03:44 م
الأحد 02 مارس 2025
كتبت- سلمى سمير:
تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية تصعيدًا غير مسبوق على خلفية عدة ملفات متشابكة، أبرزها مراجعة اتفاقية الهجرة لعام 1968، واحتجاز الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، إضافة إلى موقف فرنسا من قضية الصحراء الغربية. وقد أدت هذه القضايا إلى تبادل التصريحات القوية بين البلدين، وسط مخاوف من دخول العلاقات في مرحلة جديدة من التوتر الدبلوماسي.
مراجعة اتفاقية الهجرة
في 26 فبراير 2025، أعلنت الحكومة الفرنسية نيتها مراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة مع الجزائر عام 1968، والتي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة فيما يتعلق بالإقامة والعمل في فرنسا. جاء هذا القرار بعد حادثة طعن في مدينة مولوز نفذها مهاجر جزائري كان قد خضع لأوامر ترحيل متكررة وصلت إلى 19 مرة، لكن الجزائر رفضت استقباله، وفق ما صرحت به السلطات الفرنسية.
وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، أن حكومته ستمهل الجزائر فترة تتراوح بين شهر وستة أسابيع لمراجعة جميع الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالهجرة. وحذر من أن عدم التعاون قد يؤدي إلى إلغاء الاتفاقيات بالكامل، مشيرًا إلى أن فرنسا لن تقبل استمرار الوضع الحالي.
لكن الجزائر لم تتأخر في الرد، إذ أصدرت وزارة الخارجية بيانًا أكدت فيه أن “أي مساس باتفاقية الهجرة لسنة 1968، التي تم أصلاً إفراغها من كل مضمونها وجوهرها، سينتج عنه قرار مماثل من الجزائر بخصوص الاتفاقيات والبروتوكولات الأخرى” كما رفضت الجزائر ما وصفته بـ”خطاب المهل والإنذارات والتهديدات”، مؤكدة أنها سترد بالمثل وبشكل صارم وفوري على أي قيود تفرضها فرنسا على حركة التنقل، دون استبعاد اللجوء إلى تدابير أخرى.
ووجهت الجزائر انتقادات حادة إلى فرنسا، متهمة إياها بـ”اللجوء المفرط والتعسفي في القرارات الإدارية بغرض ترحيل المواطنين الجزائريين، وحرمانهم من استخدام طرق الطعن القانونية التي يضمنها التشريع الفرنسي”، كما حذرت من أن هذه الإجراءات “تصب في مصلحة اليمين المتطرف الفرنسي، الذي يحاول اتخاذ العلاقات الجزائرية الفرنسية رهينة لخدمة أغراضه السياسية”.
احتجاز الكاتب بوعلام صنصال
إلى جانب أزمة الهجرة، زادت قضية احتجاز الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال من تعقيد العلاقات بين البلدين. فقد أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه إزاء تدهور الحالة الصحية لصنصال، المحتجز في الجزائر منذ نوفمبر الماضي. ووصف ماكرون احتجازه بأنه “غير مقبول”، معتبرًا أن هذه الخطوة لا تساعد على تحسين العلاقات بين باريس والجزائر.
وفي خطوة تصعيدية أخرى، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، عن اتخاذ بلاده تدابير تمنع مسؤولين جزائريين من دخول الأراضي الفرنسية، ردًا على رفض الجزائر استقبال المرحلين، واحتجاز الكاتب بوعلام صنصال. وأوضح بارو أن هذه الإجراءات “قابلة للتراجع” إذا أبدت الجزائر تعاونًا في ملف الهجرة.
ويُعرف صنصال بمواقفه النقدية تجاه النظام الجزائري، حيث سبق أن نشر كتبًا ومقالات تنتقد الوضع السياسي في البلاد. ويُعتقد أن احتجازه مرتبط بانتقاداته الأخيرة للحكومة الجزائرية، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير وحقوق الإنسان.
وردت الجزائر على الانتقادات الفرنسية ببيان مقتضب من وزارة العدل، أكدت فيه أن صنصال يواجه “إجراءات قانونية” بسبب “تصريحات تمسّ بأمن الدولة”، دون تقديم تفاصيل إضافية. لكن منظمات حقوقية دولية اعتبرت احتجازه مؤشرًا على تراجع الحريات في الجزائر، خاصة في ظل ازدياد القيود المفروضة على الصحافة والنشطاء.
الخلاف حول الصحراء الغربية
وإضافة إلى القضايا السابقة، تعد قضية الصحراء الغربية عاملًا آخر في تصعيد التوتر بين البلدين، حيث أبدت الجزائر استياءها من اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها، والتي تدعم الجزائر جبهة البوليساريو في السيادة عليها، واعتبرت الموقف الفرنسي “انحيازًا غير مقبول”، إلى المغرب وألمحت إلى أن ذلك قد يؤثر على التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين.
من جهتها، أكدت فرنسا أنها تسعى إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، لكنها شددت على دعمها لجهود الأمم المتحدة لإيجاد حل للنزاع.
وتعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، بينما تطالب جبهة البوليساريو الانفصالية بالاستقلال، ما أدى إلى صراع طويل الأمد بين الجانبين. وتمتد الصحراء الغربية على مساحة 252 ألف كيلومتر مربع على الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا، وتُعد منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يبلغ عدد سكانها 567 ألف نسمة وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة والبنك الدولي.
يسيطر المغرب على 80% من الإقليم، ويؤكد أنه جزء لا يتجزأ من أراضيه، مع قبوله منح المنطقة حكمًا ذاتيًا تحت سيادته الكاملة. في المقابل، تصر جبهة البوليساريو، بدعم من الجزائر، على إجراء استفتاء لتقرير المصير، استنادًا إلى اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991.