06:12 م
الخميس 10 أكتوبر 2024
بي بي سي
“أنا وزملائي الصحفيين، بحاجة إلى 10 سنوات لننسى ما شهدناه خلال عام من الحرب، فماذا لو استمرت هذه الحرب لوقت أطول؟”.
المراسل التلفزيوني باسل العطار، يروي تجربته لبي بي سي، خلال تغطيته للحرب في غزة. يؤكد العطار أن هذه الحرب “شاهدنا فيها كصحفيين ما لم نتوقع في حياتنا مشاهدته”.
يوافق 10 أكتوبر، اليوم العالمي للصحة النفسية، وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن “الصحة النفسية والعمل مرتبطان ارتباطاً وثيقاً”، مشيرة إلى أن بيئات العمل الآمنة والصحية عامل وقاية للصحة النفسية.
نقابة الصحفيين الفلسطينيين نشرت في تقرير لها أن “الاحتلال قتل ما نسبته %11 من صحفيي غزة”، إذ أعلنت عن استشهد 167 صحفياً وعاملاً في قطاع الإعلام، منذ السابع من أكتوبر 2023، واعتقال 125 صحفياً من بينهم صحفيين اثنين قيد الإخفاء القسري.
مهمة تغطية الحروب والنزاعات المسلحة، قد تحمل في طياتها العديد من المخاطر الجسدية والنفسية على الصحفيين، تحت وطأة الحرب، والتطورات المتسارعة، يجابه الصحفيون ظروفاً صعبة، تحتم عليهم مواجهة مشاهد جثث الضحايا والقصف والدمار بشكل مباشر، ما قد يعرضهم لضغوط نفسية شديدة وطويلة الأمد.
يشير العطار، إلى أن الصحفيين أكثر الفئات تعرضاً لمشاهد “قاسية”، ما يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً عليهم، مضيفاً أنه “كصحفي مضطر لمشاهدة جثامين مقطعة من بينهم أطفال، ومصابين بوضع كارثي، بالإضافة إلى منازل مدمرة وضحايا تحت الركام”.
“ما شاهدناه يفوق استيعاب أي إنسان في العالم”
يؤكد العطار، أنه لطالما عمل في قطاع غزة الذي يعد “منطقة حرب”، لافتاً إلى أن الحروب التي قام بتغطيتها من قبل كانت “أقل حدة”، وما بين متابعة الميدان والاطمئنان على العائلة، يقول إن التأكد من تأمين مكان آمن للعائلة وتوفير الأساسيات، كمياه الشرب، يعرضه “لضغط نفسي كبير”.
وأضاف “كنت أقل حدة وأكثر استيعاباً لمن حولي، لكن بعد الحرب تغيرت سماتي الشخصية بشكل لا إرادي” وهو ما يعتقد أنه ناجم عن “الضغط الكبير” خاصة باستحضاره للعائلة عند رؤية “جثث الشهداء”.
يقول العطار إنه يستحيل النوم خلال ساعات النهار، نظراً لتسارع الأحداث، بينما يرى أن من واجب الصحفي أن يكون دائم الاطلاع على المستجدات، ما يبقيه قلقاً في الليل سواء من ناحية مهنية أو للاطمئنان على العائلة.
ويؤكد أنه بالرغم من ساعات العمل الطويلة وبعد نحو 16 ساعة من التغطية المتواصلة “أجد صعوبة في النوم” بسبب الضغط النفسي الحاصل نتيجة استرجاع المشاهد وأحداث اليوم من “جثث للضحايا”، ما يجعله يفضل العمل لساعات طويلة، على النوم الذي يجعله في ضغط نفسي جراء “الواقع الصعب في غزة”، إذ يقول العطار إن عملية التغطية المتواصلة، تجنبه من التفكير في تبعات هذه الحرب.
“بالرغم من ساعات العمل الطويلة والشاقة، أفضل الانشغال حتى لا أخرج من دائرة التغطية، إلى دائرة التفكير فيما بعد الحرب، الأمر الذي سيؤثر بشكل سلبي”، يحرص العطار على الاستمرار في التغطية التي تبقيه “منشغلاً”، ويؤكد أنه بعد الحرب سيستشير أطباء ومختصين نفسيين، ويوضح العطار أنه نتيجة “الدمار في غزة لايمكنني تصفية ذهني لو لدقائق”، لافتاً إلى أن “كل غزة بحاجة إلى علاج نفسي لأن ما يحصل طال الجميع”.
“أنا وجميع زملائي بحاجة إلى أطباء نفسيين”
يقول علي علوش، نقيب المصورين الصحفيين في لبنان، لبي بي سي، لقد “تدمرنا من مشاهد غزة قبل لبنان”، ويصف ما يحدث على الأرض بأنه “شيء فوق الخيال”. كما يؤكد أن مشاعر “الخوف من الموت” أو من الإصابة لا تفارق المصور الصحفي في الميدان. ويشير علوش إلى أن الأثر النفسي الحقيقي سيظهر بعد انتهاء الحرب، إذ “سترافق الذكريات المؤلمة الصحفي لفترات طويلة”.
“نحن بأزمة نفسية متراكمة”، فضل عيتاني، يعمل كمصور صحفي منذ 19 عاماً، وقام بتغطية “معظم الأزمات التي حصلت بلبنان”، منها حرب تموز و انفجار مرفأ بيروت، ويؤكد عيتاني أن بعد كل أزمة ترافقه حالة نفسية مختلفة، قد يستمر بعضها لعدة أيام فقط. بينما يقول عيتاني إن “الفرق بين جميع الأزمات السابقة وهذه الحرب التي نعيشها، هو رؤية النازحين والظروف الصعبة التي نزحوا بها”، ما أدى إلى “تدميره نفسياً”.
ويؤكد “أنا ومعظم زملائي من المصورين الصحفيين تعبنا”، لافتاً إلى أن الخوف يكمن في “أن يتكرر في لبنان ما يحصل في غزة”، بحسب تعبيره.
الصحفية هيا عرفات تقول لبي بي سي، إن وظيفتها كمنتجة شريط إخباري وعواجل، تجعلها “أول من يتلقى الصدمة” في غرفة الأخبار. وتشير عرفات، إلى أنه خلال عملها في الصحافة لأكثر من 13 عاماً، لم تشهد “مأساوية بحجم ووحشية هذه الحرب” أي حرب غزة، وتؤكد أنه “ليس من السهل رؤية عشرات الجثث بالشوارع”، وتصف تأثير الحرب على نفسيتها كصحفية بأنها “ثقيلة على القلب والعقل”.
يؤكد ربيع شاهين، رئيس تحرير في قناة تلفزيونية لبي بي سي، أن “البدايات تكون صادمة، ولكن مع توالي الأخبار والمشاهد (الجثث والأشلاء) تبدأ مشاعر الصدمة في التلاشي”، ويضيف شاهين أن الدور الصحفي يكمن في استبعاد الصور الصادمة عن عين المشاهد، لافتاً إلى أنه من متطلبات المهنة أن يكون للصحفي “رباطة جأش لإنهاء المهمة”.
“تجنب المشاعر السلبية يؤدي إلى تفاقمها لاحقاً”
الطبيبة والمعالجة النفسية، نهاية الريماوي، تؤكد في حديث لها مع بي بي سي، أن المجتمعات العربية ليست جديدة على النكبات والحروب، ما قد يشكل نوعاً من أنواع التكيف في الظروف القاسية. إلا أن الآثار النفسية المترتبة على الظروف الحالية، “هي من أسوأ الفترات التي نعيش بها وأهمها، شعور العجز واليأس”، بحسب الريماوي.
تقول الريماوي إن لمهنة الصحافة “ضريبة” يدفعها الصحفيون بمختلف مواقعهم، من خلال تعرضهم لضغوط نفسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وتضيف أنه سواء في الميدان أو داخل غرفة الأخبار، فالصحفي يتعرض لصدمات نفسية، قد تؤثر عليه حتى وإن كانت مناعته النفسية عالية، مؤكدة أن “الدماغ له خاصية بأنه يسجل كل الأحداث، ويعيشها كأنه يشارك بها.”
وفي إشارة لنتائج الضغط النفسي الذي قد يتعرض له الصحفيون، تشير الريماوي إلى أن ذلك يؤدي إلى “الاحتراق النفسي الوظيفي”، متسبباً لهم بمشاعر الغضب والخوف والحزن والألم، ما قد يؤثر على محيطهم الاجتماعي وعلى كفاءتهم بالعمل.
محاولة التعبير عن المشاعر السلبية والاعتراف بها وتجنب كبتها، يجنب الصحفيين العديد من الاضطرابات النفسية اللاحقة، منها القلق المزمن، الاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة، أو”عقدة الناجي” الناجمة عن شعور الذنب بالبقاء على قيد الحياة، بحسب الريماوي.
فالتراكمات النفسية والجسدية التي يتعرض لها الصحفيون نتيجة تعرضهم لفترات طويلة لمشاهد قاسية، قد يولد “شعوراً باللامبالاة وفقدان الأمل واليأس”. لذا تقول الريماوي أن الكتابة أيضاً تعد وسيلة هامة للتعامل مع أية مشاعر سلبية أو اضطرابات، كونها تساعد على “رفع قدرة التحمل”.