04:30 م
الثلاثاء 06 يونيو 2023
كتب- عبدالله عويس:
«البس الباتا وتعالى الساحة».. كانت الجملة كافية ليدرك أحمد عبد الحميد، أنه على موعد مع مبارة ساخنة، يرتدى من أجلها حذاء محببا للاعبي الساحرة المستديرة، في الملاعب الترابية، والساحات الفارغة، والأزقة والشوارع. كان رخص سعر الحذاء وإمكانية القدرة على شرائه في الأماكن الشعبية، يجعله في أقدام الكثيرين.
يتذكر الشاب الذي بات عمره 37 عاما، تلك الأيام التي مضت، حين كان يحرص على شراء حذاء باتا للعب كرة القدم، لا سيما في المباريات المهمة كالدورات الرمضانية، والمباريات التي يكون اللعب فيها على «اللي يشيل» وهي العبارة التي تعني أن الخاسر سيدفع ثمن حجز الأرضية التي يجري اللعب عليها.
ورغم سنوات طويلة مرت على آخر مرة لعب فيها أحمد الذي يعمل في صيدلية الآن، كرة القدم، إلا أنه تذكر حذاء طفولته الشهير مع إعلان الجمعية العامة غير العادية للشركة المصرية للأحذية (باتا) إنهاء الشخصية الاعتبارية للشركة المندمجة في شركة المحاريث والهندسة، مع نقل ما للشركة المندمجة فيها من حقوق والتزامات، بحسب ما نشرته الجريدة الرسمية أمس.
«باتا كان حذاء رخيص، أي حد بيجيبه، مش بس اللي بيلعبوا الكورة، لكنه كان محط اهتمام الحريفة» يحكي الشاب الذي يتذكر مشاهد من فيلم «الحريف» لعادل إمام وهو يلعب كرة القدم مرتديا ذلك الحذاء، لكن مع قرار أمس بإنهاء الشخصية الاعتبارية للشركة، ومتابعته الأمر عبر مواقع إخبارية، تذكر تلك الأيام «كنت بهتم بنضافته جدا، وكنت بشخبط أول حرف من اسمي بالإنجليزي على الباتا عشان محدش يتلخبط وياخده بالغلط».
وكثيرا ما أعاد لاعبو كرة القدم المحترفين ذكرياتهم في مقابلات متلفزة وما ينشرونه عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حكاياتهم مع ذلك الحذاء، وكيف أنه مثل لهم فرصة مناسبة للعب كرة القدم بحذاء رياضي، تتميز مقدمته بجزء بلاستيكي قوي، يساعد في إحراز الأهداف، ويلائم لعب كرة القدم.
لكن للحذاء قصة عالمية، حين تأسست الشركة المصنعة له، عام 1894، في إحدى قرى جنوب التشيك، من قبل توماس وأنطوين وآنا باتا، وكانت الأحذية مشهورة بأنها رخيصة الثمن عالية الجودة، واستخدمها العمال آنذاك في أعمالهم المختلفة، ثم زاد انتشارها مع الحرب العالمية الأولى بصناعة أحذية ملائمة للجنود، ثم وصلت تلك الأحذية مصر في ثلاثينيات القرن الماضي. لكن الانتشار الحقيقي للشركة كان في عام 1931، حين بات للشركة مصانع في إنجلترا وألمانيا وهولندا وغيرها من الدول.
افتتحت باتا فرعها الأول في مصر، وحققت انتشارا، كانت الأحذية متنوعة للرجال والنساء والأطفال، ثم افتتح لها مصنعا في القاهرة، بجانب فروع أخرى في محافظات مختلفة في مصر، إلى أن جرى تأميمها في مصر عام 1961، وفصلها عن الشركة الأم، وظلت تحقق أرباحا عدة، إلى أن وقعت في خسائر متتالية وجرى تصفية كثير من فروعها. وظهرت عدة مرات محاولات لتطوير الشركة، لكنها آلت إلى إنهاء شخصيتها الاعتبارية أمس.
في عام 2012، دخل عمال شركة باتا إضرابا، للاحتجاج على كثير من الأوضاع، لكن مطلبهم بزيادة الحافز أسوة بشركة الكيماويات كان الهدف الرئيسي، ورغم الاستجابة للمطالب إلا أن وضع الشركة كان يسوء أكثر فأكثر.
يقول سامح مصطفى، وهو أحد سكان شبرا الخيمة، بمحافظة القليوبية، إن حذاء باتا القماشي، والذي كان مميزا في أقدام لاعبي كرة القدم في محيطه، فقد بريقه مع ظهور ساحات كرة القدم ذات النجيل الصناعي، والتي تتطلب أحذية رياضية حقيقية (ستارز) نظرا لأن حذاء باتا بلاستيكي من الأسفل، ولا يصلح مع كرة القدم في تلك الملاعب.
«أنا كنت بشتري باتا بـ9 جنيه تقريبا، زمان كان بـ5 وقبل كده بجنيه واحد، لكن مع النجيلة الصناعي، بقى في كوتشيات ستارز ورخيصة شوية برضه، لكن مش زي الباتا» يحكي الشاب الذي ما يزال يلعب كرة القدم حتى الآن، ويحتفظ بحذاء باتا قديم لديه، يلائم اللعب في الساحات الترابية.
كانت أحذية باتا التي يلعب بها كرة القدم، عرضة لارتدائها بين أكثر من شخص، لا سيما في المباريات المهمة التي ينسى فيها أحدهم جلب حذائه، وإذا كانت الخسارة متوقعة فإن لاعبا في فريق آخر قد يعطي الشخص حذائه إذا كان المقاس واحدا، وهو أمر يتذكره عبد الرحمن حسين، الذي لعب في مباريات عدة في دورات كرة قدم رمضانية في المطرية «أنا الجزمة بتاعتي زمان لبسها بتاع 5 أو 6 أشخاص، كانت الجزمة رخيصة وسعرها مقبول، والاشتراك في الدورة مش غالي، دلوقتي خلاص كبرت ومبقاش لي في الكورة».
على الموقع الرسمي للشركة الأم، تشير الصفحة الرئيسية إلى بيع 150 مليون حذاء سنويا، كما أن لديها 32 ألف موظف حول العالم، وتقدم خدماتها لأكثر من 75 جنسية، كما أن لديها 21 مكانا للتصنيع، بخبرة تزيد على 125 عاما، في تقديم أحذية جيدة بأسعار مقبولة وعصرية، بحسب الموقع الرسمي لشركة باتا.