جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
المهندس محمد مغربي
لم تكن سوى مباراة ودية، وفي أفضل الأحوال “بروفة” لترتيبات القدر التي ستجمع بين الفريقين في نفس العام بنهائي مونديال 1998، لكن كل ذلك تغيّر حين تقدّم شاب اسمه روبيرتو كارلوس أجبرته ظروفه الفقيرة على اللعب بكرة رمل ما منح رجليه قوة عضلات لم يتفوق عليه أحد فيها، وعلى بُعد 35 مترا أصدر تسديدته التي دارت بشكل غرائبي حتى سكنت شباك حارس فرنسا العملاق فابيان بارتيز، ومن وقتها صارت تلك اللحظة هي الأشهر، ومن وقتها أيضًا صارت تسديدات روبيرتو كارلوس تُدرس في معامل الفيزياء لتفسير حركة الكرة!.
كم استغرق العلماء؟، 13 عاما، هذا ما تقوله أبحاث جامعة كوليدج بلندن عام 2011، حين أثبتت أن الهدف المعجزة الذي اختير ضمن الأفضل في التاريخ، لم يكن وليد المصادفة، بل تطبيق لنظرية علمية تُعرف بـ”دوامة الكرة الدوّارة” وهو ما يسمح لها بحركة دائرية و انحراف خادع قبل أن تسكن الشباك، وإن كان شرط نجاحها أن تكون الضربة قوية لدرجة تجعلها تتغلب على سرعة الرياح وهو ما لم يتمكن منه سوى “كارلوس”.
لكن منذ 2011 وحتى الآن، زمن ولّى واختراعات كثيرة فقدت معناها بما هو أحدث منها، لذلك فلن يحتاج العالم 13 عاما أخرى ليُثبت نظرية ما أو يحلل ضربة كرة، لأن الذكاء الاصطناعي صار بإمكانه الآن، أن يحلل حركات الكرة، ويتوقع مسارها، بل ويتوقع أول المعترضين لها، كما أصبح بإمكانه أيضًا تحديد الزاوية التي إن اتبعها اللاعب صارت كرته هدف محقق دون الحاجة إلى “عضلات كارلوس” أو حتى مهارة مارادونا في اختيار زوايا تهديفية غير مألوفة.
تلك الحقيقة تنبّه لها نادي ليفربول الذي عقد شراكة مع “غوغل ديب مايند” لتطوير تقنية “Tactic Ai” وهو نظام ذكاء اصطناعي يعمل كمستشار تكتيكي، وفي ليفربول حللّت التقنية الجديدة بيانات نحو 7 آلاف ركلة ركنية لـ”الريدز” ليخرج في النهاية بنتيجة تحديد أفضل الطرق لتأديتها، كما تمكن من الوصول بنسبة 78% إلى أول لاعب من فريق الخصم سيتصدى لتلك الركلة، وهو ما سيؤدي لاحقًا إلى تغيير الاستراتيجية الهجومية والدفاعية لليفربول من أجل حصد البطولات.
وبحسب “بيتار” الباحث في هذا المشروع، فإن تلك التقنية لا تتوقف عند الركلات الركنية بل يمكنها تطبيق نفس الأسلوب بسهولة على الضربات الثابتة الأخرى أو مجريات اللعب بشكل عام خلال المباراة، بل حتى على رياضات أخرى مثل كرة القدم الأمريكية أو الهوكي أو كرة السلة.
وإذا كان ليفربول بحث عن طريق لحصد البطولة، فإن إشبيلية الإسباني استخدم الذكاء الاصطناعي في اختيار اللاعبين واكتشاف المواهب، وذلك بإعلانه منذ أسابيع، استخدام أداة مستشار استكشاف من منصة “واتسونكس، التابعة لـ”آي بي إم”.
وستعمل تقنية الذكاء الاصطناعي الجديد على تحليل أكثر من 200 ألف تقرير عن اللاعبين المحتمل انضمامهم للنادي، وهي تقارير تدرس البيانات الكمية مثل السمات الجسدية من طول ووزن وسرعة، إضافة إلى إحصاءات الأداء ومعدلات السرعة ونسبة تحقيق الأهداف وإمكانية تطور اللاعب، وبناء على نتائج التحليل سيتم ضم اللاعب للنادي الإسباني أو يتم اكتشاف لاعب جديد.
ومن داخل الساحرة المستديرة إلى خارجها، لم تتوقف أدوار الذكاء الاصطناعي بعد أن لجأت أندية كرة القدم في أستراليا إلى عقد شراكة مع منصة حماية إلكترونية تسمى “جوبابل” ومهمتها حماية كل من يتابع حساب أي لاعب أو فريق أو بطولة من أي مواد مسيئة على الإنترنت وذلك للحفاظ على سلامة الجميع داخل وخارج الملعب.
بالطبع تلك مجرد نماذج لأن استخدامات الذكاء الاصطناعي في أندية كرة القدم أصبح لا حصر لها، وكل نادِ أصبح يبحث عن ما يريد سواء تحقيق بطولات أو اكتشاف لاعبين وما إلى ذلك، حتى صار السؤال الذي يؤرق البعض هل هناك مستقبل للمديرين الفنيين أم ستتولى التقنيات الحديثة كل شيء، وإن كان هذا مردود عليه بأن الذكاء الاصطناعي ربما يقلل تواجد العنصر البشري ولكنه لن يلغيه، وحدث ذلك في مجالات أخرى، لكن الأهم، والذي دفعني لكتابة هذا المقال هو السؤال، كيف يفكر العالم وكيف مازلنا نحن واقفون عند أيهما أفضل، خطة 442 أو 532 ثم نُحمّل الخطط النتائج إن فشلنا أو نجحنا ما يجعلنا تطبيق للإفيه الشهير “إحنا بُعاد أوي يا لطيف”.