06:24 م
السبت 26 أغسطس 2023
السويس – حسام الدين أحمد:
تسبب تغير المناخ في قلة الأمطار وانخفاض مستوى المياه بقناة بنما التي تربط بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادئ ما اضطر هيئة قناة لتمديد القيود التي فرضتها قبل شهرين على الملاحة لمدة عام كامل، لتصبح قناة السويس البديل الآمن لوصول البضائع من آسيا والصين إلى أمريكا.
من أسيا إلى شرق أمريكا
يقول المهندس وائل القدور الخبير الملاحي العالمي، ونائب رئيس هيئة قناة السويس الأسبق، إن قناة السويس وقناة بنما يشتركان في عبور السفن المتجهة من شرق آسيا والصين إلى الساحل الشرقي الأمريكي، لكن الاشتراطات التي وضعتها قناة بنما بخفض حمولات السفن وتخفيف الحمولة لتصل لغاطس أقل من 13.4 مترًا، والسماح بعبور 32 سفينة فقط في اليوم تسبب في تكدس مئات السفن والناقلات في المحيط الهادي
وأضاف المهندس وائل قدور أنه مع اعتزام إدارة قناة بنما بتمديد القيود التي فرضتها لمدة عام سيكون عبور السفن ذات الحمولات الكبيرة من نصيب قناة السويس كبديل وحيد.
الطريق المفتوح
يوضح المهندس وائل قدور أن قناة بنما تختلف كثيرا عن قناة السويس، فطول بنما 77 كيلو متر، وهي لا تمثل طريقًا مفتوحًا مثل قناة السويس التي تبحر فيها السفن بشكل مستقل، وإنما العبور في بنما يكون عن طريق عدة أهوسة للمياه والتي تغلق لترتفع مستوى المياه فتتحرك السفينة إلى النقطة التالية، وتسبب الجفاف في نقص مياه الأمطار التي تغذي.
وتابع أن نقص مياه الأمطار زيادة درجات الحرارة تسببت في تراجع مستوى المياه في الحوض الذي يغذي القناة ويملأ البحيرتين الصناعيتين (ألاخويلا وغاتون)، حيث تعتمد عليهما القناة لتشغيل بوابات التحكّم “الأهوسة”.
التجارة إلى أمريكا
كشف الخبير الملاحي أن قناة بنما تخدم الولايات المتحدة الأمريكية، وتنقل 70% من التجارة العابرة إليها، من جنوب وشرق أسيا، إلى الساحل الأمريكي الشرقي واغلها سفن بضائع صينية ويابانية وأمريكية.
وأشار إلى أن قناة السويس تشترك مع بنما في عبور السفن المتجهة إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة الامريكية، ولكن بأعداد قليلة نظرا لطول الرحلة زمنيا وبفارق من 5 إلى 6 أيام إضافية عن الرحلة عبر قناة بنما.
حوافز للعبور
واستطرد أن هيئة قناة السويس قبل سنوات كانت تعطي تخفيضات لرسوم العبور بنسبة تصل إلى 70% للسفن القادمة من شرق وجنوب شرق آسيا وتعبر عبر القناة إلى الساحل الشرقي الأمريكي، كحوافز نظرا لطول المسافة الذي يؤثر على اقتصاديات تشغيل الرحلة، بينما السفن المتجهة إلى الساحل الغربي فلن تتأثر كونها لا تعبر في قناة بنما.
ومع الوضع الحالي ستكون قناة السويس البديل المفتوح للحاويات الكبيرة وناقلات النفط والغاز المسال، وسفن الصب للعبور والوصول إلى وجهتها بأمريكا، بدلا من تخفيض حمولاتها وهو أمرك مكلف.
التراجع أو إلغاء التخفيض
وفي المقابل سيكون هناك فرصة لقناة السويس للتراجع عن نسب تخفيضات عبور القناة، لتلك السفن أو إلغاء تلك التخفيضات، لأنها ستكون البديل الوحيد المتاح للعبور ولا حاجة عندئذ لتحفيز الخطوط الملاحية والشركات المالكة للسفن بتخفيض في الرسوم.
وأشار إلى أن قناة بنما كانت تسمح في حتى النصف الأول من العقد الماضي بعبور السفن ذات حمولة 5 الاف حاوية وفقط، ومع التطوير وانشاء البربخ والأهوسة الجديدة في 2016- 2017 زادت قدرة استيعاب القناة لحمولات السفن لتصل إلى 12500 حاوية، لكن تلك الحمولة لا يمكنها الأن في الظروف الراهنة العبور في القناة ولابد من تخفيفها إلى 10000 حاوية فقط وفقا لعمق الغاطس المحدد بـ 13 متر.
12.5% مقابل 3%
تستحوذ قناة السويس على 12.5 من حركة التجارة العالمية المنقولة بحرا، بينما تراجع نصيب قناة بنما إلى 3% فقط، ولا مجال للمقارنة هنا، لكن من الصعب أن تستحوذ قناة السويس على نصيب قناة بنما بالكامل، ولكن يمكن أن نستفيد بنسبة تتخطى 1% من حجم التجارة العالمية، بما يعادل ثلث ما يعبر في بنما، حيث تسمح الأخيرة حاليا بعبور السفن الصغيرة دون أية مشكلات.
استمرار الجفاف
وسيكون نصيب السويس في عبور الناقلات والسفن الكبيرة وذات غاطس يتخطى 13 مترا، وذلك حال استمرار الأزمة وعدم سقوط أمطار غزيرة في شهور سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر كما هو الحال بتلك المنطقة شمال قارة أمريكا الجنوبية.
قناة نيكاراجوا
يكشف المهندس قدور أن التغييرات التي أثرت على قناة بنما، فتحت المجال للتفكير مجددا في استكمال مشروع قناة نيكاراجوا، والتي بدأ إنشاؤها بدعم من الصين، حيث قدمت 50 مليار دولار لتمويل المشروع، مقابل حق تشغيل 20 عامًا، كبديل لقناة بنما، لكن الولايات المتحدة ضغطت لوقف ذلك المشروع.
وتابع أن مشروع قناة نيكاراجوا التي تربط بين المحيط الهادي والأطلنطي بدون أهوسة وهي طريق مفتوح مثل قناة السويس، لكنها تزيد طولا حيث تصل إلى 200 كيلو متر، وموقعها جنوب دولة نيكاراجوا بأمريكا الوسطى.
سلاح ذو حدين
يقول الخبير الملاحي إنه رغم تأثير تغير المناخ إيجابيا على قناة السويس، بعد تراجع عبور السفن في قناة بنما، لكن هناك جانب آخر سلبي لن يأتي بخير للسويس، وهو ذوبان جليد القطب الشمالي والذي سيفتح طريق “القطب الشمالي”، وسيكون الطريق متاحا للملاحة وحركة السفن المتجهة من شرق وجنوب شرق آسيا إلى أوروبا.
وكشف أن توقعات خبراء المناخ أن يذوب جليد القطب الشمالي في عام 2050، لكن بعد التغييرات المناخية التي شاهدناها منذ بداية العام لا سيما الحرارة القياسية في شهر يوليو فإن التوقعات قلصت المدة الزمنية المتوقعة لذوبان الجليد إلى أقل من 10 سنوات.
وأوضح قدور أن طريق القطب الشمالي بمثابة طريق مفتوح خالي من الممرات او المضايق، ويوفر 40% من زمن الرحلة من شرق آسيا والصين إلى أوروبا.