جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
«لقد تم إهمال أفلام مهمة للمخرج الياباني ياسوزو ماسومورا (١٩٢٤ – ١٩٨٦)، إذ تم تجاهلها لفترة طويلة في معظم أنحاء العالم الغربي على مدار العقد الماضي، لكنها الآن صارت تجتذب أتباعًا جددًا وأجبرت النقاد والأكاديميين على إعادة تقييم مكانته داخل الموجة اليابانية الجديدة».
إنها كلمات المبرمج السينفيلي والناقد السينمائي المصري جوزيف فهمي في حوارنا معه عن هذه الأيقونة اليابانية التي يحتفي بها مهرجان كارلوفي فاري السابع والخمسين الممتد بين ٢٨ يونيو و ٢ يوليو الجاري. تلك الدورة الحافلة بالبرامج المتنوعة والتكريمات والمناقشات والسجالات وحفلات الموسيقى، وعروض الأفلام من مختلف أنحاء العالم.
مثلما شهدت هذه الدورة التي تختتم فعالياتها الليلة حضوراً عربياً متميزاً، إذ إلى جانب الأفلام العربية العديدة في آفاق، يشارك أيضاً فيلم لبناني في المسابقة الرسمية للمرة الأولى وهو «الرقص على حافة البركان» للمخرج سيريل عريس والذي يتوقع أن ينال أحد جوائز المهرجان لأهميته، فقد كان هذا واضحاً من قبل مشاهدته، خصوصاً من خلال الكلمة الاحتفائية التي قدمه بها المدير الفني للمهرجان كارل أوخ، وثانياً لإعجاب الجمهور التشيكي به، وانطلاق الضحكات العالية أثناء العرض متجاوباً مع مشاعر أبطاله، وثالثاً: لوجود منتجة تونسية منحازة للفن تستطيع الدفاع عن الفيلم، وإن كان الفيلم ليس بحاجة للدفاع عنه لأنه يحمل عاطفة قوية، وميتافور متعدد الجوانب، ولحظات إنسانية عالية، إضافة إلى مساءلة الواقع، وبحث دور الفن خلال هذا الوضع الكارثي في لبنان والذي يعكس في نفس الوقت الأوضاع المزرية في بلدان أخرى شبيهة.
بالعودة إلى البرنامج التكريمي الاستعادي والذي كان المسؤل عنه بالكامل جوزيف فهيم، حيث بدأ مهمته من الاختيارات التي سوف يتضمنها التكريم، ثم بحث وتدقيق المادة العلمية والتنقيب في الأرشيف الشحيح جدا، لكن هذا التحدي المعجون بالشغف الذي خاضه فهيم حقق نتائج مبهرة فقد استقبلت الصحافة الدولية الحدث بإشادة كبيرة.
لاشك أن مهرجان كارلوفي فاري بهذا التكريم حقق ضربة استبقاية تجاوزت كل المهرجانات وذلك عندما احتفى بالمئوية الأولى لأحد أهم أيقونات السينما اليابانية وهو المخرج ياسوزو ماسومورا، باختيار وعرض أحد عشر عملاً من أهم أعماله والتي على أهميتها وقيمتها الفنية والسياسية الكبيرة لكنها ربما تكون أقل شهرة، وهى اختيارات تتميز بأنها «تعكس تنوعه الفريد وموهبته في التجريب وانخراطه القوي مع المشهد السياسي في ذلك اليوم» فقد كان «موقف ماسومورا المناهض للحرب في المقدمة ومركزًا في عمله – وهو موقف أيديولوجي تم اكتشافه في عدد من عناوين البرنامج» التي تضم ما يلي:
«كل الأمور اختلطت» All Mixed Up . إنتاج ١٩٦٤، مدته ٩٠ ق. «الاختبار الأسود» The Black Test إنتاج ١٩٦٢، مدته ٩٥ ق. «الوحش الأعمى» The Blind Beast. إنتاج ١٩٦٩، مدته ٨٤ ق. «عمالقة ودُمى» Giants and Toys إنتاج ١٩٥٨، ٩٦ ق. «الجندي الشرير» Hoodlum Soldier إنتاج ١٩٦٥، مدته ١٠٣ ق. «فتاة مرحة» A Cheerful Girl إنتاج ١٩٥٧، مدته ٨٩ ق. «قبلات» Kisses إنتاج ١٩٥٧، ومدته ٧٤ ق. «مدرسة ناكانو للتجسس» Nakano Spy School إنتاج ١٩٦٦، مدته ٩٦ ق. «الملاك الأحمر» The Red Angel، إنتاج ١٩٦٦، مدته ٩٥ ق. «وشم العنكبوت» The Spider Tattoo إنتاج ١٩٦٦، مدته ٨٦ ق. «اعتراف الزوجة» The Wife’s Confession إنتاج ١٩٦١، مدته ٩١ق.
خلال النصوص الأحد عشر التي كتبها جوزيف فهيم – بعين خبيرة وشغف سينفيلي حقيقي – نجده يضع يديه على مفاتيح عالم هذا المعلم الأيقونة الذي رسخ مكانته داخل الموجة الجديدة اليابيانية فيشير فهيم إلي: «فساد النزعة الاستهلاكية، ثقافات المشاهير، أداة التمكين الجنسية عند المرأة، الإرث الراسخ للإمبريالية والعسكرة اليابانية، انهيار الهيكل التقليدي للأسرة.» مثلما يُؤكد مسئول البرنامج على أن أعمال ماسومورا أثبتت أن «السينما السائدة يمكن أن تكون جريئة وسياسية ولديها الوعي الكامل تماماً مثل نظيرتها من سينما «الآرت هاوس»، إضافة إلى «تكسير الحواجز بين الفن والتجارة، باستمرار وعدم وضبابية الحدود بينهما. وأن أفلامه لا تقل ثورية عن أفضل أفلام آخرين مثل: صموئيل فولر أو نيكولاس راي أو فرانك تاشلين.
بقي أن نشير إلى أن هذا الاحتفاء جلب مئات المشاهدين لمتابعة أعمال هذا العلم الذي يعادل أحد الأبراج الشاهقة في تاريخ السينما اليابانية لفترة بعد الحرب، والذي أصبح موضوع تكريم البرنامج الاستعادي في المهرجان التشيكي العريق الذي يُعد الأهم في منطقة وسط وشرق أوروبا. مع ذلك يؤكد فهيم على أن هذا البرنامج الاستعادي «لم يكن يهدف فقط إلى تعريف الجماهير من جميع أنحاء العالم بالسينما الوحشية التي تحمل توقيع المخرج ياسوزو ماسومورا، لكن أيضًا لتعزيز سمعته المتنامية كأحد أعظم أساتذة السينما في اليابان». فتحية تقدير لمنظمي المهرجان التشيكي، وعلى الأخص جوزيف فهيم على دوره في التأسيس لهذا الاحتفاء السينفيلي، وإعادة إحياء إحدى أيقونات الفن السابع.