كتبت- منال المصري:
تسود حالة من عدم اليقين مصير مستقبل اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي في التعاون لتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي يموله الصندوق بقيمة 3 مليارات دولار، وسط حالة تحفظ مصرية من تطبيق بعد الإجراءات الملحة التي يشدد الصندوق على تنفيذها من أجل إجراء المراجعة الأولى والمضي قدما في البرنامج.
ووسط تساؤلات تسود الأوساط الاقتصادية وتكهنات باحتمالية عدم التوصل إلى نقطة اتفاق وبالتالي صعوبة استكمال البرنامج، يقترح مصرفيون عددا من البدائل لجذب مصر تدفقات دولارية في الفترة المقبلة خاصة مع بعد بطء تنفيذ بيع حصص الدولة في 32 شركة ضمن برنامج الطروحات، وهو أيضا أحد الإجراءات المطلوبة ضمن برنامج الصندوق.
ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه مصر من ضغوط لتراجع المعروض من النقد الأجنبي، وزيادة حجم الالتزامات الخارجية (تمويل الاستيراد، وسداد الديون).
واستبعاد خفض قيمة الجنيه الذي لمح إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا باعتباره أمنا قوميا قد يؤدي إلى زيادة الضغوط من صندوق النقد الدولي الذي يلح لضمان استمرار التعاون بضرورة اتباع مصر سعر صرف أكثر مرونة.
وقال الرئيس خلال أحد المؤتمرات منتصف الشهر الماضي: “وانت بتقرب من سعر الصرف علينا الانتباه كي لا ندخل في أزمة فوق الخيال، ونحن نتمتع بمرونة في سعر الصرف لكن عندما يتعرض الأمر لأمن مصر القومي والشعب المصري يضيع فيها لأ، عندما يكون تأثير سعر الصرف على حياة المصريين وممكن يضيعهم إحنا منقعدش في مكاننا”.
بينما أكدت كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، بعدها بأيام، أهمية اتخاذ مصر خطوات للتحول لنظام سعر صرف أكثر مرونة للجنيه من أجل حماية احتياطي النقد الأجنبي، مشبهة دعم العملة بأنه أشبه “بسكب الماء في وعاء مثقوب”، مؤكدة ثقتها بأن الرئيس السيسي سيتخذ القرار الصائب لصالح البلد.
سندات آسيوية والطروحات وقرض من بنك البريكس
قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، لمصراوي، إن مصر أمامها بدائل أخرى للحصول على موارد تمويلية بالنقد الأجنبي، بخلاف الاتفاق مع صندوق النقد، لكن اللجوء إلى هذه البدائل لا يعني وقف التعامل مع الصندوق سواء على المستوى الفني أو التمويلي.
وأضاف عبد العال أن طرح مصر سندات بالعملات الآسيوية (مثل الباندا الصيني) هو أحد الحلول أمام مصر لجذب تدفقات نقدية بعد صعوبة اللجوء إلى الأسواق الدولية (يوروبوندز) لطرح سندات دولارية بسبب ارتفاع تكلفة أسعار الفائدة حاليا.
كان الدكتور محمد معيط، وزير المالية، قال لمصراوي الشهر الماضي، إن مصر تستهدف طرح سندات باندا (صينية)- لأول مرة- خلال النصف الثاني من العام الميلادي الجاري، ويجري العمل على إعداد الطرح.
وتحظى السندات بالعملات الآسيوية مثل الصين أو اليابان بثقل كبير دوليا باعتبارها من العملات الوسيطة- بين العملات المحلية للدول الناشئة والدولار واليورو- بما تتمتع به العملتان من ثقل في التجارة الخارجية العالمية.
وليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها مصر سندات بعملات آسيوية، فقد باعت العام الماضي سندات يابانية (ساموراي) بقيمة 500 مليون دولار.
وتوقع عبد العال، جذب برنامج الطروحات الذي يشمل بيع حصص مملوكة للدولة في 32 شركة وأصلا مستثمرين أجانب وخليجيين خلال الفترة القادمة بما تتمتع به مصر من فرص استثمارية هائلة.
كان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، توقع في تصريحات سابقة، جذب مصر 2 مليار دولار قبل نهاية يونيو الماضي من بيع حصص في شركات مطروحة للبيع.
وقالت الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط، في تصريحات تليفزيونية مؤخرا، إنه تم تحقيق المستهدف من الصفقات في العام المالي الماضي، وإن هناك صفقات تمت بالفعل وسيتم الإعلان عنها بعد عيد الأضحى.
وقالت سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر، والخبيرة المصرفية، لمصراوي، إن دخول مصر في عضوية بنك التنمية الجديد التابع لتجمع دول البريكس يسهل حصولها على قرض من البنك بما يعزز من مواردها الدولارية.
وأصبحت مصر بشكل رسمي عضواً جديداً في بنك التنمية الجديد منذ 22 مارس الماضي، وهو البنك الذي أنشأته دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، بعد استكمال الإجراءات اللازمة، بحسب بيان سابق صادر لمصر.
وتم إنشاء بنك التنمية الجديد من قبل دول “البريكس” على أساس اتفاقية حكومية دولية، تم توقيعها في قمة البريكس السادسة في مدينة فورتاليزا البرازيلية في يوليو 2014، بغرض تمويل مشاريع البنية التحتية، والتنمية المستدامة، في دول البريكس والبلدان النامية.
وذكرت الدماطي أنه من الأفضل أن تبحث مصر عن خيارات أخرى عن صندوق النقد الدولي خاصة بعدما لم يحدث تقدم ملحوظ في تمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري بشكل يعالج أزمة نقص العملات الأجنبية بشكل سريع، بل على العكس تم خفض التصنيف الائتماني بعد فترة قصيرة من موافقة الصندوق على الاتفاق.
وأضافت الدماطي أن مصر تحظى بعلاقات قوية مع صناديق ومؤسسات إقليمية مثل المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة وبالتالي يسهل عليها الحصول على تمويلات بأسعار فائدة منخفضة مقارنة بأسعار الفائدة المرتفعة في الأسواق الدولية.
تنمية الموارد والتبادل بالعملات الوطنية
اقترح عبد العال تفعيل اتفاقيات بين مصر وعدد من الدول مثل روسيا والهند والخليج للتبادل السلعي بالعملات الوطنية للتقليل من سطوة الدولار على التجارة الخارجية باعتبار ذلك أحد أهم الحلول للخروج من أزمة نقص وفرة النقد الأجنبي.
ورغم إدراج البنك المركزي الروسي العام الماضي الجنيه المصري ضمن سلة عملاته لم يتم الإعلان على تحديد اتفاقية تمويلية للتبادل التجاري بين الدولتين بالعملتين المحليتين.
وبحسب عبد العال، فإن استمرار الحكومة في سياسة تقييد الاستيراد وإعطاء أولوية للسلع الأساسية في الوقت الراهن قد يكون أحد الحلول لتجنب تعميق أزمة النقد الأجنبي.
كان الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أعلن في بيان اليوم، أنه تم الإفراج الجمركي عن سلع وبضائع ومنتجات مستوردة بمختلف الموانئ والمنافذ الجمركية بنحو 32 مليار دولار خلال الخمسة أشهر الماضية، وأن الأولوية كانت للسلع الأساسية ومكونات التصنيع الغذائي والأدوية ومستلزمات الإنتاج.
وطالبت سهر الدماطي بضرورة العمل على تنمية موارد مصر الأساسية من النقد الأجنبي عبر بعض الإجراءات منها دعم الصادرات وتوسيع القاعدة الصناعية، بجانب الاهتمام بالسياحة، إلى الاستمرار في تنفيذ خطة بيع حصص مملوكة للدولة في بعض الأصول من أجل زيادة التدفقات الدولارية وتقليل أزمة نقص المعروض.
ويشهد عجز الميزان التجاري تراجعات كبيرة خلال الشهور الماضية بنسب تصل إلى نحو 50% مقارنة بنفس الشهور من العام السابق، بحسب بيانات متتالية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وانخفض عجز الميزان التجاري بمعدل 28.4% بما قيمته 6.2 مليار دولار ليقتصر على نحو 15.5 مليار دولار خلال النصف الثاني من عام 2022 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق عليه، بحسب آخر بيانات صادرة عن البنك المركزي بشأن ميزان المدفوعات.