جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يظل التعليم والنهوض به الشاغل الرئيسي لأي مجتمع واعٍ ومدخل أية سياسة تنموية. ومنذ بداية الألفية الثالثة نمى اتجاه عالمي لتطوير التعليم من خلال استحداث اقترابات غير تقليدية، وفي مقدمتها اقتراب” تعليم ما بعد الاستعمار de-colonizing education.
ومن أهم خصائص تلك الاقترابات بعدها عن المركزية الأوروبية. ومما يثير الانتباه أن مبتكري تلك الاقترابات هم من الدول والمدارس الفكرية الأوروبية.
ويقصد بتعليم ما بعد الاستعمار التحرك بعض الشيء بعيدا ً عن الغرب كمركز أوحد للمعرفة. ومن أهم اهداف هذا الاقتراب الحد من سيطرة المركزية الأوروبية على الجانب التربوي والمعرفي، وذلك من خلال محاولة التعلم بشكل مختلف.
ويطرح اقتراب ما بعد الاستعمار في العملية التعليمية عدداً من التساؤلات التي تدور حول ممن نتعلم وكيف نتعلم. كما أنه اقتراب يدعو إلى الاستماع إلى أصوات أخرى من دول غير غربية ومن قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما يدعو هذا الاقتراب إلى مراعاة الابعاد النوعية الاجتماعية في التعلم، وذلك عبر الانفتاح على الباحثات والعالمات من إثنيات وعرقيات مختلة من اللواتي يقدمن رؤى مختلفة للتعلم وللعلوم.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يمتد تطبيق تعليم ما بعد الاستعمار إلى المناهج والطرق التي يتم بها جمع البيانات وكتابة الأبحاث العلمية.
وفي الوقت الذي يدرك فيه التربويون في الغرب المتقدم أهمية تفكيك المركزية الأوروبية والاستفادة من معطيات الثقافات الأخرى وخلق مناخ تربوي وتعليمي متنوع وثري، نجد دول الشرق الأوسط تحديداً تمعن في تقديس المركزية الأوروبية، حيث يتجلى هذا التقديس في المناهج المستقاة بشكل كامل من المناهج الأوروبية، بالإضافة إلى سيادة الثقافة الغربية في المؤسسات التعليمية الأساسية أو مؤسسات التعليم العالي. وخلاصة تلك الثقافة أن كل ما هو غربي فهو صحيح وما دون ذلك ضد العلم والتقدم.
كما أنه في الوقت الذي يحاول فيه الغرب إثراء علومه وتوسيع معارفه بالانفتاح على علوم ومعارف وخبرات غير غربية نجد أنفسنا نتنصل من كل ما هو ” مشرقي ” ونستنكر كل مفكر أو مؤسسة تحاول المزج بين ما هو غربي وما هو مشرقي، إلى أن وصل الأمر إلى تجريم هؤلاء الأشخاص والمؤسسات ونعتها بالتخلف والرجعية.
وفي الواقع نحن بحاجة إلى إجراء مراجعات فكرية من أجل الانفكاك التدريجي من الحتميات الغربية في السياسات التربوية ومضمون المناهج التعليمية ليس بغرض رفضها أو عدم استخدامها، بل من أجل تنويعها وإثرائها وجعل المعرفة أكثر موضوعية بتنويع مصادرها ومناقشة الحقائق التي يطرحها الغرب بوصفها حقائق مطلقة لا تقبل الشك أو التأويل.
ولا أظن أن الغرب يدعونا إلى ذلك أو يجبرنا على تبني علومه ونظرياته بدون نقاش وبدون إثراء تلك المعارف بمعارفنا وعلومنا.
ولكن… زمار الحي لا يُطرب!