كتبت- سلمى سمير:
عام مر على “طوفان الأقصى”، هجوم حركة المقاومة الفلسطينية حماس الذي أعقبته حرب إسرائيلية لم تقف عند قطاع غزة فحسب بل امتدت إلى الضفة الغربية ولبنان وإيران ضمن ما يُعرف باسم “وحدة الساحات”، والذي أثار المخاوف من اندلاع حرب إقليمية مفتوحة بين إسرائيل من جهة وإيران وحماس وحزب الله من جهة أخرى.
قوبل تصعيد محور المقاومة بتصعيد إسرائيلي في إطار محدود على جميع الجبهات باستثناء الجبهة الفلسطينية التي شهدت إبادة جماعية تخطت حصيلة الشهداء فيها عتبة الـ40 ألفا، ورافقها دمار واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، ورغم ذلك، فشلت إسرائيل في تحقيق أي من أهداف حربها المعلنة سواء بالقضاء على حركة حماس أو إعادة أسراها.
“سنصعد العملية العسكرية على الجبهة الشمالية” وصلت التوترات ذروتها بعد هذا التصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي جاء إيذانًا بدخول لبنان وباقي محور المقاومة في حرب حقيقية بدأت بسلسلة تفجيرات متوازية على مدار يومين أصابت أجهزة الاتصال اللاسلكي لعناصر حزب الله ثم سلسلة غارات جوية مكثفة على الجنوب اللبناني استهدفت الصفوف الأولى في حزب الله على رأسهم الأمين العام حسن نصر الله، بهدف دفع قوات الحزب إلى شمال نهر الليطاني.
لم تقتصر الغارات الجوية على الجنوب اللبناني بل وصلت حد الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت سقط على إثرها عدد من كبار قادة حزب الله بينهم الرأس الأكبر في الحزب الأمين العام حسن نصر الله وعدد من قادة الحرس الثوري الإيراني.
حزب الله.. إضعاف بلا انتصار
ومع أن استهداف قادة المقاومة لم يكن الأول من نوعه خلال ذلك العام، لكن الاستهدافات الأخيرة للقادة وقواعد حزب الله طرحت تساؤلًا عن انهيار الأذرع الإيرانية في المنطقة بتمكن إسرائيل من الوصول إلى الرؤوس الكبيرة في الحزب داخل المقرات السرية وتعقيدات كثيرة بحسب حديث سابق لنصر الله. وفي هذا الشأن، يقول مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، جوست هيلترمان، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي”: الضربات الإسرائيلية المتتالية والقوية استطاعت إحداث حالة من الضعف لدى الأذرع الإيرانية في المنطقة”.
ومع ذلك يرى مدير برنامج الشرق الأوسط في الوقت ذاته أن الأذرع الإيرانية وعلى رأسها حزب الله لا تزال قوة لا يستهان بها في المنطقة، وتمثل تهديدًا لإسرائيل خاصة وإن كان لديها الوقت لإعادة تشكيل نفسها مرة أخرى بعد سلسلة الاغتيالات المتلاحقة في صفوف قادة الحزب.
أما الباحث المتخصص في الشأن الإيراني في مركز دراسات الشرق الأوسط الدكتور إسلام المنسي، فيقول في تصريحات خاصة لمصراوي إن حزب الله ورغم الخسارة الكبيرة التي حلت به وتسببت في قطع رأسه، لكنه لا يزال كما هو من أقوى الأذرع الإيرانية في المنطقة، ولم ينهار بعد، خاصة وأن القوات الإسرائيلية لم تنجح حتى الآن في توغلها البري الذي تحاول القيام به منذ أيام بغاية دفع قوات الحزب إلى شمال نهر الليطاني، وهو الهدف الذي حددته لحربها.
وأضاف المنسي، أن عودة حزب الله إلى الساحة بعد الاختراق الاستخباراتي الذي تعرض له هو فقط مسألة وقت بعد إعادة تشكيل القيادة الهرمية له من جديد، مشيرًا إلى أنه لا توجد أي قوى أخرى في المنطقة مؤهلة لتحل محله بعد الضربات الأخيرة التي تشنها إسرائيل.
حماس.. صمود أمام الجنون
لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لحركة حماس، فرغم مرور عام وتعرضها لخسائر كبيرة على المستوى العسكري من خلال تدمير عدد كبير من البنى التحتية الخاصة بها خلال الحرب وفقدان قوات كبيرة من مقاتليها الذين استشهدوا خلال المعارك المستعرة في جميع أنحاء القطاع، وتدمير غالبية قطاع غزة من خلال الإبادة الجماعية التي شنتها القوات الإسرائيلية، لكن جملة الضربات التي تلقاها حزب الله في أسابيع قليلة لم تعرفها الحركة طوال عام، بل العكس استطاعت تحقيق مكاسب على نطاق آخر من خلال “غرس فكر المقاومة” بشكل أكبر وهو ما أكده الناطق العسكري باسم القسام أبو عبيدة بالحديث عن تجنيد آلاف المقاتلين الجدد خلال الحرب.
ويرى دكتور منسي، أن الوضع مختلف بشكل كلي بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، مع مقدرتها بعد عام ورغم كل الضغوطات التي تعرضت لها أن تثبت أنها أقوى مما يعتقده أي مراقب، بتحليها بصمود عسكري أبهر العالم كله رغم التحديات اليومية التي تواجهها خلال المعارك. وفشل الجيش الإسرائيلي في فرض سيطرته على قطاع غزة فكلما ظن أنه بسط سيطرته على منطقة تتجدد المعارك في بقعة جديدة آخرها شمال القطاع.
وحتى اليوم، لم يحقق الجيش الإسرائيلي أيا من الأهداف التي حددها للحرب على غزة، وهي القضاء على حكم حماس، واستعادة الرهائن الإسرائيليين.
وعن المكاسب التي حققتها المقاومة الفلسطينية، يقول منسي، إنها استطاعت تحقيق مكاسب ضخمة خلال تلك الحرب منها دبلوماسية باعتراف دول جديدة بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة منها إسبانيا وأيرلندا والنرويج، وكسب القضية الفلسطينية تعاطف دولي، وفشل إسرائيل حتى اللحظة في الوصول إلى أسراها أو تحقيق خرق استخباراتي كما في حزب الله أو الوصول إلى قادة المقاومة وعلى رأسهم يحيى السنوار ومحمد الضيف رغم إعلان مكافئات طائلة لمن يدلي بمعلومات عنهم.
ما هي قدرات ساحات المقاومة؟
عام 1982، تأسس حزب الله في الجنوب اللبناني بدعم إيراني ككيان سياسي عسكري اجتماعي اعتمد على تعاليم المرشد الإيراني حينها الخميني، فأصبح له جماهيرية واسعة في صفوف أتباع الطائفة الشيعة. لعب بعدها دورًا حاسمًا في التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء اجتياحها الجنوب اللبناني في الثمانينات من القرن الماضي. وفي 1992 اختير حسن نصر الله أمينا عاما للحزب واستمر حتى اغتياله وهو ما تسبب في صدمة للحزب صاحب التنظيم الدقيق.
جعل ذلك، وضع الحزب بالنسبة لطهران مختلف عن باقي الأذرع الإيرانية في المنطقة سوءا الحوثيين أو الحشد الشعبي في العراق أو الجماعات المسلحة في سوريا. يقول دكتور إسلام المنسي: لا توجد أي قوة أخرى في المنطقة مؤهلة لتحل محل حزب الله حال انهياره.
ويرى المنسي، أن صعود جماعة أخرى محل حزب الله لتكون في الصدارة غير وارد ذاكرًا الأسباب منها البعد الجغرافي للحوثيين في حال كانوا بديلًا إضافة لوضعهم الضعيف للغاية مقارنة بحزب الله سواء في مسألة المقدرات العسكرية أو الجهد التنظيمي.
أما عن الحشد الشعبي في العراق فلا يستطيع شن هجمات على غرار حزب الله، نظرًا لأنه رسميا يتبع الحكومة العراقية، وعليه قيود بسبب أنه في حال شن هجوما فذلك يعني أن الحكومة هي من قامت بشن الهجوم.
وفي حال تم الحديث عن وضع الجماعات المسلحة التابعة لإيران في سوريا فهي كذلك غير مؤهلة على الإطلاق لتكون في الصادرة لتواجه الجيش الإسرائيلي رغم الاستثمارات الضخمة من قبل طهران فيها، بسبب الاستهداف المستمر لها، بحسب الباحث في الشأن الإيراني.
ولا توجد بيانات أو إحصاءات دقيقة، تمكن من رصد حجم القدرات العسكرية لحزب الله إلا أنه بحسب الاستخبارات الأمريكية فيمتلك الحزب ما بين 100 ألف و150 ألف صاروخ بنطاقات متنوعة وأطرزة مختلفة.
وتتنوع الترسانة الصاروخية التي يمتلكها الحزب بين المضادة للدبابات والطائرات والسفن منها ما تم الكشف عنه منذ بدء المواجهات المباشرة مع الجيش الإسرائيلي مثل “كاتيوشا” و”بركان” والتي يصل مداها إلى 30 كيلو متر وتستطيع حمل مواد متفجرة تصل حمولتها إلى نحو 500 كيلوجرام من المتفجرات.
كما يمتلك قاعدة من الصواريخ الباليستية إيرانية الصنع القادرة على قطع مسافات طويلة وحمل رؤوس متفجرة ذات حمولة أكبر مثل “رعد” و”زلزال” و”فجر” و”فاتح” و”فلق 2″ التي كُشف عنها لأول مرة في يونيو الماضي وتستطيع حمل رأس حربية أكبر من “فلق 1”.
إلى جانب ذلك يمتلك أسراب كبيرة من الطائرات المسيرة تصل إلى نحو 2000 طائرة تتركز مهامها على الاستطلاع وحمل القنابل، والتي ظهر دورها جليا في الحرائق الواسعة التي اندلعت في الشمال الإسرائيلي وألحق اضرارًا كبيرة بآلاف الدونمات من الأراضي بحسب مراكز بحثية إسرائيلية وأمريكية.
كذلك برزت إمكانيات مسيرات الحزب الإيرانية على رأسها “هدهد” والتي تمكنت في يونيو الماضي من التقاط صور واستطلاع مواقع إسرائيلية حساسة في الشمال وتحديد مواقع لتخزين الكيماويات والنفط وميناء حيفا بالكامل دون أن يتم رصدها بفضل تمتعها بمواصفات تصعب ملاحقتها كونها تعمل بالكهرباء ولا يوجد لديها أي بصمة حرارية أو صوتية يمكن التقاطها بها من خلال المجسات الحرارية.
“لدينا 100 مقاتل جهزناهم وسلحناهم للدفاع عن لبنان” كانت هذه إحدى تصريحات نصر الله قبل عامين عند مهاجمته رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع واتهامه بجر لبنان لحرب أهلية حينها، بينما كتاب “حقائق العالم” الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية يقول إن الحزب اللبناني لديه نحو 45 ألف مقاتل.
أما بالحديث عن قدرات الحوثيين، فبحسب تقديرات مسؤولين الحكومة اليمنية تصل أعداد مقاتلي حزب الله إلى نحو 200 ألف مقاتل تدريبات على يد إيران لكنها ليست بتلك القوة والتدريب الذي يكافئ حزب الله.
وبالنسبة المقدرات العسكرية فتمتلك الجماعة المدعومة من إيران وتأتي ضمن محور المقاومة في المنطقة عدد من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى أبرزها وأطولها مدى صاروخ “طوفان” القادر على الوصول إلى ميناء إيلات في إسرائيل حال تم إطلاقه من أبعد نقطة في اليمن ليقطع مسافة تصل لنحو 1900 كيلومتر.
إضافة لذلك يمتلك الحوثيون صواريخ قادرة على الوصول إلى ما هو أبعد من ميناء إيلات باستخدام صواريخ “قدس” 2 و3 و4 القادرة على الوصول إلى مدينة حيفا وتل في العمق الإسرائيلي حال عبرت باستخدام الأجواء السعودية.
وعن فعالية الصواريخ الحوثية، فقد استطاعت أحد الصواريخ الفرط صوتية الباليستية من الوصول إلى العمق الإسرائيلي في محيط تل أبيب دون أن يتم رصدها بواسطة الرادارات، قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع إنه تمكن من استهداف هدف عسكري والوصول إليه في مدة تصل إلى نحو 11 ونصف دقيقة قطع خلالها مسافة تصل إلى 2040 كيلو متر.