12:02 م
الأربعاء 05 يوليو 2023
باريس – (بي بي سي)
أمين كان بعمر 17 عاما عندما انتشلت رفاة شقيقه من سيارة محترقة.
يقول أمين بينما يتطلع إلى السقف”لقد كان شقيقي يتعاطى المخدرات منذ سن مبكرة”.
لقد جلسنا نتجاذب أطراف الحديث عن شقيقه الذي كان يهرب المخدرات قبل مصرعه في واحد من أكثر أحياء مرسيليا عنفا.
أمين الذي يبلغ من العمر حاليا، 19 عاما يقيم في منطقة بائسة، تسيطر عليها العصابات شمالي المدينة.
وعلى مسافة ليست بعيدة، يستند شابان على أحدى الحوائط، فهنا ينشط تجار المخدرات بشكل واضح.
يقول أمين إن تهريب المخدرات يعد أمرا مغريا بالنسبة للأطفال، والمراهقين هنا، والذين يحتاجون إلى المال.
ويضيف “لا توجد خيارات أخرى، فلا تأتي أي شركات للاستثمار هنا، ولا يمكن لأحد الحصول على أجر يزيد عن الحد الأدنى، الناس هنا يعملون في متاجر البقالة، أو كحراس، أو منظفين، لا يمكن لنا أن نصبح قضاة، او محامين أو محاسبين”.
ولهذا لم يشعر أمين بالتعجب لاندلاع موجة الاحتجاجات الأخيرة في فرنسا، والتي اشتعلت في عدة مدن منها مرسيليا، التي شهدت عمليات سلب ونهب لمتاجر عدة بينها متاجر أسلحة.
المظاهرات اندلعت بعد مقتل المراهق نائل برصاص أحد عناصر الشرطة في باريس.
ويضيف “نحن دوما نعاني نفس الفوضى، والمأساة، ولا يتغير شيء، لذلك أتفهم الغضب المشتعل في صدور الشباب، رغم أني لا أؤيد العنف”.
وكشفت الاحتجاجات حجم الغضب الكامن في صدور الكثيرين من الشباب في فرنسا، وقد التقينا مادو، وهي امرأة في منتصف العمر، وتعيش في نفس الحي قرب المقر الذي كان في السابق مخفرا الشرطة.
وكان هذا المخفر يمثل الرابط الوحيد الذي يربط بين سكان هذا الحي، وبين الحكومة الفرنسية، حتى ولو كان ذلك بشكل رمزي فقط.
وتقول مادو “الأمر يشبه الحياة في سلة القمامة، فلا أمن، والناس هنا يقضون حاجتهم في المصاعد، وعلى الدرج، فنحن بالنسبة للسياسيين لا نعني شيئا”.
وينفعل مراد، أحد ساكني الحي، وهو يخبرنا أن الجرذان تملأ المنطقة، وتعبث في كل مكان، مضيفا “لا نمتلك جميعا نفس الحقوق، والسياسيون يظهرون على وسائل الإعلام ويقولون إنه لا توجد تفرقة بين المواطنين في البلاد، لكن ذلك غير حقيقي”.
وربما لا يفهم الكثيرون مدى تعمق الطبقية في المجتمع الفرنسي، كما يفهمه أمين، والذي يعمل حاليا على إبعاد المراهقين في الحي عن الجريمة، ويدعم الأسر التي فقدت بعض أبنائها بسبب ذلك.
في العام الماضي، سُجلت 31 جريمة قتل في مرسيليا متعلقة بتجارة المخدرات، وانخفصت منذ بداية العام الجاري، إلى 23 جريمة، وكان ثلثا الضحايا دون سن 30 عاما.
وقد اعترفت الحكومة الفرنسية أخيرا بهذه المشاكل المأساوية.
وقبل عامين تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإصلاح الأمر في مرسيليا، وأعلن ميزانية ضخمة تناهز 5 مليارات يور، للتصدي للجريمة، ومكافحة الحرمان في مختلف أنحاء المدينة.
وعاد ماكرون قبل أيام من اندلاع الاحتجاجات الأخيرة إلى الميناء الفرنسي الواقع في أقصى جنوب البلاد، ليذكر المواطنين بوعوده السابقة.
وقال في بداية زيارته التي استغرقت 3 أيام، “يجب أن يتحرك كل شيء بشكل أسرع”، وقد زار ماكرون في جولته مخفرا للشرطة، ومركزا محليا، ومدرسة، وسجنا ومستشفى.
ورغم كل ذلك، وبعد مقابلة ماكرون مرتين، فقد أمين كل أمل، قائلا “عندما يأتي ماكرون يقوم بتقديم الوعود، ولا يستمع إلينا”.
حتى عمدة المدينة، بينوا بايان، يعترف أنه بحاجة للعمل بكد على إعادة جمع شتات المدينة.
ويقول “لقد كانت مدينتي منقسمة على نفسها، لسنوات طويلة، مقسمة بين الأغنياء والفقراء، بين من يحظون بالاعتبار في الأوساط العامة، وأولئك الذين لا يحظون به”.
ورغم أن المساواة يفترض أن تكون أحد أهم مكتسبات وقيم فرنسا الحديثة، إلا أنها حتى الآن تبقى مجرد أمل يطمح إليه البعض.