جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
“نحن الطوفان.. نحن اليوم التالي”.. هذا الشعار الذي أبرزته حركة حماس خلال تسليم الدفعة الأخيرة من الرهائن الإسرائيليين قبل عدة أيام، يعكس تصور الحركة لمستقبلها.
هذا التصور مبني على ثنائية تاريخية: المقاومة والسياسة أو الحكم.
قبل أيام من هذا الإقرار العلني، كان هناك اعتقاد بأن الحركة أمام 3 سيناريوهات:
1- الحكم من خلف الستار، عبر اختيار حكومة تكنوقراط تُديرها فعليًّا كي لا تتحمل مسألة المطالبات اليومية لأهالي غزة.
قبل 7 أكتوبر، كان غالبية سكان القطاع يعيشون على الدعم والمساعدات، وطالما وُجهت لحماس انتقادات في هذه المسألة.
تريد حماس أن تبقى بعيدة مؤقتًا في ظل التحفظات العربية على إعمار القطاع في ظل وجود الحركة.
وتلعب على الاختفاء من الأفواه الجائعة والمطالبات اليومية واللوم المتوقع مع سوء حالة القطاع.
2- الدخول في هدنة طويلة مع إسرائيل، حتى تستعيد صفوفها، بعد مقتل غالبية قياداتها العسكرية، وما يقرب من ثلثي قوامها العسكري، وفقًا للتقديرات الإسرائيلية.
هذا السيناريو اتضح جليًّا في تصريحات خليل الحيّة، القيادي البارز في الحركة، الذي أعلن إمكانية الدخول في هدنة طويلة مع إسرائيل تصل إلى 5 سنوات.
صحيح أن حماس نجحت في تجنيد ما فقدته من قوامها وفق بعض التقديرات، لكن ليس بنفس الجاهزية القتالية.
حماس من خلف هذا السيناريو تريد شراء المزيد من الوقت لاستعادة قوامها العسكري بمكوناته السابقة.
3- الدخول في شراكة مع باقي الفصائل الفلسطينية وتوحيد الصفوف، كخطوة لدولة واحدة محتملة، بدلاً من العيش فيما يشبه الفيدراليات.
كانت الترجيحات تميل إلى إمكانية اختيار حماس للسيناريو الثالث، لكن الحركة حسمت المسألة بالكلية وأعلنت أنها هي “اليوم التالي” في القطاع.
هذا السيناريو غير البراجماتي يعكس حجم التحولات الداخلية في هياكل الحركة الفكرية والعسكرية.
حتى عام 2012، كانت الحركة إخوانية خالصة، لكن ومنذ انتقالها من سوريا إلى قطر، برزت على جسدها الملامح الإيرانية، بعزل خالد مشعل من منصبه لانتقاده الرئيس السابق بشار الأسد.
حماس اليوم لم تعد إخوانية كما كانت، لكنها أصبحت جزءًا مما يسمى بمحور المقاومة الذي تحركه إيران وحدها.
هذا لا يعني أن الأيديولوجية الإخوانية محببة أو أكثر تفضيلاً، لكنها كانت أكثر براجماتية من النسخة الإيرانية للجماعة.
هذا التحول نحو المزيد من التصعيد المتواصل بعيدًا عن الأيادي القطرية دفع الدوحة لتضييق الخناق على مكتبها السياسي.
كثيرون من قيادات الجماعة أُجبروا على ترك الدوحة نحو إسطنبول وعواصم أخرى، دون إعلان رسمي.
تفضيل الجماعة لوضعها السابق؛ ثنائية السلطة والمقاومة، يجعل منها مهددًا رئيسيًا لمستقبل القضية الفلسطينية.
جزء من تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسيطرة على غزة يكمن في عدم رغبته في وجود حماس في “اليوم التالي” للقطاع.
معضلات إعادة الإعمار العربية مرهونة في جانب منها ببقاء حماس في السلطة أو في إدارة القطاع من خلف الستار.
لم يعد أحد على استعداد لإنفاق المليارات كي تدمر في “اليوم التالي” في سيناريو شبيه بـ 7 أكتوبر.
أحد المسامير في نعش سيناريو التهجير الذي يطرحه ترامب يجب أن يُدق بإعلان حماس تخليها عن السلطة والاندماج مع باقي الفصائل، لكن المرجح أنها لن تفعل ذلك، بالرغم من أن بقائها في السلطة أحد مهددات مستقبل القضية بالكامل.