08:26 م
الجمعة 04 أكتوبر 2024
كتب- محمد سامي:
خاضت القوات الجوية المصرية معاركها في حرب أكتوبر المجيدة بكفاءة واقتدار منذ البداية وحتى النهاية، ونجحت القوات الجوية في تنفيذ الضربة الجوية التي فتحت الطريق نحو النصر، وأيضًا في إبرار أبطال الصاعقة والمظلات لتنفيذ عملياتهم خلف خطوط العدو باستخدام الطائرات الهليكوبتر.
بالإضافة إلى ذلك، كان للقوات الجوية دور آخر في عمليات الاستطلاع، حيث قامت برصد تحركات العدو وتصويرها، مما جعلها مصدرًا مهمًا لجمع المعلومات عن مواقع العدو وتحركاته. وتتميز الاستطلاع الجوي بأنه يتيح إمكانية استكشاف مساحات شاسعة في زمن قصير ومن زوايا متعددة، مما يساهم في دراسة الموقف والأوضاع الجارية في مسرح القتال وإجراء المقارنات بين القوات على مر الزمن.
أحد أبطال الاستطلاع الجوي خلال حرب أكتوبر هو الفريق مجدي شعراوي، الذي كان نائبًا لقائد سرب الاستطلاع الجوي في قاعدة بلبيس الجوية خلال تلك المعركة التاريخية. التقى فريق شعراوي ليكشف لنا أسراره عن تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر، ولتسليط الضوء على براعة الطيار المصري في معركة المنصورة الجوية، التي تعتبر من أهم المعارك الجوية في التاريخ، حيث تجسد مهارات الطيار المصري، وتُدرس حتى اليوم في العلوم العسكرية على مستوى العالم.
أكد الفريق مجدي شعراوي في حديثه مع “مصراوي”، أن معركة العبور العظيمة لم تكن البداية، بل كانت نهاية مرحلة، حيث بدأت حرب أكتوبر بعد الخامس من يونيو 1967 مباشرة. لم يأتِ نصر أكتوبر فجأة، بل كان هناك مؤشرات تدل على هذا النصر.
كان أول تلك المؤشرات في الأول من يوليو خلال معركة “رأس العش”، حيث خاضت قوات الصاعقة المصرية معركة شرسة ضد عدو متفوق وتغلبت عليه، محققة الهدف الرئيسي من المهمة وهو التمسك بشرق بورسعيد.
المؤشر الثاني كان في 14 و15 يوليو عندما قامت القوات الجوية باستخدام بقايا الطائرات المتبقية لتوجيه ضربة مركزة على قوات العدو المتواجدة شرق القناة، وبالتحديد في منطقة القنطرة شرق. أما المؤشر الثالث، فقد تحقق في 21 أكتوبر 1967، عندما تمكنت القوات البحرية من إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات.
كانت هذه الأحداث بمثابة استيقاظ للروح المعنوية للمقاتل المصري، ورسالة قوية للعدو بأننا هنا، وأن النصر بات في متناول اليد. تبع ذلك عمليات الاستنزاف التي أدت إلى استنزاف قوى العدو على جميع الأصعدة، مما أثر سلبًا على موقفه وسعى إلى وقف إطلاق النار.
وعن حرب 1973، قال شعراوي: “عند اكتمال استعداداتنا وتوافر الأسلحة اللازمة، كان قرار الحرب موجودًا. تم التخطيط بعناية لاختيار الوقت المناسب، ونوعية السلاح، وتحديد الأهداف.” وأوضح أنه كان هناك في العمق أهداف استراتيجية كان على القوات الجوية تدميرها، مثل مراكز القيادة والرادارات، وقد نجحت القوات الجوية في هذه المرحلة، مما أذن ببدء المرحلة التالية والتي تمثلت في إطلاق المدفعية، التي استهدفت بعض الأهداف في العمق القريب وغلق الحد الأمامي. وبنجاح تلك المرحلة، تلتها مرحلة عبور القوات وإنشاء الكباري على الجبهة الشرقية للقناة، وكل هذه المراحل كانت تحت حماية القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي، بالإضافة إلى جهود الأفراد المتخصصين في الإعاقة الإلكترونية.
وأشار الفريق مجدي شعراوي إلى أن دوره خلال حرب أكتوبر كان نائبًا لقائد سرب الاستطلاع الجوي في قاعدة بلبيس. بدأ هذا السرب نشاطه في عام 1968، واستمر في مراقبة تنفيذ اتفاقية الانسحاب بعد عام 1973. كانت مهمة السرب جمع معلومات حول العدو في البحر والبر والجو.
وذكر أن السرب قام بتصوير خط بارليف أثناء جميع مراحل إنشائه، مما ساعد على توجيه الهجمات ضد النقاط الحصينة بخط بارليف. في البداية، كان عدد الطيارين في السرب 6، حتى بلغ العدد 24 طيارًا، وكانت مهمتهم هي توثيق كل مظاهر التخطيط على الجبهة. قامت القوات الجوية بتسليم المعلومات موثقة بالصور، واستخدمت كاميرات روسية كانت محدودة القدرة، حتى تمكنت من استقدام كاميرات أفضل تقدم صورًا أدق، وتم نقل المعلومات لتحليلها والتصرف بناءً عليها.
وعن معركة المنصورة الجوية، أكد شعراوي أنها كانت ملحمة حقيقية ستظل تُدرس في التاريخ العسكري لعقود طويلة. وأوضح أن مفتاح النصر في هذه المعركة كان المقارنة بين الطائرات: حيث كان هناك طائرات تطير لمدة 3 ساعات مقابل طائرات بالكاد تطير لنصف ساعة، وطائرات تطلق صواريخ لمسافات طويلة مقابل طائرات تطلق صواريخ لمسافات قصيرة. ورغم التفوق العددي لطيارات العدو، كان نجاح المعركة يعتمد على كفاءة الأطقم الأرضية في تجهيز الطلعات بسرعة، حيث لم يستغرق تجهيز الطائرة أكثر من 6 دقائق فقط. وهذا زاد من عدد الطلعات الجوية، مما جعل العدو يشعر وكأنه يقاتل 160 طائرة بدلاً من 24.
أما عن تدريب أطقم الاستطلاع الجوي في القواعد المختلفة أثناء فترة الإعداد للحرب، أوضح الفريق مجدي شعراوي أن تلك الفترة كانت تتطلب من الطيارين والأطقم المعاونة العمل لمدة 8 ساعات يوميًا فقط بين تناول الطعام والنوم، بينما كانت بقية اليوم مخصصة للتدريب النظري أو الطيران.
نظرًا لاختلاف مهام سرب الاستطلاع، كان لديهم تجهيزات خاصة على الأرض، مثل معامل تحميض الصور وأجهزة استخراج المعلومات إلكترونيًا. وقد كان كل ما يشغلهم في ذلك الوقت هو الاستعداد للحرب.
اختتم شعراوي حديثه بتوجيه التحية لجيل أكتوبر، معبرًا عن تقديره للشهداء والمقاتلين الذين واجهوا التحديات، ووجه رسالة للشباب بضرورة فهم التحديات الحالية، وأكد على أن العلم هو مفتاح الحياة الآن وفي المستقبل، وأن ذخيرة الوطن الحقيقية هي شبابه.