بتصدير منتجها للعديد من الدول حول العالم، مرجعًا ذلك إلى ثقافة التصدير التي أتقنها أهالي القرية وكيفية التعامل مع المنتج وتجهيزه بشكل مميز، واستقدام عمالة يتم تدريبها على أعلى مستوى، وكذلك إنشاء ثلاجات ضخمة بالقرية لحفظ المحصول لحين تصديره في غضون أيام قليلة.
وذكر حسنين، أن قريتهم أصبحت أيقونة لتصدير الثوم المصري والمنياوي للعالم، سواء كان ثوم جاف بلدي، أو ثوم صيني، وكلا المحصولان على جودة عالية، وعلى الجميع أن يحذو حذو تلك القرية وعزيمة أبنائها.