01:16 م
الجمعة 19 يناير 2024
بي بي سي
لقي 9 أشخاص على الأقل مصرعهم، في حصيلة للغارات التي نفذتها باكستان صباح الخميس، على مواقع لمسلحين في إقليم سيستان وبلوشستان، في إيران، إذ قالت الخارجية الباكستانية إن الغارات “تمت بدقة عالية”، واستهدفت “مواقع عسكرية محدد”.
من جانبه قال الجيش الباكستاني في بيان إن “المخابيء التي كانت تستخدم من قبل منظمات إرهابية، تم ضربها بنجاح في عملية بنيت على أسس استخباراتية، إذ جاءت الغارات الباكستانية، بعد ساعات من غارات إيرانية مشابهة على مواقع قالت إنها لجيش العدل، في الأراضي الباكستانية، لتقوم إسلام آباد باستدعاء سفيرها لدى طهران للتشاور بعد الغارات.
ورغم تبادل الغارات في أراضي كل منهما تصر باكستان وإيران على أن الطرف الآخر ليس مستهدفاً من جانبها، فقد أكد الجيش الباكستاني أنه وبناء على معلومات استخباراتية، استهدف قواعد لتنظيم جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان داخل الأراضي الإيرانية، وهما تنظيمان متهمان بممارسة الإرهاب في باكستان.
وقال الجيش إنه استخدم مسيرات انتحارية، وصواريخ وأسلحة أخرى في غاراته التي تمت بدقة عالية لتفادي “الأضرار الجانبية”، فضلًا عن أنه ذكر أسماء عدة “تنظيمات إرهابية” كانت تسيطر على هذه المواقع، مضيفا أن قواته ستبقى على أهبة الاستعداد لضمان أمن البلاد.
بدوره قال نائب مدير أمن إقليم سيستان وبلوشستان الإيراني، علي رضا مرحمتي، إن الهجمات تمت بعد دقائق من الرابعة صباحاً بالتوقيت المحلي، واستهدفت مواقع في قرية قرب مدينة سارافان، القريبة من الحدود مع باكستان.
جيش وجبهة تحرير شعب بلوشستان
كانت عدة تنظيمات انفصالية تابعة للبلوش، تنشط في المنطقة الواقعة داخل الحدود الباكستانية مع إيران على مدى عقود، وتبنت هجمات استهدفت عناصر الأمن في باكستان، أكبر هذه التنظيمات، جيش تحرير بلوشستان، بزعامة بشير زاب، وجبهة تحرير بلوشستان التي يتزعمها الدكتور نزار البلوش.
وكانت السلطات الباكستانية تزعم لسنوات أن المسلحين المرتبطين بالانفصاليين البلوش يتخذون من الأراضي الإيرانية مقراً لهم، لكن وبعد الغارات الإيرانية داخل باكستان أصدرت جبهة تحرير بلوشستان، بياناً قالت فيه إنها لا تمتلك أي قواعد أو مقاتلين داخل الأراضي الإيرانية.
ومن المعروف أن الجبهة تنشط في المنطقة القريبة من مدينة مكران في إقليم بلوشستان، وتبنت العديد من الهجمات التي استهدفت قوات الأمن الباكستانية، ففي ومطلع عام 2022، استهدفت الجبهة المحظورة في باكستان، نقطة تفتيش في مدينة غوادار الباكستانية، وقتل 10 جنود خلال الهجوم، وكلك تُتهم الجبهة بشن هجمات ضد المقيمين، والعمال الأجانب في باكستان.
نشأت الجبهة في سبعينات القرن الماضي، إثر تمرد شعبي ضد الحكومة الباكستانية في الإقليم الحدودي، إبان فترة حكم ذو الفقار علي بوتو الأولى، وبعد انقلاب الجنرال ضياء الحق، دخل البلوش في مفاوضات مع الحكومة الباكستانية ما أدى لفترة هدوء مؤقتة للتمرد المسلح.
وعاد الصراع للاشتعال مرة أخرى في ظل حكم الجنرال برفيز مشرف، وتم اعتقال قائد القوميين البلوش، نواب خير بخش، بتهمة قتل قاض في المحكمة العليا، وبدأت بعدها سلسلة من الهجمات على القوات والأهداف الأمنية الباكستانية منذ بداية الألفينات، وانتشر العنف في مختلف أنحاء بلوشستان.
وتبنت جبهة تحرير بلوشستان غالبية تلك الهجمات، فيما أدرجت الحكومة الباكستانية الجبهة في قائمة المنظمات الإرهابية عام 2006،
لماذا حدث هذا التوتر؟
يقول المحلل السياسي سيد محمد علي لبي بي سي، إن السلطات الإيرانية تتعرض حالياً لضغط شديد داخلياً، ومن حلفائها سواءً حماس أو حزب الله أو الحوثيين، للاستمرار بتنفيذ مزيد من العمليات، فإن الهجمات الإيرانية في العراق وسوريا وباكستان تسعى لتشتيت الانتباه بعيداً عن القضايا الداخلية، والوضع في الشرق الأوسط، بحسب رأيه.
ووفق سيد محمد علي، فقد كان هناك اجتماع ليلة شن الهجمات الإيرانية، بين المسؤولين في إيران وباكستان، لكن باكستان تعرضت لهجوم غير مبرر فكان يجب عليها أن ترد.
ويقول الدكتور كامران بخاري من معهد نيو لاينز للاستراتيجيات في واشنطن، إن “باكستان قد تكون قررت الانتقام، لأنها لا تريد السماح لإيران بالتصرف داخل أراضيها كما تفعل في العراق”.
أما البروفيسر قنديل عباس من جامعة القائد الأعظم، فقال لبي بي سي إن المسلحين والانفصاليين على جانبي الحدود الإيرانية الباكستانية يشكلون تحدياً مشتركاً للبلدين، وحسب رأيه فإن البلدين نسقا سوياً لشن الهجمات في أراضي كل منهما ضد الجماعات المعارضة، ورغم ذلك لا تقوم أي دولة بالاعتراف بالأمر.
يشير إلى أنه لم يتم نشر أي جنود على طول الحدود التي يبلغ طولها 1000 كيلومتر بين إيران وباكستان حتى عام 2013، على الرغم من وجود المسلحين ونشاط الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات في المنطقة، مضيفًا أن كلا من إيران وباكستان تعتبران جيش العدل الذي استهدفته إيران جماعة مسلحة وتهديداً لهما، وتسعيان لاستغلال الوضع الراهن لمصلحتهما.
ويقول المراقبون الذين يتابعون الأوضاع في إيران وباكستان إن التوتر الأخير سيؤثر سلباً على المنطقة بأكملها.
ويقول الدكتور كامران بخاري من معهد نيو لاينز للاستراتيجيات في واشنطن، لبي بي سي إن “الجولة الأولى بين البلدين انتهت، والكرة الآن في ساحة النظام الإيراني، فكيف سيرد على الغارات الباكستانية؟ هذا ما ننتظره” لكنه يتوقع أن تتوقف الهجمات.
ويقول إن الهجمات الباكستانية التي استهدفت معارضين مسلحين في إيران، لا مواطنين إيرانيين، ربما ترفع بعض الضغوط عن كاهل إسلام أباد أكثر من طهران، ويدفع الأخيرة لتمرير الأمر دون المزيد من الاستفزازات.
بينما يرى سجاد باقر، الصحفي والمحلل الباكستاني أن التوتر بين البلدين قد يتصاعد.
وقال باقر لبي بي سي، إنه “لا يبدو من المرجح أن يهدأ التوتر بين البلدين بشكل سريع بعد الهجمات الانتقامية الباكستانية على قواعد لمسلحين في إيران”.
ويضيف أن “المتشددون في إيران لديهم شكوك متزايدة في باكستان، ويمكن لهم أن يشعلوا الصراع بين البلدين، بالإضافة لقيامهم بسلسلة جديدة من الهجمات في بلوشستان، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني المعقد أساساً”.