واشنطن – (بي بي سي)
عندما يُحاكم دونالد ترامب في قضية الوثائق السرية، سيتعين على المحكمة إيجاد 12 شخصا لتمثيل هيئة المحلفين في ولاية فلوريدا، لكن ينبغي على أولئك التزام الحياد والتخلي عن أي أفكار أو آراء مسبقة بشأن ترامب. وبطبيعة الحال، لن يكون ذلك بالأمر السهل.
ومن المفترض أن يقيّم المحلفون القضية على أساس المعطيات العملية، وليس وفقا لآرائهم المسبقة عن المدعى عليه. لكن وبما أن الأمر متعلق بشخصية مشهورة ومستقطبة مثل ترامب، فقد يكون ذلك صعبا للغاية، وفقا لما قاله محامون من الولاية لبي بي سي.
ولثبوت الإدانة، يتعين على هيئة المحلفين الإجماع على ذلك القرار. ولن يتطلب الأمر سوى محلف واحد يصوت لصالح ترامب حتى تخسر حكومة الولايات المتحدة قضيتها ضد الرئيس السابق.
سيستخدم كل من المدعين الفيدراليين وفريق الدفاع القانوني لترامب كل أداة ممكنة – الاستجواب العدواني، والنقض، والمناورات القانونية، وربما حتى المختصين النفسيين – لمساعدتهم على التخلص من المحلفين المتحيزين. لكن حتى التكتيكات الأكثر تعقيدا وحنكة لا يمكنها ضمان عدم الوقوع في شرك الخداع.
قال روب مندل، محامي ولاية فلوريدا، “العنصر الأكثر خطورة هو الأشخاص الذين لديهم أجندات… عليك أن تكون متيقظا لكافة من لديهم أجندات خفية”.
هيئة محلفين مستقطبة سياسياً
تتهم وزارة العدل ترامب ومساعده بأخذ وثائق سرية بشكل غير قانوني من البيت الأبيض، والاحتفاظ بها في أماكن غير آمنة في منزله الشخصي، بالإضافة إلى عرقلة جهود الحكومة لاستعادتها.
وقد قدم فريق ترامب إقرارا ببراءته نيابة عنه، ووصف القضية بأنها “حملة ممنهجة” ومسيسة للنيل من الرئيس السابق. كما اتهم الفريق، بدون دليل، الرئيس الديمقراطي جو بايدن بمحاولة التدخل في الحملة السياسية لترامب.
وحدد القاضي الفيدرالي المشرف على القضية موعدا مبدئيا للمحاكمة في 14 أغسطس / آب. على الرغم من أنه من المتوقع تأجيل بدء المحاكمة، إلا أن الأمر أعاد مجددا التركيز على التحدي المتمثل في اختيار هيئة محلفين عادلة ونزيهة في ولاية يتمتع فيها ترامب بدعم راسخ وكبير من قبل الكثيرين، ولكن في الوقت نفسه ينظر إليه آخرون بنوع من الازدراء.
سيتم اختيار 12 شخصا من سكان المنطقة الجنوبية لفلوريدا، وهي الولاية القضائية المتنوعة سياسيا التي تغطيها هذه المحكمة الفيدرالية، لتقرير الجانب الذي سيفوز في نهاية المطاف.
وقد صوتت بعض المقاطعات في الولاية، مثل مقاطعة ميامي دايد، بشكل حاسم لصالح جو بايدن في انتخابات عام 2020. لكن في مناطق أخرى، مثل منطقة كي ويست في مقاطعة مونرو، صوت نحو 53 في المئة من الناخبين لصالح ترامب. كما أنه يحظى بدعم قوي بين أفراد المجتمع الكوبي كبير العدد والمؤثر في ميامي، ثاني أكبر مدن الولاية.
لازارو إسينارو، من مواليد ميامي وهو في الأربعينات من عمره، كان قد حضر محاكمة ترامب في 13 يونيو / حزيران بصفته فردا من الجمهور، وقد رفض “الاتهامات الخادعة” التي قدمها “الغوغاء صنيعة الحزب الديمقراطي، ووسائل الإعلام”.
من ناحية أخرى، انتقد جيف روش، وهو أيضا أحد سكان ميامي تحدثت إليه بي بي سي في ذلك اليوم، الرئيس السابق دونالد ترامب ووصفه بأنه “محتال وكذاب”.
استبعاد أصحاب الأجندات
هذا هو المناخ السياسي الذي يجب على القاضي والمدعين العامين والدفاع أن يختاروا في ظله محلفين عادلين خلال عملية مهمة تعرف باسم (فوا دير) voir dire، وهو المصطلح الفني لاختيار هيئة المحلفين.
وخلال عملية اختيار هيئة المحلفين، يمكن للطرفين (الدفاع والادعاء) طرح أسئلة على المحلفين المحتملين. كلاهما لديه نفس الهدف: تعيين محلفين عادلين، ولكن أيضا اختيار من يحتمل أن يصدر حكما يصب في مصلحته بصورة أو بأخرى.
قال المحامي مندل: “الجميع يسمي ذلك اختيار هيئة المحلفين، لكنه في الحقيقة استبعاد من هيئة المحلفين”.
وأضاف مندل أنه لو كان يمثل ترامب، لوظف فريقا من الخبراء السياسيين وعلماء النفس للمساعدة في صياغة الأسئلة للعثور على الأشخاص الذين قد يدعمونه في هيئة المحلفين.
وسيتطلع إلى تحديد المجموعات الرئيسية التي تظهر استطلاعات الرأي أنها من المرجح أن تدعم الرئيس السابق، معطيا مثالا على ذلك بالأمريكيين الكوبيين أو الأشخاص الذين لهم صلات بإنفاذ القانون.
وقال الخبراء إن المدعين العامين أيضا، سيدققون في المحلفين المحتملين عن كثب بحثا عن أي شخص لديه دعم واضح لترامب.
ولكن حتى الاستجواب الأكثر حنكة ودقة يمكن أن يغفل عن “أصحاب الأجندات الخفية” التي ذكرها مندل.
وقالت الدكتورة تامارا رايس لاف، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة ميامي: “قد لا يقول أحدهم الحقيقة أثناء عملية الاختيار”. وتابعت أنه في حال نجاح شخص ما، قد أخفى آراءه السياسية، في حجز مقعد ضمن هيئة المحلفين، “من شأن شخص كهذا أن يسمم أفكار المحلفين الآخرين – وبالتالي إقناعهم بالتصويت بما ينسجم مع ما يريده”.
يعتقد مندل أنه سيكون من الصعب للغاية العثور على لجنة من المحلفين في فلوريدا، لا تضم مؤيدي ترامب المخلصين. وقال “أولئك الذين لن يدينوه تحت أي ظرف من الظروف – رغم القسم الذي يؤدونه والتعليمات التي يعطيها لهم القاضي”.
يلعب القضاة دورا مركزيا في استبعاد المحلفين الذين قد يكونون متحيزين تجاه أي من الطرفين. في حالة ترامب، سوف يقع هذا العمل على عاتق قاضية فلوريدا أيلين كانون، التي رشحها الرئيس السابق بنفسه في عام 2020.
الآراء محسومة مسبقا
مع استخدام ترامب لقنواته الاجتماعية لتسمية المحاكمة بـ “الحملة الممنهجة” للنيل منه، واتهامه الحكومة بمحاولة “تزوير انتخابات عام 2024″، فمن المحتمل أن تتصاعد حدة التوتر بمجرد بدء المحاكمة.
وقد أشارت الدكتورة لاف إلى أن أنصار ترامب “اقتحموا الكونغرس فعليا” في 6 يناير/ كانون الثاني عام 2021، وأن الخطاب، وخاصة من قبل اليمين السياسي، أصبح مشوبا بالعنف بشكل متزايد.
وتساءلت الدكتور لاف “كيف سيشعر الناس في هذه البيئة المشحونة؟ وبوجود احتجاج في قاعة المحكمة.. أو في حال إطلاق مواضيع نقاش يمينية متطرفة؟… أتفهم تماما كيف يمكن أن يشعر شخص ما قد اختير ليكون ضمن هيئة المحلفين تلك بالقلق والتوتر”.
في غضون ذلك، وتحديدا في مقهى فرساي، وهو مطعم كوبي يقع في قلب حي ليتل هافانا في ميامي، بدا السكان المحليون مستعدين لدعم ترامب على الرغم من التهم الخطيرة الموجهة إليه.
وقد أوضح يرو باسارت، وهو صحفي محلي مستقل كان يتناول الغداء في مقهى فرساي في اليوم التالي عقب مثول ترامب أمام المحكمة: “نحن ندعم دونالد ترامب لأنه يعرف معنى الحرية”.
وقال “من المهم أن يعرف الجمهور أننا نحن الكوبيين نعرف ما هو القمع ونعرف ما يعنيه غياب الحرية، ولدينا القدرة على تحديد من هم الحكام المستبدون”.
وقالت سويز بارا، وهي مهاجرة فنزويلية تعيش الآن في ميامي، إنها لا تستطيع التصويت أو العمل في هيئة محلفين، ولكن لديها أفراد من عائلتها يمكنهم ذلك.
وأضافت أنهم جميعا سيدعمون دونالد ترامب.