02:57 م
الإثنين 29 مايو 2023
(بي بي سي):
يمكن معرفة الأهمية الاستراتيجية العالمية لتركيا – التي زادت بشكل كبير بعد الحرب الأوكرانية – من خلال رد فعل مجموعة من قادة العالم الذين سارعوا إلى تهنئة رجب طيب أردوغان بفوزه في الانتخابات ليلة الأحد.
وكان أول من خالف المعهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إذ حرص على إرضاء غرور نظيره التركي وزميله “الرجل القوي”، ولم ينتظر حتى إعلان النتائج الرسمية للتصويت، محددا “سياسة أردوغان الخارجية المستقلة” سببا لانتصاره.
ويمكننا أن نفترض بأمان أن السياسة التركية التي ترضي روسيا بشكل خاص هي رفض أردوغان نبذ الكرملين بعد الغزو الشامل لأوكرانيا، حتى مع فرض حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) عقوبات على موسكو وخفض اعتماد هؤلاء الحلفاء في مجال الطاقة على روسيا.
ويتضح هذا في زيادة التجارة بين تركيا وروسيا بشكل كبير بعد بداية الحرب في أوكرانيا.
وفي أعقاب تهنئة بوتين الأحد جاءت تهنئة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وعلى الرغم من كراهية الاثنين لتقارب أردوغان مع الكرملين أولا، ثم تقليصه لحرية التعبير والمعايير الديمقراطية في الداخل خلال العقدين الأولين من رئاسته، فإن تركيا بالنسبة للرئيسين الأمريكي والفرنسي حليف مهم – وإن كان صعب المراس، ولا يمكن التنبؤ به – بالنسبة إلى الغرب.
وتركيا عضوة رئيسية في حلف الناتو العسكري، وتشارك في جميع مهامه.
وربما يبقي أردوغان علاقاته وثيقة مع روسيا – لكنه في الوقت نفسه يقدم مساعدة عسكرية لأوكرانيا.
ومن المعروف أنه توسط في صفقة أنهت بموجبها روسيا حصارا كان مفروضا على إمدادات الحبوب الأوكرانية، وسمح هذا لها بإرسال تلك الحبوب إلى أجزاء من العالم تعتمد عليها.
كما أعطى أردوغان – بعد تردد طويل – موافقته الرسمية على انضمام فنلندا المجاورة لروسيا إلى الناتو.
ويتحدث أردوغان، الذي كان مدافعا شغوفا عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، هذه الأيام عن “جعل تركيا بلدا عظيما مرة أخرى”.
وتطلب ذلك، بالنسبة إليه، وجود سياسة خارجية أكثر استقلالية. وطور على مر السنين علاقات جيدة مع جميع حلفائه.
ولم يخف البيت الأبيض نفاد صبره لإقناع أردوغان بالموافقة على عضوية السويد في الناتو أيضا.
وستوفر السويد غطاء مهما في بحر البلطيق للتحالف المناوئ لروسيا.
ويأمل الغرب في أن تكون الحالة المزرية للاقتصاد التركي – واحتمال أن يضطر أردوغان إلى التركيز على استقرار الأوضاع المالية وجذب الاستثمار الأجنبي – نقطة ضعف للضغط عليه من أجل موافقته على انضمام السويد إلى الناتو مقابل ذلك.
وما زالت تركيا والمجر الدولتين الوحيدتين في الناتو اللتين تمنعان عضوية ستوكهولم.
ويشعر الرئيس ماكرون بالقلق بشأن الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، ويأمل في الحصول على تأكيدات من الرئيس أردوغان في أقرب وقت ممكن.
وخلال أزمة الهجرة في عام 2015، بدأ أكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء – معظمهم من سوريا – رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط لبلوغ الاتحاد الأوروبي على متن قوارب مهربي البشر.
ثم أبرمت بروكسل اتفاقا مع تركيا. تعهدت فيه أن تقدم مبلغا كبيرا من المال، وأن تسمح بسفر الأتراك بدون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي – لكن ذلك لم يتم بالكامل بسبب اعتراض الاتحاد الأوروبي على سجن أردوغان للمنتقدين والمعارضين السياسيين – وسيبذل الرئيس التركي قصارى جهده لمنع المهاجرين الذين ليس لديهم وثائق من ترك المياه التركية لبلوغ الاتحاد الأوروبي.
لكن مسألة الأعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين الموجودين في الداخل أثبتت أنها لا تحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين الأتراك.
ووعدت جميع الأحزاب السياسية التي خاضت الانتخابات البرلمانية هذا الشهر باتخاذ إجراءات لحل “قضية المهاجرين”.
لكن الاتحاد الأوروبي يخشى من احتمال أن يؤدي دفع تركيا اللاجئين للعودة إلى سوريا إلى تعرضهم للخطر – ويخشى أيضا من أن تسمح تركيا لمهربي البشر مرة أخرى بإرسال قوارب طالبي اللجوء وغيرهم من المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط.
وما زالت بروكسل أيضا في موقف دفاعي، إذ تنخرط اليونان العضو في الاتحاد الأوروبي في نزاع مع أردوغان بشأن عدد من الجزر في بحر إيجه، بينما لا تزال قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي غاضبة بعد أن دعا أردوغان إلى تبني حل الدولتين (يونانية وتركية) للقضاء على الانقسامات المستمرة منذ الغزو التركي للجزيرة قبل نحو 50 عاما.
واعتاد الغرب على وصف الأهمية الاستراتيجية لتركيا على أنها الجسر بين أوروبا والشرق الأوسط – لكن غزو روسيا لأوكرانيا غيّر مكانة تركيا.
وليس هناك سوى قلة من المراقبين الذين يتوقعون حدوث مفاجآت كبيرة في السياسة الخارجية لأردوغان، وهو يبدأ ولايته الثالثة في السلطة. لكن حلفاء أنقرة الاستراتيجيين يراقبون الوضع عن كثب بالفعل.
فما تفعله تركيا مهم لهم فعلا.