06:59 م
الإثنين 11 نوفمبر 2024
الإسكندرية – محمد البدري:
منذ إعادة إحيائها عام 2002، باتت مكتبة الإسكندرية منبرًا للمعرفة والتفاعل بين الشعوب والحضارات، مستعيدةً روح المكتبة القديمة التي كانت منارة للعلم والمعرفة في العصور الذهبية للمدينة، لتصبح واحدة من أبرز المعالم الثقافية في العالم، حيث مثلت مركزًا للإشعاع الثقافي والحضاري في مصر والشرق الأوسط.
إعادة إحياء رمز المعرفة القديم
تأسست مكتبة الإسكندرية الأصلية في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت تُعد أكبر مكتبة في العالم القديم، حيث ضمت مئات الآلاف من المخطوطات والكتب. كانت المكتبة مركزًا للبحث العلمي والفلسفي، وجذبت العديد من العلماء البارزين مثل إقليدس وأرشميدس.
أما المكتبة الحديثة فقد أُعيد افتتاحها في 16 أكتوبر 2002 بدعم من اليونسكو، بهدف استعادة روح الانفتاح والبحث التي ميزت المكتبة القديمة. تحتوي المكتبة الجديدة على ملايين الكتب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى لغات أوروبية أخرى.
تصميم معماري يجسد شمس المعرفة
بُنيت مكتبة الإسكندرية الجديدة بتصميم معماري فريد يعكس روح المكتبة القديمة. ويتميز المبنى الرئيسي للمكتبة بواجهته الدائرية المائلة التي ترمز إلى شمس المعرفة التي تشرق من البحر المتوسط. استخدم الجرانيت الرمادي في بناء الواجهة، وهو حجر اختير بعناية من أفضل المحاجر في صعيد مصر، وتحديدًا من أسوان، واستُخدمت حوالي 6,000 قطعة من الجرانيت الرمادي في بناء واجهة المكتبة.
جدارية تحكي تاريخ اللغات البشرية
تضم الجدارية الخارجية للمكتبة، التي صممتها الفنانة النرويجية جورن سانز، العديد من الرموز والنقوش والحروف الأبجدية من جميع أبجديات العالم على مر العصور التاريخية المختلفة. تمتد الجدارية على مساحة 6,000 متر مربع، وتم تقطيع الأحجار يدويًا لمنحها ملمسًا خشنًا طبيعيًا، مما زاد من قوتها وصلابتها.
تكلفة البناء والدعم الدولي
بلغت تكلفة بناء المكتبة 250 مليون دولار، تحملت الحكومة المصرية نصفها، بينما ساهمت الدول والمؤسسات المانحة بالنصف الآخر. ساهمت العديد من دول العالم والمنظمات الدولية في هذا المشروع الضخم، مما يعكس الأهمية الثقافية والعلمية للمكتبة.
الموقع التاريخي
أُعيد بناء المكتبة بالقرب من الموقع الأصلي للمكتبة القديمة التي اندثرت عام 48 قبل الميلاد. هذه الحقيقة أضفت بعدًا تاريخيًا للمشروع، خاصة أن الموقع ظل شاغرًا لسنوات وكأنه محفوظ لهذا المشروع التاريخي. وُضع حجر الأساس في 26 يونيو 1988، وبدأ في مايو 1995 تشييد أكبر جدار دائري مقوّى في العالم، حيث يمتد المبنى حوالي 18 مترًا تحت مستوى البحر، ويعد نجاحًا هندسيًا ومعماريًا هائلًا.
تكنولوجيا متطورة في خدمة البحث العلمي
تحتوي المكتبة على بنية تحتية رقمية متطورة، بما في ذلك أرشيف الإنترنت ونظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer) الذي يدعم جهود البحث العلمي في مصر والشرق الأوسط. تضم المكتبة مجموعة كبيرة من الكتب تُقدر بحوالي مليون ونصف كتاب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى لغات أوروبية أخرى مثل الألمانية والإيطالية والإسبانية ولغات نادرة مثل الكريولية ولغة هايتي وزولو.
كنوز وأسرار
تحتوي مكتبة الإسكندرية على مجموعة من الكنوز الثقافية والعلمية، منها مخطوطات نادرة تعود إلى العصور الوسطى والعصور القديمة، ووثائق تاريخية هامة، منها وثائق تتعلق بتاريخ مصر والعالم العربي. كما تعرض المكتبة مجموعة من المعارض الدائمة التي تسلط الضوء على تاريخ الحضارات المختلفة.
تفاصيل المكتبة بالأرقام
تمتد المكتبة على مساحة 85 ألف متر مربع، وتضم 10 طوابق، منها 4 تحت الأرض. وتتسع المكتبة لحوالي 2,000 قارئ في وقت واحد. تحتوي المكتبة على أكثر من 8 ملايين كتاب، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المخطوطات والوثائق النادرة.
وتضم مكتبة الإسكندرية 6 مكتبات متخصصة، منها مكتبة الفنون والوسائط المتعددة، ومكتبة طه حسين لضعاف البصر، ومكتبة الطفل، ومكتبة النشء.
تحتوي المكتبة على 15 مركزًا بحثيًا تغطي مجالات متنوعة من العلوم والفنون، وتستضيف حوالي 1,200 معرض سنويًا تعرض فيها أعمال فنية وثقافية من مختلف أنحاء العالم.
داخل مكتبة الإسكندرية امتداد لروح المدينة القديمة في عصرها الذهبي، مما جعلها أكثر من مجرد مكتبة، بل مجمعًا ثقافيًا ومركزًا للتميز في إنتاج ونشر المعرفة، وصرحًا للتفاعل بين الشعوب والحضارات. هي كنز حقيقي يضم بين جدرانه أسرارًا وكنوزًا لا تُقدر بثمن، تستحق أن تُكتشف.