09:20 م
الثلاثاء 10 أكتوبر 2023
كتبت- سلمى سمير:
جاء طوفان الأقصى مظهرًا أن شائعة السد المنيع الذي تتغنى به إسرائيل ما هو إلا أكذوبة، مع دهشة أقوى أجهزة الاستخبارات حول العالم -كما يدعو نفسه- من مباغتة العملية التي شنتها كتائب القسام، فهي وإن أثبتت شيء فهو أن إسرائيل البناء الحصين ماهو إلا بناء مكعبات بلاستيكية حيدها طوفان فار من تنوره جاعلها تُعيد حساباتها حول إعادة تشكيل قواها السياسية لإدارة موقف حكومة يمينية لم تلق إعجابًا منذ أن حطت خطواتها الأولى.
صدمة الطوفان أصابت الجميع فلم يقتصر عنصر المفاجأة على عنصر بعينه دون الآخر بدءًا من القيادة الإسرائيلية انتقالًا إلى الأمريكية، فإن استطاعت حركة المقاومة تحقيق نجاح فأوله زعزعة صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو أو “سيد الأمن” كما يُدعى في بلاده، مع فشل ذريع في التنبؤ بأي هجوم حاكته حماس في خفاء القطاع المحاصر الأمر الذي يُحتمل تأثيره على حكومة يمينية متطرفة لم تكمل عامها الأول حتى حُشدت ضدها الاحتجاجات منذ بداية فترتها اعتراضًا على تعديلات قضائية من شأنها زيادة صلاحيات نتنياهو الذي يسعى حاليًا للتعاون مع خصومه وإنشاء حكومة طوارئ كمحاولة لترميم موقفه أمام المجتمع الإسرائيلي.
منذ اللحظة الأولى للطوفان انهال سيل من الانتقادات اللاذعة فوق رأس نتنياهو الذي انشغل بتشكيل حكومة من المتطرفين متجاهلًا تحذيرات المسؤولين السابقين من تبعات قراراته على أمن إسرائيل إلا أن رئيس الوزراء استمر في تأسيس حكومته المتطرفة التي ضمت من اليمين أقصاه أولهم وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير المعروف بكرهه الشديد للعرب، ووزير المالية بتسليل سيموتيريش، إلا أنه يبدو أن نتنياهو قد يتراجع عن تمسكه بحكومة يمينية وينصاع لشروط الحلفاء الجدد.
ما شروط الحكومة الائتلاف الجديد؟
العملية العسكرية المباغتة، دفعت المعارضة القوية لنتنياهو لإبداء ترحيبًا في تشكيل حكومة ائتلافية بهدف عبور المرحلة الحالية، حيث أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد ووزير الدفاع السابق بيني جانتس، ترحيبًا في تشكيل حكومة ائتلافية تضم الأحزاب الثلاثة “الليكود” حزب نتنياهو، و”أزرق أبيض” التابع لجانتس، و”يش عتيد” التابع للابيد، التقى نتنياهو كلًا من المسؤولين السابقين، كما فعل سلفه في قيادة الليكود مناحيم بيجن، عام 1967 واشترك في حكومة واحدة مع رئيس الوزراء ليفي أشكول، حسبما أفادت صحيفة “هآرتس” العبرية.
ومع ذلك فإن الترحيب ليس مجاني فرغم إبداء الحلفاء الجدد استعدادهم لتنحية كافة الخلافات والتكاتف لأجل عبور المرحلة الحالية وتشكيل حكومة طوارئ ضيقة ومهنية، لكنهم اشترطوا عدة أمور أهمها استبعاد الوزراء المتطرفين مثل بن جفير وسيموتيريش من الحكومة الجديدة، مع تأكيد حزب “يش عتيد” بقيادة لابيد الانسحاب من تشكيل الحكومة في حال لم تلبى رغباته، واتفق معه في موقفه بيني جانتس، بتأكيده عدم قبول انضمام أي وزراء دون خبرة عسكرية في إشارة إلى بن جفير وسيموتيريش، وذلك حسبما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”
الشروط المطروحة لإنشاء حكومة الطوارئ تثير حفيظة نتنياهو مع رفضه استبعاد بن جفير وسيموتيريش من الحكومة الجديدة، وهو أمر أكد عليه زعيم “الليكود” في بيانه الاثنين، مع تصريحاته بتشكيل حكومة طوارئ “دون فرض شروط مسبقة”، وشدد على ذلك وزير في “الليكود” لم تذكر صحيفة “هآرتس” اسمه، قائلًا إن الحزب لن يتخلى عن بن جفير وسيموتيريش رغم كونهم محل انتقادات لوقت طويل، وبرر الوزير موقف الحزب بأن سيموتيريش يقود حزب “الصهيونية الدينية” الذي انضم العديد من عناصره في الحرب الدائرة في قطاع غزة لذلك لا يمكن المخاطرة بخسارة هذا العدد من مقاتلين الحزب في وقت عصيب مثل ذلك.
أهداف خفية
ويرى محللون أن نتنياهو لديه أهداف خاصة من الائتلاف الحكومي، أهمها تقاسم أي هزيمة محتملة مع الحلفاء الجدد، فترى صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، أن استهداف الجيش الإسرائيلي سابقًا لقطاع غزة اقتصر على إطلاق الصواريخ تجاه مناطق محددة أما الآن فالوضع مختلف مع وجود خطط لتحويل غزة إلى “جزيرة من الخراب” وهو ما صرح عنه نتنياهو عندما قال أن منطقة الشرق الأوسط ستتغير بعد انتهاء الحرب، وهو أمر من شأنه تغير النهج العسكري الإسرائيلي في التعاطي مع الحرب حيث أنها ستحتاج تلك المرة لاجتياح قطاع غزة بشكل بري موسع وهو ما سيكلف إسرائيل مئات القتلى من جنودها إضافة إلى الـ 900 قتيل خسرتهم بالفعل برصاص المقاومة الفلسطينية، وبهذا فإن مسؤولية نتائج المعركة ستتوزع عليهم جميعًا دون أن يتحمل نتنياهو نتيجة أي انحراف للخطة الموضوعة للمعركة.
وإضافة إلى تقاسم المسئولية مع غيره، يريد نتنياهو التخلص من اتهامات إبادة العرب وتهميشهم لذلك يخطط لتضمين مشاركين عرب ضمن حكومة الطوارئ في محاولة منه على ما يبدو سحب قضية الدفاع عن العرب من حركة حماس، وهو شيء يسير في الواقع وفق خطة نتنياهو مع مطالبة منصور عباس عضو الكنيست وأبرز سياسي عربي في إسرائيل، العرب في الأراضي المحتلة بعدم الاستماع إلى دعوات حركة حماس والخروج في انتفاضة عربية عامة، وذلك حسبما ذكرت صحيفة “ناشيونال”.
وسبب آخر لتشكيل حكومة الطوارئ هو أن نتنياهو إذا لم يعجل في إنشاءها سيواجه غضب إسرائيلي واسع، فيقول أستاذ الدراسات السياسية في جامعة بار إيلان بتل أبيب جيرالد شتاينبرج، لصحيفة “ناشينوال” الأمريكية أن المهم بالنسبة للإسرائيليين رؤية ذوي الخبرة والكفاءة يمسكون معًا بزمام الأمور وليس فقط نتنياهو ووزرائه المتطرفين، مؤكدًا أن رؤية نتنياهو هو كلما كان الائتلاف أوسع كلما كسب طمأنينة الجمهور الإسرائيلي إلى جانبه.