11:43 م
السبت 09 نوفمبر 2024
كتب- محمود الشوربجي:
سطرت المحكمة الدستورية العليا، السبت، حكمًا تاريخيًا بشأن “الملاك والمستأجرين”، بعد أن قضت بعدم دستورية المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، الخاص بتأجير الأماكن السكنية وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر “قانون تحديد أجرة الأماكن”.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار بولس فهمي، بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
وقد حددت المحكمة اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر حكمها، ما يتيح فرصة زمنية للمشرع لدراسة وتنفيذ تعديلات ملائمة تمنع أي فراغ تشريعي.
ماذا تقول مواد القانون؟
الفقرة الأولى من المادة “1” من القانون رقم 136 لسنة 1981، تنص على فيما عدا الإسكان الفاخر، لا يجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني وعلى ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلثي مساحة مباني العقار.
أما الفقرة الأولى من المادة “2” من القانون؛ فتقدر قيمة الأرض بالنسبة إلى الأماكن المنصوص عليها في الفقرة الأولي من المادة السابقة وفقًا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء، وتقدر قيمة المباني وفقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء، فـإذا ثبت تراخي المالك عمدًا عن إعداد المبني للاستغلال، تقدر تكلفة المباني وفقًا للأسعار التي كانت سائدة في الوقت الذي كان مقدرًا لإنهاء أعمال البناء وذلك دون الإخلال بحق المحافظة المختصة في استكمال الأعمال وفقا للقواعد المنظمة لذلك.
موقف البرلمان
من جانبه أكد مجلس النواب، على اهتمامه الخاص بالقوانين الاستثنائية التي تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، بحسبانها تمس العديد من الأسر المصرية.
وأشار بيان اليوم، إلى أن مجلس النواب كلف لجنة الإسكان بإعداد دراسة مستفيضة عن ملف قوانين “الإيجار القديم”، بما في ذلك تقييم أثرها التشريعي، وفق محددات معينة أهمها الخلفية التاريخية لهذه التشريعات، وأحكام المحكمة الدستورية المتعلقة بها.
ونوه إلى أن لجنة الإسكان بمجلس النواب، أعدت تقريرًا مبدئيًا عن موضوع الإيجار القديم ومن المقرر عرضه على المجلس خلال الجلسات العامة القادمة.
واختتم المجلس، بأنه سيواصل مناقشة القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن، والتعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية بروح من التوازن والعدالة، ملتزمًا بحماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر.
التوازن بين المالك والمستأجر
وعلق المستشار بهاء أبو شقة، وكيل أول مجلس الشيوخ، على حكم الدستورية العليا، قائلاً إن “أحكام القانون لا يُعلق عليها”، مشددًا على أن هذا الحكم يُعد بمثابة خطوة هامة على صعيد تحقيق العدالة بين الملاك والمستأجرين.
أكد في تصريحات خاصة لـ”مصراوي”، أن حكم المحكمة الدستورية في هذه القضية يأتي في إطار أحكام تاريخية سابقة، من بينها الحكم الذي أصدره المستشار عوض المر في وقت سابق بشأن المادة 29 من قانون إيجار الأماكن، والتي كانت تنص على أن عقد الإيجار ينتهي بوفاة المالك أو المستأجر، باستثناء الأشخاص المقيمين معهم إقامة دائمة لمدة سنة سابقة على الوفاة حتى الدرجة الرابعة، واستبدالها بوفاة المستأجر أو تركه العين السكنية، باستثناء المقيمين معه إقامة دائمة لمدة سنة، ولكن فقط حتى الدرجة الأولى من القرابة، في تعديل يهدف إلى حماية حقوق الملاك والمستأجرين بشكل أكثر عدالة.
كما أضاف وكيل أول مجلس الشيوخ أن الحكم بعدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى في القانون رقم 136 لسنة 1981، يراعي الظروف الاقتصادية الحالية ويعزز التوازن بين مصلحة المالك والمستأجر، مؤكدًا أن الحكم يعيد للمشرع سلطة تحديد الأجرة بما يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية، مما يعكس التوازن في العلاقة بين الطرفين ويضمن عدالة توزيع الحقوق بينهما.
وشدد المستشار أبو شقة على أهمية أن تترك السلطة التشريعية – ممثلة في مجلس النواب – الفرصة لتحقيق التعديلات اللازمة على النصوص القانونية، بما يحقق العدالة بين المالك والمستأجر ويضمن استقرار العلاقات التعاقدية في ضوء الظروف الاقتصادية المتغيرة.
المشرع وسلطة تحديد القيمة الإيجارية
فيما أكد محمد رشوان المحامي بالنقض والدستورية العليا، أن الحكم الصادر -بعدم دستورية بعض المواد في قانون الإيجار القديم- يعيد للمشرع بشكل أساسي سلطة تحديد القيمة الإيجارية بما يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية، ما يعكس التوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر. مضيفًا أن الحكم يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة في العلاقات الإيجارية.
أضاف رشوان في تصريحات خاصة لـ “مصراوي”، أن هناك إلزام على مجلس النواب -بموجب الحكم- للتصدي إلى ملف قانون الإيجار القديم، موضحًا أن الأمر يتعلق بالعقود المحررة قبل أبريل من عام 1996، باعتبار أن عقود الإيجار عقب هذا التاريخ تخضع للقانون المدني.
خطوات حكومية وتشريعية لحين التطبيق
تابع أن البرلمان أمامه مسؤولية إعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بما يتماشى يضمن حقوق جميع الأطراف ويحافظ على استقرار التعاقدات الحالية. مؤكدًا أهمية تعديل القانون ليعكس التوازن بين الطرفين ويواكب المتغيرات الاقتصادية الحالية.
لفت إلى الحكومة ستتولى خلال الأشهر المقبلة، إعداد مشروع قانون بشأن التعديلات الجديدة، على أن يعرض التشريع القانون على مجلس النواب لمناقشته ويتم صياغته من الناحية التشريعية القانونية، ثم عرضه عقب ذلك على رئيس الجمهورية، وإقراره، موضحًا أن هناك إمكانية لعرض الأمر على الحوار الوطني قبل إقراره بشكل نهائي.
الحكم التاريخي يعطل العمل بالنصوص القانونية المقضي بعدم دستوريتها في قانون 136 لسنة 1981، مما يفرض على المشرع العادي التدخل عبر مجلس النواب لإعادة صياغة وتعديل هذه النصوص بما يتماشى مع الظروف الاقتصادية الراهنة
لفت إلى أهمية تشكيل لجان وزارية لضمان الوصول إلى صيغة تشريعية تحقق التوازن والاستقرار في العلاقة الإيجارية وفقًا لحكم المحكمة الدستورية العليا، وتحديد القيم الإيجارية بالزيادة المتوقعة حسب كل منطقة، بحيث يتم تنظيم الأجرة بما يضمن العدالة ويحافظ على حقوق الطرفين. مستشهدًا بما حدث في بداية الألفية الحالية بالنسبة للمحلات، إذ صدر تشريع جديد بإعادة تقييم القيمة الإيجارية.
محاور ضبط سوق العقارات والضرائب
تابع أن الوضع عقب تحديد القيم الإيجارية سيخلق 3 محاور رئيسية تتعلق تحقيق التوازن بين المالك والمستأجر في العقود القديمة، وكذلك إحداث حالة من التوازن بسوق تأخير العقارات في مصر وضبط السوق بالنسبة لإيجارات العقارات القديمة والجديدة عقب وضع القيمة العادلة لسعر المتر الخاص بكل منطقة، بالإضافة إلى محور آخر خاص بزيادة عوائد الدولة والموازنة العامة من الضريبة العقارية التي لم تكن تُحصل قبل حكم الدستورية “ملاك العقارات ذات الإيجارات القديمة شريحة كبيرة منهم لم يكونوا خاضعين لضريبة الأرباح العقارية للإيجارات باعتبار أن القيمة الإيجارية كانت منخفضة للغاية، لكن مع زيادتها سيخضع ملاك تلك العقارات للضرائب وبالتالي زيادة موارد الدولة الفترة القادمة.
أضاف أن تعديل القيمة الإيجارية سيُخرج بعض أصحاب العقارات من فئة مستحقي الدعم بعد ارتفاع دخلهم الشهري، عما كان الوضع الفترة الماضية.
لفت إلى إمكانية تعديل القيم الإيجارية بشكل تدريجي لبعض الفئات بحيث تتأثر أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير “قد يكون للجان المُشكلة الفترة القادمة دورًا في تحديد تلك الفئات بحسب أوضاعهم الاجتماعية التي يُمكن بحثها بعناية من خلال وزارة التضامن”.
تشكيل لجان وزارية
وطالب النائب محمود قاسم، عضو مجلس النواب، بسرعة تشكيل لجنة وزارية لدراسة وتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن قانون الإيجار القديم.
وأشار “قاسم”، إلى أهمية تشكيل اللجنة للتوصل إلى تعديلات تشريعية تتماشى مع الحكم وتحقق توازنًا في العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر، بحيث يتم تنظيم الأجرة بما يضمن العدالة ويحافظ على حقوق الطرفين.
من جانبه قال هيثم عباس المحامي، لـ “مصراوي” إنه بالنظر إلى حكم الدستورية، فهو خطوة نحو تحرير العلاقة الأبدية بين المالك والمستأجر وفق قوانين الإيجار الاستثنائية، موضحًا أن القوانين الإيجار القديمة وضعت في ظروف استثنائية لم تعد موجودة الآن.
أوضح أن مجلس النواب بات مطالب بتحديد قيمة إيجارية تتناسب مع تغير الزمان قبل نهاية الدور التشريعي في يوليو ٢٠٢٥ وحال عدم الاقرار بالزيادة السنوية يحق للملاك تنفيذ حكم المحكمة الدستورية.
موعد تنفيذ الحكم
ووفقًا لمنطوق الحكم فإن موعد تنفيذ الحكم سيكون في اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي لمجلس النواب وهو ما يعني ضرورة قيام البرلمان بصياغة مشروع قانون بتعديل الفقرتين الأولى من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981 الخاص بقيمة الزيادة السنوية للايجار.
وبدأ دور الانعقاد العادي في شهر أكتوبر الماضي، ويستمر لمدة تسعة أشهر وعقب انتهائه يبدأ تنفيذ الحكم أي يرجح في يونيو أو يوليو 2025.
حيثيات الحكم
وتضمنت حيثيات قرار المحكمة الدستورية، أنه يتوجب تدخل المشرع لإحداث هذا التوازن، فلا يمكّن المؤجر من فرض قيمة إيجارية استغلالًا لحاجة المستأجر إلى مسكن يأويه، ولا يهدر عائد استثمار الأموال – قيمة الأرض والمباني – بثبات أجرتها بخسًا لذلك العائد فيحيله عدمًا.
وتضمن قرار المحكمة إعمالها الرخصة المخولة لها بمقتضى المادة (49) من قانونها وحددت اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر حكمها؛ وذلك لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى الخاضعة للقانون رقم 136 لسنة 1981.
وتضمن قرار المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى إعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
واستندت المحكمة في قضاءها على سند من أن القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن السكنية تنطوي على قاعدتين أولهما الامتداد القانوني لعقود إيجارها، والأخرى التدخل التشريعي في تحديد أجرتها، وكلاهما ليس عصيًا على التنظيم التشريعي، فإذا كان الامتداد القانوني قد حدد نطاقًا بفئات المستفيدين من حكمه، دون سواهم، فإن تحديد الأجرة يتعين دومًا أن يتساند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية.
وأضافت المحكمة أن النصين المطعون عليهما قد حظرا زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض عند الترخيص، والمباني طبقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء، وهو ما مؤداه ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضى عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم، وهو ما يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية.