01:40 م
السبت 20 مايو 2023
كتبت- هبة خميس:
قبل 11 يوما من الاشتباكات التي انطلقت في السودان، الـ15 من أبريل الماضي، كانت مروة محمد قد وصلت إلى قرية الشلال بوادي كركر جنوب أسوان، قادمة من الخرطوم، بغرض العمل في مجال الإعلانات، بعيدا عن مجال عملها كمطورة مشروعات، وسبق أن قررت العودة لبلادها في الـ30 من أبريل الماضي، لكن الاشتباكات غيرت كل شيء.
كانت الشابة السودانية قد أنهت إجراءات سفرها من توفير مكان الإقامة للمكان الذي ستتعلم منه ما يخص عملها، وظلت مستقرة في المكان: “فضلت في مكاني بتابع الأخبار وبتواصل مع عائلتي بصعوبة بسبب مشكلات الاتصالات، كل فترة أبعتلهم رسالة أطمن عليهم”.
كانت مروة تتابع تفاصيل أسرتها، التي تحركت من الخرطوم، لتبتعد عن القصف والنيران إلى جزيرة صغيرة بعيدة عن الأحداث المشتعلة، ولا تخطط الأسرة لمغادرة السودان قريباً. لكن مروة باتت تفكر في الاتجاه للقاهرة لتجد عملا تنفق من خلاله على نفسها وأسرتها، فالوضع في السودان بالنسبة لها بات غامضا.
“لو رجعت السودان هرجع أطمن على العائلة فقط” تحكي مروة، والتي لاقت من المصريين استقبالا جيدا من موقف الباصات حتى البيوت، ويحصلون على ضيافة قد تستغرق يومين قبل تحركهم إلى القاهرة أو أي منطقة ودوا الذهاب إليها. ولا تقلق مروة من فكرة إيجاد فرصة للعمل، فهي حاصلة على ماجستير ولديها خبرة في عملها، لكنها حتى الآن لم تقرر متى ستتحرك من أسوان خاصة وأن المكان متوفر به كل شيء، ومعاملة الناس هناك تدفعها لفترة إضافية.
“الأزمة الكبيرة اللي بتواجه الناس إنها تيجي على مصر هو تكلفة الباصات” فقبل الحرب كانت تذكرة الباص لا تتخطى 30 دولارا، لكنها حاليا وصلت إلى 500 دولار، وكثيرون لا يستطيعون دفع تلك التكلفة، حتى وإن توافر معهم جوازات سفر وتأشيرات، بحسب ما تروي الشابة.
على بعد مسافة كيلو متر من موقف الأتوبيسات القادمة من السودان تقع قرية “وادي كركر” في النوبة، وبالموقف تجمع المتطوعون بزي موحد تابع للمحافظة، وهو ما بين العيادة المتنقلة والمطبخ وتوزيع الطعام، وبين استضافة الأسر والقادمين على متن الحافلات. مشهد يومي معتاد في كركر، يبدأ من ساعات مبكرة في الصباح لاستقبال القادمين لمصر بعد عناء الطريق وأهوال الاشتباكات.
تكاتفت المحافظة والمواطنون والجمعيات الأهلية لاستقبال القادمين وتزويدهم بما يحتاجونه من سكن وطعام وعلاج، يرى علاء بحر، عضو جمعية تنمية المجتمع لوادي كركر أن حالة تكاتف كل من بالقرية لخدمة السودانيين بعد اشتعال الحرب أمر ضروري. وتعمل الجمعية كوسيط بين الأهالي والقادمين للتخطيط بشكل جيد ومحاولة استغلال كافة المساعدات، فتوفر الجمعية مطبخا بالموقف لتجهيز الوجبات وتوزيعها.
يتطوع “منصور الدابودي” بالمطبخ، فينزل من الساعة السابعة صباحاً لشراء طلبات الطعام والموارد وفرزها جيداً: “المطبخ بنعمل فيه نوعين وجبات أولهم وجبات سريعة ودي بنطلع نوزعها في الباصات مع العصير والمياه، مجرد ما يدخل أتوبيس الموقف الشباب يدخلوا يوزعوا، فيه ناس بتكمل على القاهرة وناس بتفضل”.
النوع الثاني من الوجبات هي المطبوخة، ويأتي بالموارد مواطنون من تبرعات أو جهود المحافظة التي تزود بالموارد، ليبدأ الشباب في الطبخ ثم تعبئة الوجبات وتوزيعها على الموقف وعلى البيوت التي تسكن بها الأسر السودانية: “الأسر مرهقة والأطفال بيكونوا تعبانين، بنستضيفهم ونوزع وجبات ونشوف طلباتهم طول الوقت، صعب أحصر عدد الوجبات لكن بنغطي عدد ضخم جداً من الناس وربنا بيزيد”. يحكي منصور.
بقدوم الليل تهدأ الأوضاع قليلاً بالنسبة لمنصورالذي يعمل طيلة اليوم على طهي الوجبات، تهدأ حركة وصول الحافلات بالموقف ولا يتوقف أبداً توزيع الوجبات الخفيفة المغلفة على الركاب، بالنسبة لسكان “كركر” ذلك المطبخ بالموقف كان موجوداً طوال الوقت فاعتاد سكان القرية المشاركة وذبح الذبائح وتوزيعها في يوم الجمعة كإطعام المحتاجين من أهل قريتهم. لكن تغيرت وظيفته قليلاً ليعمل على خدمة القادمين من السودان: “السودانيون أهلنا وضعهم صعب حقيقي، بينزلوا سايبين بيوتهم ومنهم اللي سايب أهله ونفسياً بيكونواً تعبانين جداً من اللي شافوه، إحنا بنحاول نخفف عنهم العبء على قد ما نقدر”.
في بيته المكون من ثلاث غرف وساحة كبيرة يستضيف “عم عوض” أسرة سودانية بوادي كركر، وصلت سيدة بخمسة أولاد دون زوجها، ليستقبلهم الرجل في منزله، لكن زوجها لم يصل حتى الآن، إذ لم يحصل على جواز سفر.
بشكل يومي يتم توصيل الوجبات وتقديم الرعاية للعائلة التي يستضيفها “عوض” حيث تظل الحركة طوال اليوم من مياه وعصائر حتى الوجبات الساخنة، لخدمة الأسرة التي لم يلتئم شملها بعد. عرض “عوض” منزله للاستضافة من خلال جمعية تنمية المجتمع فكانت الجمعية كوسيط بينه وبين الأسرة التي سيستضيفها: “للأسف هما منزلهم كان بالخرطوم، ولما اشتد الضرب عندهم هربوا وكان في نيتهم ييجوا يشتروا بيت هنا زي كتير سودانيين من قبل الاشتباكات”
رغم اعتبار “كركر” نقطة يستكمل من خلالها المسافرون الطريق إلى القاهرة إلا أن كثيرا من السودانيين فضلوا الاستقرار بها على القاهرة لأسباب كثيرة منها ترحيب أهل القرى نفسها واهتمامهم بالقادمين وانخفاض الأسعار بها عن العاصمة.
“وليد سليمان” تاجر في الأربعينات من عمره يسكن على الحدود السودانية المصرية بمنطقة “وادي حلفا” وتحرك منذ أسبوع فقط حتى وادي كركر: “لما الاشتباكات احتدمت شفنا حرق مصانع وتدمير للبنية التحتية وسرقة للبنوك وصعوبة في سحب الفلوس من البنوك، خفنا ميبقاش فيه فلوس وتصير عندنا مجاعة”.
خشي “سليمان” على أسرته من عدم إيجاد المواد الغذائية والجوع كسيناريو يراه مرافقاً للاشتباكات، حيث توقفت شركات ومصانع عن العمل، ما ينذر بمشكلات غذائية لبلد يعاني من تلك المشكلة بالأساس، فتحرك الرجل و10 من أفراد أسرته حتى وادي كركر.
يشتكي “سليمان” من ارتفاع الأسعار بشكل كبير، فقد تضاعفت قيمة المواصلات من الجانب السوداني للمصري، كما يخشى ارتفاع الأسعار في مصر بسبب أزمات اقتصادية تمر بها البلاد، على إثر فيروس كورونا وما تلاه من حرب روسيا في أوكرانيا: “رتبت إني أقعد هنا من بدري لأني كنت متعود آجي مصر وأرجع، والناس هنا طيبين ومش بنشوف منهم غير كل طيب وخير”.
كانت خطة “سليمان” التوجه نحو القاهرة لكنه حينما استقر في المنطقة ووجد التعامل الجيد من الأهالي معه ومع عائلته والاهتمام بكل طلباتهم من وجبات وعلاج شعر بالأمان، حتى أن أطفاله يخرجون للعب مع الجيران وأطفالهم.
خوف “سليمان” على باقي عائلته مازال مستمراً حيث يخشى توقف الحافلات عن الحركة وتقييد حركتهم، لذا يتمنى أن يستطيع لم شمل عائلته كلها بالمنطقة التي توافرت فيها كل سبل العيش في هدوء بالنسبة له، فهناك مستشفى كبير وعيادة متنقلة وعلاج متوفر وطعام .
“الواحد مننا بيلاقي الدعم من الناس أكتر بكتير من المنظمات اللي مفروض تبص لينا وتشوف حل في الاشتباكات” يحكي سليمان الذي يشعر بالحزن على حال بلده الذي يتنازع فيه الجيش والدعم السريع، ويحاول طرد السيناريوهات السيئة كلها من مخيلته. ويأمل أن تتوصل المبادرات الدولية لإيجاد حل لبلد مأزوم.