06:10 م
الجمعة 04 أكتوبر 2024
كتب – فادي الصاوي:
فى حرب أكتوبر المجيدة قدم سلاح المهندسين 88 شهيدًا 84 جريحًا جادوا بأرواحهم لكي تظل الكباري بكامل كفاءتها، رغم الغارات الجوية الإسرائيلية، وبين حقول الألغام وهم يفتحون فيها الثغرات في عمق سيناء، وفي المطارات الحربية قدموا أغلى ما يكون لكي تبقي المطارات والمعابر بكفاءة 100 % عقب الغارات الإسرائيلية، ويعتبر المجند “على محمد على عبدالله خفاجي” ابن قرية جماجمون التابعة لمدينة دسوق محافظة كفر الشيخ أحد أبطال هذا السلاح.
يبلغ عم “علي خفاجي” الذي التحق بالقوات المسلحة المصرية لأداء الخدمة العسكرية يوم 6 يونيو 1972 من العمر 72 عامًا، وخدم في “سلاح المهندسين م.ع اللواء 209 الهرم”، وكان أحد الجنود الذين شاركوا فى تدمير خط بارليف المنيع بمضخات المياه، كما كان أحد الجنود التى تعرض للحصار فى ثغرة الدفرسوار.
خط بارليف هو سلسلة من التحصينات الدفاعية التي كانت تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، بنته قوات الإحتلال الإسرائيلي بعد احتلالها سيناء بعد حرب 1967، لتأمين الضفة الغربية لقناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية إليها، وخلال حرب الاستنزاف تولى سلاح المهندسين بالجيش المصري مهمة هدم الساتر الترابي الشرقي لقناة السويس وفي الوقت نفسه هدم الساتر الغربي الذي أقامته قواتنا المسلحة، وذلك لفتح ثغرات في الساترين لإرساء الكباري، لذا أقاموا ساترًا مماثلا علي مانع مائي يماثل مانع قناة السويس، بجوار القناطر الخيرية، وأجروا 322 تجربة علي هدم الساتر الترابي الذي أقامة العدو.
وفى التجارب الأولى كان سلاح المهندسين العسكريين يستخدم المدفعية الميدانية ثم قنابل ممرات الطائرات، وأسلحة الضرب المباشر، والمدفعية الصاروخية والمفرقعات مع الضخ بالماء كأسلوب مشترك، ولم تنجح فكرة فتح الثغرات بالصواريخ، لذا توصلوا إلي استخدام أسلوب الضخ بالماء فقط لما أظهره من نتائج في صلاحيات الفتحات أو الممرات كي تمر وتعبر الدبابات المصرية والقوات الميكانيكية في عرباتها المدرعة.
وتدرب عم “على خفاجي” على استخدام مضخات المياه فى منطقة القناطر الخيرية لمدة شهرين، ووفقا لتصريحات لـ”مصراوي”،: “لم يكن أحد يعلم شيئا عن الحرب ولم تصدر التعليمات بخوض المعركة، ولكن بعد الانتهاء من التدريب جرى حشد كيبتي ضمن القوات للتمركز فى الإسماعيلية، وفى يوم 5 أكتوبر 1973 طلب منا التحرك إلى بطن القناة وهى جهة المواجهة مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، وفي هذا اليوم جاء شيخ أزهري وتحدثنا معنا لرفع روحنا المعنوية وحثنا على القتال دفاعًا عن مصر وتحرير أرض سيناء الغالية”.
وتابع:” في يوم السادس من أكتوبر جاءت الأوامر من قائد الكتيبة بإعلان حالة الاستنفار بين صفوف الجنود المقاتلين فى تمام الساعة 11:30 صباحًا، ونظرًا لأننا كنا صائمين فى شهر رمضان، أمرنا الشيخ الأزهري بالإفطار، وقتها شعرنا بوجود شيئا ما فى الكواليس، وفى تمام الساعة 1:50 ظهرًا مرت 240 طائرة مصرية فوقنا لتوجيه الضربة الأولى لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي هذه الأثناء صدرت لنا الأوامر بعبور القناة، وجرى اختيار هذا التوقيت ليكون قرص الشمس فى كبد السماء وليس موجها على أعيننا، وبعد العبور فتتنا خط بارليف، وفي الساعة 4 عصرًا كانت الدبابات المصرية والعربات العسكرية فى قلب سيناء”.
وذكر بطل حرب أكتوبر، أن “إسرائيل أوهمت العالم أن خط بارليف لا يمكن تدميره إلا بقنبلة نووية.. فحطمه الجيش المصري بخرطوم مياه.. وكنت واحد ممن كسروا عين إسرائيل بخرطوم مياه”، موضحًا أن هذا المانع كان عبارة ساتر ترابي يخفي خلفه “دشم خرسانية عملاقة” تتحصن فيها الدبابات الإسرائيلية، مضيفا:” لتدمير هذه الدشم كنا نصعدها ونرمي القنابل اليدوية فى قلب هواية الدبابة، لقتل جنود العدو أو إجبارهم على الخروج من تحصيناتهم، في ذات الوقت كان اثنان من زملائي يقفون على بوابة الدشمة لصيد عساكر العدو الهاربين من التحصين، ونجحنا في أسر المئات من جيش الاحتلال”.
ويروى عم “علي خفاجي”، أنه “بعد مرور 4 أيام على الحرب “هاج طيران العدو” عليهم لضرب الكباري التى تم إنشائها، ولكن تصدت لهم المدفعية المصرية، مضيفا: “أحد الطيارين الإسرائيليين سقط بمظلته، فقائد الكتيبة أخذني مع اثنين من زملائي ونجحنا فى أسره وصدرت لنا الأوامر بعدم ضربه أو إساءة معاملته، واكتفينا بتقييد يديه وإغماء عينيه، وعندما طلب “شرب ماء”، أعطيناه، وخلال التحقيقات اعترف أنه كان مكلفا بضرب الكوبري لإعاقة وصول القوات المصرية إلى عمق سيناء”.
وأضاف: “لم يقتصر دورنا كسلاح مهندسين فى الحرب على تدمير الساتر الترابي لقناة السويس فقط، وإنما أيضًا العثور على الألغام وتفكيكها لتسهيل مهمة القوات على الأرض، واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن حدثت الثغرة وتمكن الجيش الإسرائيلي من تطويق الجيش الثالث الميداني وجرى محاصرتنا لمنع وصول الإمدادات إلينا، إلى أن صدرت أوامر بوقف إطلاق النار بين الجانبين”.
وعن كواليس إصابته التى تسببت فى بتر قدمه خلال الحرب، يقول عم “علي خفاجي”،: “في اليوم الذي أصيبت فيه صدرت لنا الأوامر بنسف حقل ألغام للعدو فى منطقة البلاح بالإسماعيلية، وخلال هذه المهمة ارتطمت قدمي بلغم أرضي، ووجدت نفسى ارتفع عن الأرض إلى أعلى بمسافة 10 أمتار ما تسبب فى إصابتي، وعلى الفور نُقلت إلى مستشفى الإسماعيلية وهناك أجريت عملية جراحية بترت فيها إحدي قدمي، حيث أجمع الأطباء وقتها على ضرورة بتر الساق حتى المفصل لأن العظام كانت محطمة، وبعد شهر انتقلت إلى مستشفى الحلمية وبقيت فيها 6 أشهر، بعدها أصدر الرئيس محمد أنور السادات تعليمات بعلاج مصابي العمليات الحربية فى حرب أكتوبر فى الخارج، فسافرت إلى بولندا لمدة 8 أشهر، وهناك أجريت العديد من العمليات في ساقي لتنظيف مكان البتر وإزالة الزوائد اللحمية لكن تلائم تركيب الطرف الصناعي، بجانب عمليات جراحية أخرى لإزالة واستخراج شظايا حديدية ناتجة عن اللغم بعد ذلك قام الطاقم الطبي بتركيب قدم صناعية”.
وأوضح أنه بعد عودته من بولندا حصل على تعويض مالي من القوات المسلحة قدره 326 جنيها، وجرى تعيينه فى وحدة بيطرية قريبة من محل إقامته، وتخصيص معاش من القوات المسلحة، بالإضافة إلى دعوته فى المناسبات العامة وذكرى حرب أكتوبر والعاشر من رمضان لتكريمه سواء داخل محافظة كفر الشيخ أو خارجها من القيادة العامة للقوات المسلحة.
وعن تأثير إصابته فى الحرب على حياته الشخصية، قال عم “على خفاجي”: مسألة بتر القدم بالنسبة لأهل الريف كانت تمثل مشكلة كبيرة جدا، وخلال فترة العلاج دخلت على ضابط فى كتيبتي كان مصابًا فوجدته يبكي لأنه خطيبته تركته وردت له دهبه لعدم قدرتها على تحمل العيش من شخص عاجز، لذا فى أول زيارة لي التقيت خطيبتي وقلت لها أنا اتصبت وأنا حاليا غير الأول وخيرتها بين الانفصال أو الاستمرار فبكت وتمسكت بي، وتزوجتها وأنجبت منها 3 أبناء ولدين (شريف وحمادة) وفتاة هم الآن أغلى ما أملك”.