10:48 ص
الجمعة 25 أكتوبر 2024
واشنطن- (د ب أ)
يرى المحلل الأمريكي توماس جراهام أنه يكاد يكون من المؤكد أن روسيا بعد الصراع في أوكرانيا سوف تسعى لإبعاد التهديد العسكري الذي ترى أنه صادر من أوروبا عن حدودها قدر الإمكان من أجل الحفاظ والتأكيد على وضعها كقوة كبرى ومن أجل ضمان أمنها.
ويتساءل جراهام قائلا” هل التعايش محتمل بعد الحرب في أوكرانيا؟”
ويقول جراهام، الزميل بمجلس العلاقات الخارجية، وكبير مديري إدارة روسيا في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش الابن، في تحليل نشرته مجلة ناشيونال انتريست الأمريكية، إنه بعد الصراع في أوكرانيا سوف يكون التعايش التنافسي هو أفضل خيار.
وأوضح جراهام أن سمة القوة العظمى هي محور الهوية الوطنية الروسية وأنه حتى عندما كانت روسيا ضعيفة مقارنة بمنافسيها، استمر القادة الروس في الإيمان بأن بلادهم قوة عظمى، ولكنها تمر فقط بوضع سيئ مؤقت.
وبذل القادة أقصى ما في وسعهم لتأكيد امتيازات روسيا كقوة عظمى على المسرح العالمي. وهذا بالضبط ما فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما تولى السلطة منذ ربع قرن في وقت انهيار اقتصادي و فوضى سياسية في روسيا. وقام بوتين بذلك بصورة كبيرة من خلال مقاومة ما اعتبره جهودا بقيادة أمريكية للقضاء على أسس القوة الروسية.
وأشار جراهام إلى أنه لذلك، فإن نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، سواء كانت فوزا أو خسارة، من غير المرجح أن تدفع بوتين أو خليفته للتخلي عن طموحه الاستراتيجي، على الرغم من أنه قد يعدل من أساليبه.
وأوضح أن هناك ثلاثة تطورات يمكن أن تغير هذا التقييم وهي: تحقيق انطلاقة ديمقراطية أو تفكك روسيا أو تعرضها لانهيار اقتصادي. وجميع هذه التطورات احتمالات بعيدة التحقق.
وبدلا من ذلك، من المرجح أن تظل روسيا نسخة معترف بها من سلطتها التاريخية في الهيكل السياسي المحلي، وتوسيع بالنسبة لدوافع السياسة الخارجية ومتأخرة اقتصاديا وتكنولوجيا عن القوى العظمى الأخرى في العالم، ولكن عازمة على القيام بدور القوة العظمى.
وستحتفظ روسيا بأصول هائلة لتحقيق أهدافها، تتضمن امتلاكها واحدة من أكبر الترسانات النووية في العالم، وقدرات فضائية وسيبرانية هائلة، بالإضافة لكونها أكبر مستودع للموارد الطبيعية في العالم، كما أنها تشغل مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي. ونتيجة لذلك، ستظل روسيا تمثل تحديا خطيرا للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأوضح جراهام أنه من أجل أن تحافظ روسيا على سمتها كقوة عظمى، سيتواصل الضغط على طول الحدود بين الناتو وروسيا، الممتدة من بحر بارنتس إلى البحر الأسود حتى تخففه إجراءات الحد من التسلح ، وهو أمر غير مرجح حدوثه حتى العقد المقبل على الأقل.
وسوف تستخدم روسيا الأدوات السيبرانية والأعمال السرية والمعاملة التفضيلية لدول أوروبية معينة في جهد متواصل لتأخير إن لم يكن وقف ترسيخ كيان أوروبي سياسي من شأنه أن يؤدي لتقزيم روسيا من حيث تعداد السكان والثروة، وإمكانيات القوة مثلما تفعل الولايات المتحدة اليوم.
وقال جراهام إنه مع ذلك فإن التوتر الحتمي لا يعني أن يفضى إلى علاقة عدائية حادة مع روسيا، التي تتأرجح دائما على حافة المواجهة العسكرية المباشرة. وأضاف أن التعايش المتفق عليه يعد أمرا ممكنا، حتى لو كان تنافسيا.
وأشار إلى أنه من أجل تحقيق هذه الغاية، سوف يتعين على الولايات المتحدة والناتو الموازنة بين الردع والدبلوماسية، والاحتواء و الاشتباك، في سياستهما تجاه روسيا.
وقال جراهام إنه مع الحفاظ على وضع ردع قوي، يجب على دول الناتو اللجوء للعلاقات الدبلوماسية الطبيعية مع روسيا للتواصل بشأن المصالح المشتركة مثل التغير المناخي وإدارة النزاعات المستمرة، على سبيل المثال، الترتيبات الأمنية. كما يتعين على دول الناتو تخفيف العقوبات على روسيا تدريجيا للسماح باستعادة النشاط الاقتصادي ذي المنفعة المتبادلة والتواصل بين مواطني دول الناتو وروسيا. كما يجب على دول الناتو السماح بإعادة دخول روسيا إلى سوق الطاقة، طالما تم وضع قيود على الاعتماد المفرط على مصادر الطاقة الروسية.
وعلاوة على ذلك، يجب على دول الناتو الدفع لإقرار إجراءات الحد من التسلح، على غرار تلك التي تم توقيعها مع انتهاء الحرب الباردة، لتخفيف التوترات على الحدود.
واختتم جراهام تحليله بالقول إن هذا الوضع النهائي يعد بعيدا عن الشراكة الاستراتيجية المثالية التي جذبت القادة الغربيين والروس مع انتهاء الحرب الباردة. ولكن من المحتمل أن يكون ذلك أفضل وضع ممكن في عالم يشهد منافسة حادة بين القوى العالمية والإقليمية التي تظهر سريعا.