08:19 م
الأربعاء 29 مايو 2024
– مارينا ميلاد:
قبل نحو 7 أعوام، ظهر نبات غير مألوف رؤيته كثيرًا في مصر، ذو أوراق كثيفة بيضاوية الشكل، تشبه أوراق الزيتون، لكنها جلدية الملمس ومغطاة بطبقة من الشمع.. كان ذلك على أرض قاحلة، غير مأهولة بالسكان، واقعة في عمق صحراء جنوب مدينة العلمين، تسمى “المُغرة”.
وقتها، لم يكن كثيرون يعرفون بهذا النبات “الجوجوبا”، ولم يتخيل أحد أن هذه الأرض غير المهيأة للزراعة ولا الحياة يمكن أن تستضيفه. لكن حسام عبد القادر (المهندس الزراعي) وفريقه كان مؤمنًا بما يفعله وبأهمية زراعته لهذا النبات الذي ستحتاجه مصر لاحقًا.
ويبدو أن “حسام” كان على حق.. فقبل بضعة أيام، حَلّت سيرة نبات الجوجوبا في حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال افتتاحه عددًا من المشروعات بجنوب الوادي، فأشار إلى أهميته وضرورة التوسع في زراعته.
فما قصة هذا النبات “المهم” لمصر والمسمى بـ”الذهب الأخضر”؟
2011
بينما كانت الأحداث تشتعل في مصر بعد ثورة يناير، كان حسام عبد القادر يفكر في شيء آخر، في “مجازفة”، على حد وصفه، ستتخذها شركته “جوجرين” التي تعمل في زراعة الخضراوات.. فابتعد نحو 200 كيلومتر من القاهرة وبدأ زراعة نبات الجوجوبا، ليصبح من القلائل الذين أدركوا مبكرًا “أنه من أكثر النباتات الملائمة لمصر، كما أنه مطلوب عالميًا، وسيزداد الطلب عليه مع الوقت”، كما يقول.
فذلك النبات البري، الذي تصـل دورة حياته إلى 100 عـام، وربمـا تتجـاوز الــ 200 عام، تعطي بذوره زيتًا نقيا فريدًا بنسبة تزيد على 40% من وزن النبات، وفقا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء.
اختار له “حسام” أرض المُغرة المهجورة غير المُستغلة، فهو يستقر بشكل أساسي بالمناطق الصحراوية. ولا حاجة لمياه كثيرة لزراعته، حيث يُروى بالتقطير من 12 إلى 15 مرة فقط في العام، وتتحمل شجرته الناضجة عدم الري لعام كامل، وهو ما يتناسب تمامًا مع الموارد المائية في مصر.
فباتت مصر تعاني من مشكلة شح المياه، التي تخنق مصادرها عوامل عدة كزيادة السكان لأكثر من 103 ملايين نسمة، التلوث، وتأثير تغير المناخ وارتفاع الحرارة.
ولا يرفض الجوجوبا أيضًا الري بمياه الصرف الصحي المعالج، التي يبلغ كميتها 5.23 مليار متر مكعب، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (عام 2021/ 2022)، إلى جانب أنه يحتاج لكميات قليلة من الأسمدة العضوية، ويتحمل درجات عالية من الملوحة. لذا استطاع مواجهة مناخ أرض المُغرة القاسي والمتغير، كذلك المياه التي بلغت ملوحتها من 5000 إلى 9000 جزء من المليون.
ولأن الظروف المناخية وطبيعة الأرض في مصر تُرحب بالجوجوبا على هذا النحو، فتقل تكلفة إنتاجه نحو 50% مقارنة بدول أخرى، وفي المقابل يدر أموالا جيدة، فيبلغ متوسط إيراد الفدان نحو 6 آلاف جنيه على الأقل، ويزيد سنويًا، وتمثل مخلفاته علفًا غنيًا، لاحتوائها على 30% من البروتين، ويدخل زيته في العديد من الصناعات، وفقا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
ولعل أهم استخدامات زيته هي الوقود، فنبات الجوجوبا “يمكنه توليد وقود تزيد قدرته على الاحتراق عن الـسولار بمقـدار 7%، وفي نفس الوقت ينتج عوادم أقل، كما يحافظ على الموتور والمحركـات لفتـرة أطول”، بحسب ما انتهت إليه دراسة بعنوان “أزمة الوقود في مصر، وإمكانية زراعة نبات الجوجوبا” الصادرة عن جامعة الأزهر عام 2018.
كل ذلك لم يخف على “حسام” عندما بحث وراءه، ووجد أن أمريكا وإسرائيل تسيطران على أسواقه العالمية.
وقبل أن ينطلق “حسام” في مشروعه بسنوات طويلة، كانت هناك بداية متواضعة للجوجوبا في مصر تعود لمنتصف الثمانينات، عندما جاءت منظمة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لإجراء مشروع تجريبي في الأقصر لزراعته ونجح بنتائج غير متوقعة آنذاك، وفقا لمجدي ملوك، (رئيس الفريق العلمي بالشركة المصرية الخليجية)، الشركة التي عملت منذ نحو 20 عامًا على دراسة الجوجوبا، ثم بدأت زراعته.
يقول “مجدي”: “لم ندرس الجوجوبا في كلية الزراعة، حتى حين عملت في الوزارة لم نكن نعرفه”. لكن الوضع تبدل تمامًا لديه ولدى شركته فيما بعد، تحديدًا في أخر خمس سنوات بعدما على صوت أزمات المناخ والبيئة، كما يذكر. فصار لديهم مصنع لاستخلاص الزيوت من البذور، يتعاونون مع شركات لصناعة المنتجات منه كالمبيدات الحيوية ومستحضرات التجميل، ويصدرون شتلاته لدول عربية كالسعودية والإمارات.
والآن تستهدف شركة “مجدي” زراعة الجوجوبا ضمن مناطق الاستصلاح الجديدة سواء في سيناء أو البحر الأحمر أو مرسى مطروح، بحسب ما يقوله المهندس اسماعيل محمد (رئيس الشركة)، الذي وصفه بـ”الشجرة المثالية”.
وصحيح أن أشجار الجوجوبا “تقاوم الموت”، حسب وصف محمود العسقلاني (رئيس جمعية مستثمري أرض المغرة التي تضم نحو 8 شركات)، إلا أنها عاصفة “التنين” التي ضربت مصر قبل أربع سنوات، دمرت كل ما جناه “حسام” منها في لحظة وأعادته إلى نقطة الصفر، لكنه قرر ألا يستسلم وأن يزرعها مجددًا.
تدور الأيام، ويشعر “حسام” أنه على صواب، حين أعلن السيد القصير (وزير الزراعة واستصلاح الأراضي) خلال مؤتمر افتتاح عدد من المشروعات، أن مصر ستتجه أكثر ناحية التوسع في زراعة الجوجوبا واستخدامه لإنتاج الوقود الحيوي بحلول 2030.
هذا الاهتمام المفاجئ الذي بدا في حديث الوزير ومن قبله الرئيس السيسي، اعتبره مجدي ملوك (رئيس الفريق العلمي بالشركة المصرية الخليجية) أنه “يوم ميلاد الجوجوبا في مصر”، فأكبر التحديات في رأيه “هو معرفة الناس به، وبأنه لا ينافس المحاصيل التقليدية، فلا يزرع بأرض صالحة للمحاصيل الغذائية العادية”.
وعند أعضاء جمعية مستثمري أرض المغرة، كان وقع تلك الأحاديث كبيرًا، فيرى محمود العسقلاني “أن ما جرى يدفع نحو مواصلة العمل، لكن بدعم أكبر من الدولة، دعم يقف في وجه تحديات كالتمويل والمعوقات الحكومية”.
أما حسام عبد القادر، فتذكر وهو يشاهد ذلك، يوم بدأ زراعة أرض المغرة، واستغربه الجميع بما فيهم مسؤولو وزارة الزراعة، فقال له أحدهم “هذه الأرض ربما لم يدخلها أحد من مئات السنين”، لكن “الآن الرئيس يتحدث عنا وأمريكا تعرف المغرة بسبب الجوجوبا”.. هكذا يقول.
لكنه لابزال ينتظر أكثر من ذلك، يأمل أن يتحقق حلمه، أن يضم إليه أرض المغرة بأكملها، والمُقدرة بـ300 فدان، فحسب قوله “فهناك مالكون لتلك الأراضي القاحلة لا يستفيدون منها”، وأن يصبح الجوجوبا مثل القطن قديمًا، ذائع الصيت، له بورصة، وتحتل مصر أوائل المراكز في زراعته.
اقرأ أيضا:
حرب المناخ على الأرزاق.. كيف بدل التغير المناخي حياة جمعة وإبراهيم وماجد؟
من قايتباي إلى الدير الأحمر.. آثار الأجداد في قبضة المناخ