جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
ظهر «الراب» في مصر -بحسب ما أجمعت عليه الكثير من الدراسات- في أواخر تسعينيات القرن العشرين وتطوّر حجم إنتاجه بالتوازي مع تطوّرات إنتاج أغاني «الراب» على مستوى عالمي.
بدأ «الراب» في مصر كموسيقى مستقلة، بأدوات بسيطة ومستوى متواضع تطوّر مع الوقت، وكأي شيء جديد لم يجد له مكانًا بسهولة في المشهد الموسيقي.
مع ذلك، فإن ما نشهده الآن من اهتمام ورواج لهذا اللون الموسيقي والغنائي يستدعي البحث والتقصي لمزيدٍ من الفهم والتوثيق والتحليل. من هنا تأتي أهمية كتاب سيد عبد الحميد «فن الشارع: حكايات عن كتابة الراب والموسيقى» (دار صفصافة، 2024).
ويُقسِّم سيد عبد الحميد الراب في مصر إلى موجات، «فمن خلال الموجة الأولى (2003-2007) ظهر أوائل المغنين الذين يعتمدون على كتابتهم وإمكاناتهم المحدودة في صناعة الموسيقى ونجحوا في الظهور بشكلٍ خافت، ثم جاءت الموجة الثانية (2009-2014) وحملت ظهورًا متجددًا للرواد بعد انقطاع، بالإضافة لظهور أسماء جديدة تحمل أفكارًا أكثر حيوية، نجحت في لفت انتباه أكبر مع بدايات صعود المنصات الموسيقية ومواقع التواصل الاجتماعي بعد الربيع العربي، ثم جاءت الموجة الأشهر والأكثر نضجًا بداية من 2017 حيث بداية صعود وانتشار Trap Music كلون موسيقي منبثق من Rap Music» (ص 10).
يتناول الكتاب الذي يقع في 172 صفحة مجموعة من الأسماء الشهيرة في عالم الراب، ويستفيض في الحديث عنها في فصول منفصلة، منها: الجوكر – «الروائي»، ومروان موسى: للحُب آثار سلبية، وويجز: أحكم حكيم، ومروان بابلو: من الجميزة إلى الحُب فين!، وشاهين العبقري: عودة أشرس أنواع الصقور، وأبيوسف: متعدد الوجوه.
أما فصل «دردشة» فهو يضم مساحة فردية للحديث عن جوانب أكثر ذاتية، يقول عنها المؤلف إنها «خط فاصل بين مشروعات وأخرى للخروج من الرتابة» (ص 113). في هذا الفصل، نتابع حوارًا شارحًا بين المؤلف وشاب يُدعى راشد، يتمتع بالخبرة في مجال الإنتاج وصناعة الموسيقى. نفهم من راشد وبكلماته الاختلافات بين الراب والتراب، ومفهوم Old School وNew School وأسماء كل فريق من هذين المعسكرين في عالم غناء الراب والتراب.
(بينوكيو/ رعد/ هاني/ عزرائيل/ مازن/ عمر حرب/ هيثم سنتياجو/ يوسف محمد ألطاي)، (أحمد، الجوكر)، (أحمد علي/ ويجز)، (داما/ بابلو/ مروان أحمد مطاوع)، (العبقري، شاهين)، (م.م/ مروان موسى).
لعبة تعدد الشخصيات هي اللعبة المفضلة لكل مغني راب، باختلاف التجارب والسياق الزمني لكل مجموعة من الأغاني، ينجح كل مُغنٍّ في تقديم نفسه لفئة مختلفة من جمهور عريض ومتعدد التوجهات. تختلف الجماهير في كل مجال حول القيمة والأهمية والمعايير الجمالية، ولكن يظل في المقام الأول صدق المنتج وجودته هما المعيار الأول. كل شخصية لها ظروف خاصة، عمق درامي درامي يصلح لتقديم المأساة في المسرح لانتزاع الاعتراف بالجدارة أو القيمة. كل شخصية هي ناشئة لكسر الصمت أو الملل، تغيير جلد أو لتقديم ما هو أفضل وأهم في مرحلة حياتية مختلفة.
في 14 فبراير 2020، أعلن «مروان بابلو» أنه، لأسباب شخصية ودينية، لن يعود لصنع الموسيقى. بعد فترة وجيزة، ألغى قناته على يوتيوب وحسابه على إنستغرام. وأوضح أن السبب الرئيسي لتقاعده هو «الضغط الذي فُرض عليه، واختلاف مستويات التوقعات التي حاصره الناس بداخلها، والتسمية المستمرة». وقال إنه يحتاج إلى استراحة «لإعادة شحن نفسه دون أن يُحاصَر». في 9 مارس 2020، بدأ «بابلو» البث المباشر على إنستغرام ردًا على شائعات عن مرضه أو وفاته. وأعرب عن غضبه من الحكايات ونفى أي علاقة بين التقاعد وصحته أو أفراد أسرته.
في فيديو بث مباشر افتتحه بعبارة: «أنا حزين، أنا مموتش»،شرح «بابلو» أسباب اعتزاله التي يظل أبرزها كراهية البعض له سواء من داخل مجال الراب أو الجمهور الذي يتفاعل في تعليقات على فيسبوك بتعبير الغضب Angry على أغلب صوره.
يتعيَّن هنا أن نشير إلى أن مغني الراب قد يمر بلحظةٍ يقرر فيها التوقف عن تقديم أعمال فنية. بعضهم بلغت فترات توقفهم أعوامًا طويلة مثل «ام سي أمين» و«علي الشاعر»، وهم من أقدم الرابرز في العقد الأول من القرن الجاري، في حين سبق أن أعلن «أبيوسف» و«وويجز» و«مروان بابلو» توقفهم لأسبابٍ مختلفة. وتوقف «شاهين» عن أداء الراب بعد وفاة والده واعتزل وسافر إلى دبي قبل العودة من جديد.
في 25 فبراير 2021، عاد «مروان بابلو» إلى صناعة الموسيقى بإطلاق أغنية «غابة» وأعاد تنشيط جميع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. تجاوز الفيديو الموسيقي لعودته أربعة ملايين مشاهدة على يوتيوب في غضون الـ24 ساعة الأولى بعد الإصدار ووصل إلى أفضل 10 مقاطع فيديو رائجة في جميع أنحاء العالم. وفي 29 مارس 2021 أعلن عن ألبوم بعنوان «كنترول» يحتوي على 5 أغنيات فردية هي: «غابة»، «الحب فين»، «كنترول»، «دون»، «أتاري». تعاون «بابلو» مع «سادات»، وهو واحد من أشهر «الدي جي» في عالم «الأندرجرواند»، وأنتج تعاونهما معًا عددًا من أعمال «الراب» الشهيرة التي زادت من إعجاب محبي «بابلو».
في النهاية، يؤكد سيد عبد الحميد أن كتابه ليس عن الراب فقط، ولا عن الموسيقى التي غيّرت مشهدًا بأكمله، ولا عن شباب حلموا بتغيير حياتهم للأفضل ونجحوا، بل إنه «كتاب عن كل شيء ولا شيء، ولكنه بالنسبة لي كتاب عن السعي في هزيمة كل شيء قد يسلبك حقك في العيش كما تريد، أو في فعل ما تريد، عن المحاولات غير النهائية للشعور بنفسك، والتخلي عن قيود أي نسخة منك غير حقيقية» (ص 171).