كتبت- منال المصري:
قدم مصرفيون، تحدث إليهم مصراوي، عددا من الإجراءات والمقترحات الملحة أمام متخذي القرار بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية للعمل على إنجازها، بما يساعد على خروج مصر من الأزمة الاقتصادية الحالية.
وأوضح المصرفيون أن من هذه المقترحات العمل على تسريع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن رفع قيمة قرضه لمصر، وحسم ملف سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وتفعيل اتفاقية بريكس بهدف الخروج من ضغوط نقص موارد النقد الأجنبي.
وفاز الرئيس عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية التي عقدت في وقت سابق من هذا الشهر بنسبة كاسحة مقارنة بمنافسيه، ليتولى بذلك رئاسة مصر لفترة جديدة لمدة 6 سنوات حتى 2030، في وقت تواجه فيه الدولة حزمة من التحديات بسبب التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك التبعات السلبية من استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
مفاوضات الصندوق وجدولة الديون من الإجراءات الملحة
حدد محمد عبد العال، الخبير المصرفي، مجموعة من الإجراءات التي يجب على الدولة اتخاذها بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية وذلك لحسم عدد من الملفات الفورية الملحة وقصيرة ومتوسطة المدى بهدف إخراج الاقتصاد من الأوضاع الحالية الضاغطة، بما يحتم الاستعانة بكوادر اقتصادية محترفة تدير الملف الاقتصادي مع إعطائهم كافة الصلاحيات دون إملاءات حتى يتمكنوا من تفكيك الأزمة الراهنة.
وتشمل الإجراءات الفورية حسم بعض الملفات ومنها استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لرفع قيمة القرض المقدم لمصر لـ 5 مليارات دولار أو أكثر مقابل 3 مليارات حاليا، والاتفاق على تنفيذ المراجعتين الأولى والثانية على برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري تمهيدا لصرف 700 مليون دولار من القرض، وكذلك حسم سياسة سعر الصرف حر أو مدار أو ثابت، وفق ما قاله عبد العال.
ومنذ موافقة صندوق النقد الدولي على إقراض مصر 3 مليارات دولار في ديسمبر 2022 لم يصرف إلا شريحة واحدة منه بقيمة 347 مليون دولار بسبب إرجاء مراجعته الأولى والثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتعاون فيه مع مصر، واللتين كان من المقرر إجراؤهما في مارس وسبتمبر الماضيين.
وأدى تأجيل المراجعتين إلى عدم صرف 700 مليون دولار قيمة الشريحتين الثانية والثالثة من القرض، وهو ما أرجعه البعض إلى عدم التزام مصر بسعر صرف مرن للجنيه مقابل الدولار.
وأضاف عبد العال أن حسم سياسة سعر الصرف من الملفات الفورية التي تحتاج مصر لحسمها عند عودة التعامل مع الصندوق في مدى قدرة مصر على تنفيذ سعر صرف حر للجنيه مقابل العملات الأجنبية، أو سعر صرف مدار يديره البنك المركزي وهو يعد الأقرب لحالة وأوضاع مصر.
وأوضح أن اتباع مصر سعر صرف حر للجنيه من الصعب تنفيذه بسبب عدم وجود موارد نقد أجنبي كافية تدير عملية تحرير سعر الصرف، وقد يحتاج البنك المركزي إلى توفر 8 و10 مليارات دولار قبل قرار “تعويم الجنيه”، تجنبا لزيادة الضغوط عليها بما يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار لحد غير متوقع.
وتواجه البنوك ضغوطا شديدة من نقص النقد الأجنبي بعد خروج استثمارات غير مباشرة بقيمة 22 مليار دولار منتصف العام الماضي، بسبب التبعات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية.
كان الدولار ارتفع مقابل الجنيه بشكل رسمي بالبنوك بنسبة 96% خلال آخر 21 شهرا على 3 موجات بعد عودة البنك المركزي مجددا للالتزام بسياسة مرونة سعر الصرف بعد الحياد عنها خلال عامي كورونا 2020 و2021.
وعاد البنك المركزي لمرونة سعر الصرف بهدف القضاء على الدولرة، وذلك ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، لكن سعر الجنيه مستقر منذ مارس الماضي وحتى الآن.
وبحسب عبد العال، فإن ملف إعادة جدولة الديون قصيرة الأجل إلى طويلة الأجل يعد من الإجراءات الملحة التي تحتاج مصر إلى حسمها خلال الفترة المقبلة، مع حسم إطلاق مؤشر الجنيه مقابل عدد من العملات الأجنبية والذهب بدلا من التركيز على الدولار فقط، وفق ما أعلن عنه حسن عبد الله محافظ البنك المركزي في وقت سابق من العام الماضي.
التنسيق بين السياسة النقدية والمالية
قال عبد العال إن التنسيق بين السياسة المالية التي تمثلها وزارة المالية والنقدية المتمثلة التي يمثلها البنك المركزي أمر ضروري خلال الفترة المقبلة لضمان عبور مصر من الأزمة الاقتصادية، وتراجع معدلات التضخم- أي السيطرة على وتيرة زيادة الأسعار- التي سجلت أرقام قياسية خلال 2023، قبل أن تتراجع في الشهرين الأخيرين.
كما يعد الحفاظ على نمو احتياطي النقد الأجنبي من الملفات الملحة التي تحتاج من البنك المركزي المصري استمرار العمل عليها في الفترة المقبلة، وفق ما قاله عبد العال.
وواصل احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي المصري الزيادة خلال آخر 15 شهرا (بمجموع نحو ملياري دولار) ليسجل 35.17 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي، وهو ما جاء بعد أن فقد نحو 7.85 مليار دولار خلال الفترة من مارس إلى أغسطس 2022، بسبب التبعات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية.
ملفات قصيرة المدى
قال محمد عبد العال، إنه بعد تنفيذ الإجراءات الفورية تحتاج مصر إلى تنفيذ إجراءات قصيرة المدى تتضمن عددا من الملفات وهي العمل على زيادة نمو قطاع السياحة، وعودة جذب تحويلات المصريين العاملين بالخارج عبر القنوات الرسمية من خلال طرح أوعية بنكية بأسعار فائدة مرتفعة بالدولار وحوافز أخرى، إلى جانب العمل على تحسن التصنيف الائتماني لمصر.
وتراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنحو 26% في الفترة بين يوليو 2022 إلى مارس 2023، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من شح العملة الصعبة، لتتراجع إلى حوالي 17.5 مليار دولار من 23.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي، وفق أداء ميزان المدفوعات، الصادرة من البنك المركزي.
ملفات متوسطة وطويلة الأجل
وفق ما قاله عبد العال، فإن ملف جذب المزيد من الاستثمارات وزيادة الصادرات بشكل عام يعد من أهم الملفات التي تحتاج إلى تضافر جهود الدولة بهدف إحلال الواردات بالمنتج المحلي بما يقلل استنزاف الدولار ويسهم في توفير نقد أجنبي من حصيلة التصدير.
كما يعد هذا الملف من الملفات الهامة على الأجل المتوسط باعتبار الصادرات من ضمن موارد النقد الأجنبي الرسمية للدولة، بجانب العمل على تحفيز البنية الاستثمارية لجذب مستثمرين أجانب للعمل في السوق المصري بما يساهم في تشغيل أيدٍ عاملة، وكذلك زيادة معدل نمو إنتاج الدولة.
ومن أهم الملفات التي تحتاج من الدولة للتعامل معها استمرار التوسع في شبكة الحماية المجتمعية التي لابد أن تكون نصب أعين كل متخذي قرار، وفق ما قاله عبد العال.
الاكتفاء الذاتي أولوية
قالت سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، لمصراوي، إن الدولة تحتاج خلال الفترة الرئاسية الجديدة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال توطين الصناعة، وحصول الشركات المصنعة على تسهيلات ومزايا ضريبية، وكذلك التوسع في الرقعة الزراعية.
وأضافت الدماطي أن قطاع الصناعة يعد من القطاعات الواعدة ويفتح فرصا وآفاقا جديدة للمزيد من تدفقات النقد الأجنبي وتشغيل الأيدي العاملة، وكذلك التوافق مع التحول العالمي إلى دعم الطاقة الخضراء الصديقة للبيئة.
البريكس ضربة للسوق السوداء
اتفقت سهر الدماطي مع محمد عبد العال، حول أهمية تفعيل انضمام مصر لاتفاقية البريكس مع بداية العام الجديد، كما هو مقرر لها، والذي سيكون إحدى أهم الوسائل في تحفيز مبادلة التجارة باستخدام العملات الوطنية وبالتالي تخفيف الضغط على استنزاف الدولار، بما يساهم في تحجيم السوق السوداء تمهيدا للقضاء عليها.
وأوضحت الدماطي أن انضمام مصر إلى تكتل البريكس سيفتح لها مجالا أكبر في تبادل المصالح التجارية من خلال العملات الوطنية مع أكبر دول في التكتل مثل روسيا والهند والصين، بخلاف الدول الأخرى.
كانت مجموعة دول بريكس وافقت في أغسطس الماضي على انضمام عدد من الدول للتكتل ومنها مصر والسعودية والإمارات وإيران، على أن يتم تفعيل عضوية هذه الدول من أول يناير 2024.
وسعت العديد من الدول إلى الانضمام لتجمع بريكس خلال الفترة الماضية للاستفادة من مميزات الانضمام للتجمع في الفترة الأخيرة، منتظرة حسم مصير عضويتها في اجتماعات المجموعة التي عقدت في أغسطس الماضي، والتي أسفرت عن إعلان ضم 6 دول جديدة منها الدول المذكورة، إلى جانب الأرجنتين وإثيوبيا.
وتأسس التكتل الاقتصادي العالمي في عام 2009، والذي من شأنه أن يكسر هيمنة الغرب وينهي نظام القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة بعضوية 5 دول وهي روسيا والصين والهند والأرجنتين وجنوب أفريقيا.
ويسعى التكتل لتحسين الأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء وتوفير التمويل اللازم لإنشاء المشروعات بعيدا عن هيمنة الدولار، وذلك من خلال التركيز على تحسين الوضع الاقتصادي العالمي وإصلاح المؤسسات المالية، وكذلك مناقشة الكيفية التي يمكن بها للبلدان أن تتعاون فيما بينها على نحو أفضل في المستقبل.
وتمثل دول مجموعة بريكس نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% سكانه، ووصلت مساهمة المجموعة إلى 31.5% من الاقتصاد العالمي.