كتبت- منال المصري:
قال خبراء مصرفيون تحدث إليهم “مصراوي”، إن طلب الرئيس للحكومة بإعادة مراجعة الاتفاق المدعوم من صندوق النقد الدولي سيكون حول بعض الشروط التي تتسبب في تسارع معدل التضخم مثل ترشيد الدعم على السولار والبنزين، ومرونة سعر الصرف.
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال جلسة حوارية بالمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية أمس، إنه “لا بد من مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إذا كان سيضع الناس في وضع غير محتمل”.
وأَضاف الرئيس “لو لم يُؤخذ في الاعتبار التحديات التي نواجهها، بما في ذلك أننا فقدنا 6 إلى 7 مليارات دولار من دخل قناة السويس ومن المحتمل أن يستمر هذا الوضع لمدة سنة- وإذا كان البرنامج المتفق عليه مع الصندوق سيجعلنا نضغط على الناس، لا بد للحكومة من مراجعة هذا الاتفاق”.
كانت مصر رفعت سعر البنزين بجميع أنواعه والسولار بين 7.7% إلى 17% يوم الخميس الماضي للمرة الثالثة خلال 2024 ضمن إجراءات ضبط المالية العامة للدولة وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
كان صندوق النقد الدولي وافق في أبريل الماضي على رفع قيمة القرض من 3 إلى 8 مليارات دولار بعد إعلان البنك المركزي تحرير سعر الصرف.
والتزمت مصر بحزمة من الإجراءات والسياسات في برنامج صندوق النقد الدولي أهمها الالتزام بسعر صرف حر للجنيه مقابل العملات الأجنبية، وترشيد الدعم على السولار والبنزين، وتخارج الدولة من أصول مملوكة لها لصالح القطاع الخاص لسد فجوة التمويل الخارجي.
وبالفعل أعلن البنك المركزي تحرير سعر الصرف في مارس الماضي بهدف القضاء على السوق السوداء لتجارة العملة وسد فجوة التمويل الخارجي.
وزاد سعر الدولار 60% مقابل الجنيه ليقفز من 30.94 جنيه إلى 48.65 جنيه بالبنوك.
مرونة سعر الصرف
قال محمد عبد العال الخبير المصرفي، إنه يمكن لمصر التقدم بطلب لصندوق النقد الدولي لطلب مراجعة بعض شروط برنامج الإصلاح الاقتصادي، بفعل التبعات السلبية للتوترات الجيوسياسية بالمنطقة الخارج على إيراداتها.
وأوضح أنه من الطبيعي عندما تواجه دولة ظروفًا خارجية غير متوقعة مثل الحروب أو التوترات الجيوسياسية الخارجة عن إرادتها فيمكن لها التقدم إلى صندوق النقد الدولي لطلب مراجعة لبعض شروط البرنامج بالتخفيف أو التأجيل وليس الإلغاء.
وفي هذه الحالات، تعتبر مثل تلك الطلبات جزءًا من علاقة التعاون المستمرة بين الدولة وصندوق النقد الدولي، حيث يسعى كلا من الحكومة والصندوق إلى تحقيق توازن بين تنفيذ الإصلاحات الضرورية والحفاظ على الاستقرار والسلام الاجتماعي، وفق ما قاله عبد العال.
أدت التوترات الجيوسياسية بالمنطقة إلى فقدان مصر نحو 60% من إجمالي إيرادات قناة السويس خلال آخر 8 أشهر ماضية، وفق تصريحات سابقة لرانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
ورجح عبد العال أن يوافق صندوق النقد الدولي على مراجعة شروط البرنامج وتأجيل بعض بنوده بناءً على طلب الدولة المعنية، حيث يتفهم الصندوق أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية يمكن أن تتغير بشكل يؤثر على قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، وبالتالي قد يكون مرنًا في إعادة التفاوض بشأن الشروط.
كانت مصر حصلت على 1.64 مليار دولار من صندوق النقد الدولي على شريحتين في أبريل ويوليو الماضيين بعد إتمام 3 مراجعات من برنامج قرض الصندوق.
وتترقب مصر خلال الأشهر المقبلة بدء صندوق النقد الدولي إجراء المراجعة الرابعة لصرف 1.3 مليار دولار الشريحة الرابعة من قرض الصندوق.
تحديات أمام مصر
وأشار عبد العال إلى أن مصر واجهت تحديات عديدة في بداية تنفيذ برنامج القرض مع الصندوق عديدة مثل التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما دفع الحكومة إلى طلب تعديلات في بعض بنود البرنامج.
تسارع معدل التضخم السنوي على مستوى مدن مصر للمرة الثانية مسجلا 26.4% في سبتمبر من 26.2% في أغسطس الماضي، بسبب رفع سعر البنزين والسولار في يوليو الماضي قبل الزيادة الأخيرة.
وأوضح عبد العال أنه تم التوصل إلى اتفاق مع الصندوق في وقت سابق وبعدة مناسبات لتخفيف بعض الشروط أو تأجيل تنفيذ أهداف معينة لضمان استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
تبعات ترشيد الدعم على المحروقات
وقالت سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقا، إن تنفيذ شروط الصندوق ستؤدي إلى استمرار تسارع معدل التضخم بما يتطلب التفاوض مع الصندوق لتنفيذ البرنامج على مراحل من خلال خطة محكومة.
وأضافت سهر لمصراوي، أن استمرار زيادة أسعار البنزين والسولار أو مرونة سعر الصرف- وفق شروط الصندوق- سيتسبب في زيادة الأسعار وارتفاع معدل التضخم.
تجارب تاريخية
وأشار عبد العال الخبير المصرفي إلى وجود تجارب تاريخية دولية، توثق سابقةً التفاهم مع الصندوق على شروط أكثر ملاءمة خلال فترات تنفيذها لبرامج الإصلاح الاقتصادي على سبيل المثال تمكنت الأرجنتين من التفاوض على شروط أكثر ملاءمة خلال محادثاتها مع صندوق النقد الدولي، خاصة في ضوء الأزمات الاقتصادية التي مرت بها.
وأوضح أنه تم تعديل بعض الشروط لتحسين الحماية الاجتماعية وإعطاء الحكومة مزيدًا من المرونة في التعامل مع القضايا الاقتصادية المحلية.
كما استجابت أوروبا وصندوق النقد الدولي لتغير الظروف في اليونان عن طريق تخفيف بعض المتطلبات، مثل تمديد المواعيد النهائية لتنفيذ الإصلاحات وتقليل الأهداف المالية التي كان يتعين على اليونان تحقيقها.
وفى حالة مماثلة سابقة، استطاعت باكستان إقناع صندوق النقد بتخفيف متطلبات معينة لتمكين الحكومة من تنفيذ سياسات تهدف إلى دعم الفئات الأكثر ضعفًا.
وأحيانًا، يُسمح بتعديل في الجداول الزمنية للإصلاحات أو تعديل الأهداف المالية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
هل من السهل التفاوض مع الصندوق؟
أكد عبد العال أن “الأمر ليس بالسهولة التي قد نتصورها فالأمر يحتاج وقت، وجهد، ومفاوضات قد تطول دون سقف زمني ولكن يتعين على مصر أن تجهز ملفا كاملا مفصلا يوضح ملابسات وأسباب تقديم الطلب وعرض للأوضاع الاقتصادية والنقدية الطارئة من كل النواحي وانعكاساتها على الأوضاع الاجتماعية للمواطنين”.
وأَضاف أن ذلك يتطلب من الحكومة تقديم تصور عن المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المحتملة، بدقة وشفافية، والتي تبرر تقديم طلب التفاوض على بعض المراجعات التي يتعين تحديدها بدقة وشفافية كما يتعين تقديم خطط وسيناريوهات ومقترحات بديلة لما هو مطلوب تعديله.
من ناحية أخرى من المتصور أن تسعى مصر للحصول على تأييد ودعم الدول الصديقة والداعمة، وفق عبد العال.
وأضاف أنه إذا نجحت مصر في إتمام ذلك تكون قد خففت على كاهل مواطنيها بعض من قسوة تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي وتضمن في ذات الوقت تعاون الصندوق ومؤسسات التمويل الدولية الأخرى ودول الدعم في الالتزام بسداد المخصصات المحددة من قبلهم لمصر دون توقف أو تأخير.