جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أمسكت الميكروفون بعد أن طلبت الكلمة لتقول شيئًا، خطف الصوت الأسماع كعادتها طوال عقود، ثم قالت: صاحب الدعوة هو راعي القناة الفضائية المصرية، وهو من ساهم بالمال في إطلاقها، كانت مفاجأة للجميع، سناء منصور الإعلامية الكبيرة تكشف عن مسألة لم تعلن من قبل بشأن اسم صاحب الدعوة التي تلقاها الجميع لإطلاق مؤسسة “سينيميديا” للفنون الإبداعية، كيان مؤسسي مصري سعودي لفنون السينما والإبداع والإعلام.
إنه المخرج السعودي الكبير عبد الله المحيسن، الذي غمرته كلمات سناء منصور، في لحظة غالب فيها دموعه، وبدا عليه التأثر الشديد بما قالته، وعندما وجهت له سؤالًا بعد الحفل عن تلك اللحظة قال بعد صمت وكأنه يستجمع شيئًا ما: إنه إحساسي بأني بأعمل حاجة لمصر، حلم أن يكون لمصر قناة فضائية.
“المحيسن”، الذي درس وتعلم في مصر، قبل أن يغادرها إلى لبنان ثم بريطانيا، يحمل لمصر محبة تترجمها صوره التي دارت في فيلم عنه، سواء في مرحلة الدراسة أو مع قامات الفن المصري بعد أن صار مخرجًا وصانعًا للأفلام والدراما، أنتج للتليفزيون المصري العديد من المسلسلات، وأخرج لأحمد زكي أحد بواكير أعماله التلفزيونية “اللهم إني صائم”. يذكر أن أجر زكي وقتها كان 3 جنيهات عن المسلسل.
يظهر المكون العروبي راسخًا في شخصية المحيسن، فلو نظرت إلى عمله “ظلال الصمت”، أول فيلم روائي سعودي طويل، ستجد أنه أراده جامعة عربية صغيرة، فالعرب ممثلون سواء في فريق العمل أو حتى النص الذي يعالج قضية تحرر الإنسان العربي، كان رسالة متمردة لصالح الإنسانية، وإيمانا بالفكرة التي يتحدث عنها بفخر “المريد” الذي يرغب أن تكون صنائعه جسرًا بين العرب وللعرب.
كذلك صنع فيلمه الوثائقي”اغتيال مدينة”، الذي كان بُكائية على العرب قبل أن يكون بُكائية على بيروت، إحدى حواضر الأمة العربية، بعد أن دمرتها نوازع الشر وقت الحرب الأهلية، وأن يراها العرب كما رآها المحيسن “بيروت من ذا الذي عبث في ثغرك.. بيروت أي طائر مد مخالبه في القلب منك”.
في لقاء تليفزيوني مع الناقد السينمائي د.يوسف شريف رزق الله على هامش مهرجان القاهرة السينمائي عام 1977 يقول عن اغتيال مدينة:”عمل من وجهة نظر عربية عن لبنان، يعرض القضية كما نراها نحن العرب، ويتعرض للحرب من وجهة نظر إنسانية”.
يرى أن القطرية والرغبة في الانكفاء على الذات لم تنل من العرب، مثلما يردد البعض، فالعروبة في اعتقاده حاضرة، ضاربا المثل بما حدث من تعاضد ودعم بين مصر والمملكة العربية السعودية، في الأزمات التي مرت بها المنطقة.
“هي ملك للوطن العربي” يرغب مع المهندس أسامة الشيخ، أحد رواد الإعلام العربي، وشريكه في حلم “سينيميديا”، أن يجعلاها وطنًا في أمة، وطنًا لكل العرب، تعبيرًا عن التكامل. تلك الفكرة التي تراودهما منذ الثمانينيات يقول عنها:”ظلت الفكرة في أذهاننا سنوات، يشوطها لي مرة وأشوطها إليه مرة، حتى جاءت اللحظة والوقت المناسب”.
“أن ننشئ كيانًا يسعى للرسالة وليس للتجارة، الرسالة أن نعلّم أجيالًا جديدة عربية فنون الإبداع والسينما والإعلام، مؤسسة تجسر الفجوة بين الأجيال، أن ندمج بين عنفوان وطاقة الشباب وحكمة وخبرة الشيوخ، يحركنا إحساسنا بالمسؤولية، لنصنع امتدادًا، بأهمية الفن والإبداع في خدمة مجتمعاتنا” يتحدث المحيسن وهو يشير إلى شريك الحلم “أسامة الشيخ”.
يدرك أن “من حق الأجيال الجديدة علينا أن نتحاور معها، لا نقصيها أو نعزلها أو نستهين بها، بل يجب أن نستمع إليها وندعمها وننقل لها خبراتنا، ونستوعب طاقاتها وروحها، لكي تعبر عن عروبتها وهويتها” في ظل اللحظة الحالية الصعبة والمربكة”.
“المحيسن”، الذي تحدي إلزاميات المجتمع المحافظ عبر مراحل حياته منذ قرر دراسة السينما، لا يزال متسمكًا بروح المقاوم، لأي تقاليد أو أفكار معادية للفن والإبداع، وعندما سألته: هل تغير الأمر بالنسبة إليك حالياً بعد الانفتاح في السعودية؟ أجاب أنه “مؤمن بفكرته وكان ولا يزال يحظى بدعم القيادة”.
بدا وكأنه يعاتب أجيالاً لم تعرفه “من أجل هذا لم تعرفوني”.. شعرت من قوله أنه تذكير بمشروعه أكثر من رغبته في التذكير بشخصه، وتعبير مهذب عن الانقطاع.
أنهى حديثه الذي خالطه الكثير من الذكريات عن كبار الفن والإبداع المصري؛ عمار الشريعي ويحيي العلمي وغيرهما ممن شاركهم أو تعامل معهم خلال رحلته. انتهى اللقاء معه، ولكن لم ينته مشروعه الذي يريده كما يقول “عن العرب وللعرب”.