05:27 م
الثلاثاء 09 أبريل 2024
تقرير- صور: مارينا ميلاد
تقف زمزم مصطفى، في أحد المخابز القريبة، لشراء “كعك العيد” لطفليها. لكن الأسعار تربك حساباتها، وهو ما يتكرر كثيرًا معها، فتقرر أن تصنعه بنفسها. ثم تقول وهي تغادر المخبز بأيادِ فارغة: “وجدت سعر كيلو الكعك السادة يتراوح ما بين 180 و210 جنيهات.. سأقوم بعمله في البيت بتكلفة أقل”.
اعتادت زمزم (29 سنة) أن تصنع الكعك في بيت عائلتها بمحافظة المنيا كتقليد وطقس مُلازم للاحتفال بعيد الفطر كل عام مثل أغلب الأسر المصرية. لكن في القاهرة التي جاءت إليها ليعمل زوجها كسائق “توك توك”، ستصنع الكعك وحدها، “لا على سبيل الفرحة” بالأساس إنما “للتوفير”.
فيحل عيد الفطر في مصر هذا العام وسط ضغوط اقتصادية متزايدة على الأسر، ونسبة تضخم بلغت الـ35%، وهو ما انعكس على نسب وطرق شرائهم لاحتياجات العيد، وأهمها “الكعك”.
قبل العيد بأيام قليلة.. تفوح رائحة الكعك المألوفة من بيت “زمزم” الصغير المتواضع، فاقترب أن يكون جاهزًا لتناوله.
الآن تعد زمزم كمية أخرى لتلحق بالأولى. وتحاول تدبير مكوناتها جيدًا لتكفي كيلو الكعك الذي تريد عمله.
تعتمد زمزم لصنع كيلو كعك بالسكر على الدقيق والخميرة ورائحة الكعك والسمنة والسكر البودرة، وكلها أشياء زاد ثمنها بنسبة كبيرة مقارنة بالعام الماضي، فتقول “إنه على سبيل المثال، وصل كيس الدقيق إلى 35 جنيها بدلا من 15، وكيس السكر بالكاد نجده في المجمعات الاستهلاكية بـ27 جنيها”. فمنذ رمضان الماضي فقط، ارتفعت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 37.5%، ومنتجات الألبان والبيض بـ45%، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ورغم أن تلك التكلفة كانت مناسبة لزمزم أكثر من شراء الكعك من المخابز. لكنها حاولت التقليل منها باستبدال السمن البلدي بالسمن النباتي الأقل سعرًا، واللبن الطبيعي باللبن البودرة، كذلك طحنت السكر الأبيض بدلا من شراء سكر بودرة جاهز.
تخلط زمزم تلك المكونات معًا بيديها، ثم تبدأ في تشكيل الكعك.
وعلى مقربة من منطقتها، علت الأسعار بمخابز أخرى حتى تراوحت بين 220 – 260 لكيلو الكحك.
يجوب الزبائن في أنحاء المخبز، يتفحصون الأسعار، يتذوقون، ثم يغادرون دون اتخاذ قرار الشراء.. يتابع مصطفى محمود هذا المشهد ثم يقول: “لم يكن هذا الحال في الماضي، لا في وقت رمضان ولا عند قدوم العيد”.
يسكت قليلا ثم يكمل: “لم يكن عملنا يتوقف، لكن الآن لدي الوقت لأجلس وأحكي”.
مصطفى ورث المهنة عن والده الذي أسس أول فرع لهذا المخبز منذ عام 1957، لذا يقول بثقة “إنه لازال يحافظ على ما بدأه والده”، فيتمسك بالخامات نفسها رغم غلاء أسعارها حتى لا يضر بطعم الكعك والحلوى.
وقد زادت تكلفة هذه الخامات عليه أكثر من الضعف منذ الموسم الماضي فقط، حسب تقديره، فيذكر أن 25 كيلو الزبدة البلدي الذي كان يشتريها بنحو 6000 جنيه، كلفته الآن بـ14 ألف، غير أن كيلو السمن البلدي الذي كان سعره 150 جنيها، بات الآن بـ500 جنيه وأكثر.
وعليه، اضطر مصطفى لتقليل هامش الربح من 30% لـ15% تقريبا حتى يوازن بين الجودة والسعر “المعقول”. رغم ذلك، فكان من الملاحظ أن الكعك لديه يتجاوز سعره محال حلوى شهيرة.. يدرك مصطفى ذلك جيدًا، لكنه يقول: “المحال المعروفة تعتمد على الاسم وشكل العلبة، لكن بعضها يقلل في الكمية، فالكيلو الواحد يكون ما بين 44 – 46 كعكة، لكنهم يضعون 28 فقط”.
وفي الماضي، لم يكن شراء الكعك من تلك المحال والمخابز أمرًا منتشرًا، إنما تصنعه السيدات في المنازل كما تفعل زمزم الآن.
فكعك العيد بشكله الحالي يعود إلى الدولة الطولونية وفقا لما يذكره الباحثون في التاريخ الإسلامي، وكان يصنع في قوالب منقوشة. لكن يُقال إن تاريخه أقدم من ذلك ويعود إلى آلاف السنين حين كان قدماء المصريين يُحضّرون مخبوزات شبيهة له في أعيادهم ويختمون عليه.
وبمرور الزمن، توارثت الأجيال عمل الكعك سواء في البيوت أو في المخابز، فيمثل لزمزم “فرحة العيد، وأكثر من مجرد حلوى وطعام”.
الفكرة نفسها لدى ماجد مكرم (مدير تسويق جمعية أبواب الخير) وفريقه، لذلك وضعوا جزءا من التبرعات لصالح شراء الكعك للأسر الأكثر احتياجًا، المشروع الذي بدأته الجمعية عام 2017. فيتحدث الرجل عن “أن علبة الكعك تسعد أسر كثيرة باعتباره سلعة أساسية في وقت مثل العيد”.
إذ تهدف الجمعية إلى توزيع 930 علبة كحك مشكل (كيلو) على 930 أسرة بالقاهرة والجيزة بتكلفة 205 آلاف جنيه، وهو رقم أعلى كثيرًا من السنوات الماضية رغم قلة قيمة التبرعات التي يحكي عنها “ماجد”.
فيقول: “بالتأكيد تأثرنا بالأزمة الاقتصادية، فالتبرع الذي يأتي من الشخص الواحد قل بنسبة كبيرة، لكن عدد المتبرعين نفسه لم يقل، فالناس دائما تشعر بمعاناة بعضها في هذه الظروف”.
وخلال السنوات الأربعة الأخيرة، شهدت مصر أزمة اقتصادية وتراجع الاحتياطي النقدي، ثم انخفضت قيمة الجنيه أكثر من مرة، وهو ما أدى لارتفاع كبير في أسعار جميع السلع الأساسية. لذلك لجأ البعض إلى تقسيط مشتريات الكعك عبر البنوك أو شركات التمويل الاستهلاكي.
وفي محاولة لتوفير الكعك بأسعار أقل هذه الأيام، طرحت وزارتي الزراعة والتموين أنواع مختلفة من الكحك والبسكويت عبر منافذهم بأسعار مخفضة تتراوح بين 20 و30%.
بحلول العيد، نجحت زمزم في عمل كيلو كحك لأسرتها المكونة من خمس أفراد بتكلفة أقل نحو 50 جنيهًا من الكعك المُدعم بتلك المنافذ التابعة للوزارات، وأقل أكثر من نصف السعر من المعروض بالمخابز.
تُخرج زمزم الكعك من فرنها القديم والمتهالك، ويبدو عليها السعادة..
تترك الوعاء الساخن ليبرد ثم تلفت وتقول مبتسمة: “هذه من الأشياء القليلة المتبقية التي يمكنا فعلها لنشعر بالعيد، ولا أعلم إن كنت سأستطيع شراء مستلزماته العام القادم أم لا!”.
اقرأ أيضا:
بين الاستغناء والتقسيط.. كيف يقضي المصريون أيام شهر رمضان؟
صيام إجباري.. “رمضان لم يأت” في غزة (بودكاست)