10:13 م
الأحد 21 مايو 2023
أجرى الحوار : د.سليم محمود
ظل زهران القاسمي يكتب سيرة الحجر في ملحق أشرعة الثقافي بصحيفة الوطن العمانية منذ 2008، في البدء كانت نصوصه شعرية، وكيف لا وهو يرى في الشعر الغذاء الروحي الذي يستطيع به اجتياز المناطق الكئيبة جدًا في حياته، ثم تحول تباعًا إلى السرد، ووجد نفسه متورطًا فيه أمام معضلة بعض القضايا والتفاصيل الإنسانية المغرقة في المحلية والخصوصية والتي لا يستوعبها عمود من الشعر ، فكتب القصة والرواية بلغة شعرية خالصة، كان حصاد هذه التجربة أربع روايات هي “جبل الشوع” (2013)، ” القنّاص” (2014)، “جوع العسل” (2017) و”تغريبة القافر” (2021 عن دار مسكلياني) الرواية الفائزة منذ ساعات بجائزة البوكر لهذا العام، بالإضافة إلى عشرة دواوين شعرية و”سيرةالحجر 1 (قصص قصيرة، 2009) و و”سيرة الحجر 2″ (نصوص، 2011) كتاب الأعمى، كاميرا، أمسكنا الوعل من قرونه2007، وفي السطور التالية يتحدث القاسمي حصريًا لـ “مصراوي” عن روايته الفائزة بالبوكر وعن الأدب العماني وهمومه وشجونه الأخرى.
س: الشاعر والروائي العماني زهران القاسمي الفائز بجائزة البوكر في الرواية العربية لهذا العام، مبارك هذا التقدير، وأود أن أعرف في البداية كيف ترى المشهد الروائي العماني خلال ربع القرن الأخير، خاصة أن المعلوم عن الأدب العماني بل وعن دولة عمان ككل قليل؟
ج: ظهرت لدينا بعض الأسماء التي أصبحت معروفة في الوطن العربي والتي ساعدت على إحداث نقلة قرائية قبل أن نقول نقلة نوعية، وصار الأدب العماني والرواية العمانية يُبحث عنها وتُقرأ، وفي الحقيقة أنا أرى أن الرواية العمانية في الفترة الأخيرة شهدت نقلة نوعية، طبعا هذا أقدر أقول إنه ينسجم مع الوضع العام في الوطن العربي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الموجودة وغيره وتوافر المكتبات والقراءة عما كان الوضع في السابق.
القرية والبيئة العمانية
س: تتنقل دائما بين الشعر والرواية تنقلك بين الوديان والأفلاج والصحاري والجبال، فهل استطعت أن تبوح بأسرار البيئة والطبيعة البكر في سلطنة عمان شعرا ونثرا وسردا، ما الذي قدمته وماذا في خيالك لتقديمه؟
ج: في الحقيقة أنا أحاول أن أتتبع السمات المرتبطة بالبيئة والتي لها خصوصية عارية كمجتمع وكبيئة، وأنا مرتبط ارتباطا كبيرا بالبيئة، عشت معظم حياتي في القرية وما زالت أعيش فيها، ومنذ طفولتي وأنا مرتبط بالوديان والبساتين والنخيل، ولدي نهم واهتمام غير عادي بالحكايات وأحوال الناس اليومية التي نسمعها والتي تسرد مخيلة، وأتمنى دائمًا التعبير عنها، وأن يكون هناك الكثير من المشاريع الكتابية ذات الخصوصية العالية وذات العلاقة بالمكان وسوف أواصل رحلتي في الكتابة عنها، وقد قدرت أو حاولت أن تكون مثل هذه السمات موجودة في الشعر، وبشكل من الأشكال في الروايات الأربعة التي كتبتها والتي تدور أحداثها في القرى.
مشروع أدبي
س: لكل كاتب ومؤلف مشروع أدبي أو مشروع كتابي يحاول أن يعمل عليه ويطوره ويقدمه للجمهور، فهل يمكن أن نقول إن زهران القاسمي صاحب مشروع أدبي وروائي وكتابي متفرد وقائم بذاته وله ملامحه التي تميزه؟
ج: “في الحقيقة أنا لا أستطيع أن أقول إن لدي الآن مشروع، لكنني أحاول أن أتتبع سمات معينة في العمل، مثل الاشتغال على منطقة واحدة في كل الأعمال الروائية والسردية، وكثير من الاشتغال الشعري أيضا عن البيئة العمانية والمنطقة التي أعيش فيها القروية أو الجبلية، قد يرى البعض أنه هنا في هذه الأعمال هناك خصوصية، لأنني أختار يعني منطقة واحدة في الأعمال الأدبية وهي القرية العمانية الموغلة في الزمان والمكان البيئة والطبيعة، وأنا أتمنى أن يكون هذا مشروعي وأتمنى أنه يمتد ويتطور في هذه المنطقة، وما زال هناك أشياء كثيرة أتمنى أن نتطرق إليها وكلها نابعة من ذات المكان وتلك البيئة وتفتح آفاقا ومجالات لي ككاتب كما توسع الأفق والمجال للقراء لمعرفة المكان الذي نعيش فيه”.
س: أود أن أعرف بعد أربع روايات ومجموعات قصصية وعشرة دواوين شعرية، لماذا لم يُعرف زهران القاسمي بالدرجة الكافية في الوسط الأدبي والثقافي العربي، هل هي أزمة قراءة وقراء أم هي أزمة نقد ونقاد أم أزمة عزوف للمؤلف والروائي والشاعر عن التعاطي مع الإعلام ومع النقد والنقاد؟
ج:”في الحقيقة الأدب العماني ككل، تستطيع أن تقول أن لدينا خجلا كبيرا جدا، وهذا أحد الأسباب، ونحن لا نسوق لأنفسنا وليس لدينا خطط تسويقية كما يجب في الكثير من الأماكن والتي تسوق لأدبائها وشعرائها وإنتاجها الأدبي، وتحاول أن تضع هذا النتاج في الصورة ليقرأه الآخرون، وأيضا ربما لأن هناك وفرة كبيرة جدا من الكتابة الأدبية في الفترة الأخيرة في الوطن العربي، وبالتالي لا بد من أن تكون هناك طريقة لتسويق هذه الأعمال وإلا لا يستطيع أحد أن ينظر إليك بسبب وفرة الموجود في المواقع الإلكترونية والتي تبيع الكتب الإلكترونية والمعارض وكل المحافل الأدبية، وهذه هي الأسباب الرئيسية وقد تكون هناك أسباب أخرى”.
س: في رواية ” تغريبة القافر ” الرواية الفائزة بجائزة البوكر، الماء والأفلاج بطل رئيس في كل أحداث الرواية، وبشكل يفوق القافر نفسه ويفوق أبطال العمل ويفوق الأم التي لبت نداء الماء وغرقت وما إلى ذلك، أود أن تضعنا أكثر في صورة الرواية البديعة محكمة البناء الفني، وماذا كان في خيالك لتقدمه لنا، وهل النهاية التي وصلت لها الرواية هي التي كانت في رأسك أم حدث شيء ما؟
ج: “فقرة الرواية جاءت من البيئة، فأنا ابن أسرة تعمل في الفلاحة والماء الذي لدينا ليس فقط نعتبره من أساسيات الحياة ولكن له احترام كبير جدا في القرية، ونحن نعيش على مياه الأفلاج ولا يمكن لأحد أن يلوث هذه الأفلاج وموضوع إلقاء المخلفات فيها أو السباحة أو تلويثها بأي شكل آخر مرفوض بشدة، وبذلك هذا الاحترام الكبير لهذه الموارد المهمة جدا للحياة جعلني أفكر لو أنها نضبت كيف يستطيع الإنسان أن يجد طريقة من الطرق لتوفيرها، الله -سبحانه وتعالى- يقول في آياته “قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين” كانت مهمة القافر البحث عن هذا الماء، وكان هناك سؤال في ذهني ماذا لو كان هناك شخص يستطيع أن يسمع الماء في أعماق الأرض عن طريق السمع وبنيت الرواية من هذه الطريقة، الماء مثل ما ذكرت له خصوصية كبيرة جدا لدينا ومرتبط ارتباطا وثيقا اجتماعيا وطبقيا في القرى العمانية، وله تقسيماته وطقوسه وله حكايته الطويلة جدا وخرافاته وأساطيره، لذلك هذه الوفرة من الأدب الشعبي الموجود في كل هذه القرى التي تعتمد عليه، وكل هذه المدن الكبيرة أيضا والبساتين والواحات التي تعتمد على الماء، وكنت أحاول جاهدا أن تخرج الرواية بطريقة أو بقدر ما تستطيع أن تكون فيها خصوصية كبيرة من هذه الثقافة الشعبية التي أحاول أن اشتغل عليها”.
الماء في العمل أو القافر ماذا حصل له في نهاية العمل، القافر كان مهووسا بالبحث عن الماء وتتبعها في الصوت الذي كان يغريه ويبحث عنه ويحاول استخراجه لدرجة أن هذا الماء الذي كان يبحث عن مسكنه في الأخير وصارت هناك تلك الصدمة القوية جدا والتي كانت منذ بداية رواية القافر، حيث أن الماء أخذت أم القافر غرقا طبعا، في البداية، وبالماء غسلت وكفنت به هو غسل به الغسلة الأولى في الحياة، ثم إن هذا الماء مستقبلا هو الذي أخذ والده بسبب الردم الذي حدث في أحد الأفلاج والذي تسبب في وفاة والده، وهو أيضا الماء الذي حبسه في إحدى القنوات المضربة البعيدة والتي لم يكن قريبا منه أحد ليصارع البقاء على الحياة وليصارع الخروج من تلك المشكلة التي وقعت، والرواية كانت المحور وكان جوهرها في هذه الفكرة، وقد حاولت جاهدا أن تكون هندسة الأفلاج موجودة في العمل وتقسيمات المياه موجودة في العمل ولكن بطريقة لا تطغى على السرد.
البوكر العربية والعالمية
س: في عمان أسماء أدبية كبيرة وثقيلة بعضها نال حظه من التكريم والجوائز، مثل الكاتبة الأديبة الصديقة الدكتورة جوخة الحارثي، وبشرى خلفان وعزيزة الطائي وشريفة التوبي وغيرهم، أنا أرى أن هؤلاء وآخرين وأخريات لا يعرفهم الوسط الثقافي بالدرجة الكافية إلا لحظة نيل الجوائز، مثل كتارا التي حصلت عليه بشرى خلفان وبوكر العالمية التي حصلت عليها الدكتورة جوخة الحارثي ، وتكريمات الدكتورة عزيزة في مهرجان الشارقة للإبداع الثقافي، وزهران القاسمي والبوكر العربية، فهل الجوائز هي معيار تصنيف دقيق وموضوعي ومنصف للمبدعين العمانيين؟
ج: “بتتبع الحركة الثقافية في سلطنة عمان سنجد أنها تختلف اختلافا كبيرا جدا عن الحركة الثقافية في البلدان الأخرى، أولا في البلدان المتقدمة قبل أن تخرج واحدة من الروايات يتم التسويق لها عن طريق منافذ مختلفة مثل الصحف ووسائل الإعلام وهناك تسويق نقدي وإيضاءات تجعل القراء يلتفتون إلى هذا العمل قبل وبعد نشره ويبحثون عنه، معنا في الوطن العربي حتى الآن الطريقة الوحيدة التي تضيء الكُتاب هي مسألة الجوائز، هناك جوائز مختلفة على المستوى العربي مثل “البوكر” و “كتارا” و “نجيب محفوظ” و “الطيب صالح” و “سلطان العويس” وغيرها، وهذه هي الحسنة الوحيدة لهذه الجوائز أن تلفت أنظار القراء إلى هذه الأعمال الأدبية، وليس فقط في عمان، واعتقد ان هذه المشكلة في كل الوطن العربي، ليس لدينا تسويق في الوطن العربي ومنهج كما هو الحال في الدول الأخرى للأعمال الأدبية، وبالطبع هذا سبب يعود لدور النشر، ودور النشر لدينا حتى الآن لا تعمل بمهنية دار النشر الموجودة في الدول الأخرى، فهم لدينا بائعة كتب يطبعونها ثم يبيعونها وبالصدفة ممكن الكتاب ينتشر عن طريق جودته أو حب القراء لك أو الجوائز، ولكنهم ليس لديهم خطط تسويقية”.
مكسب كبير للأدب العماني
س: نعود بك إلى البوكر هل ترى أن جائزة البوكر تمثل نقلة ما أو إضافة ما لمسيرتك الإبداعية والروائية تحديدا، خاصة بعد الفوز بالجائزة ضمن منافسة قوية لأعمال وأسماء مهمة عذا العام؟
ج: “واحدة من حسنات الجوائز هي إلقاء الضوء على الكتب، في الحقيقة قبل مشاركتي في هذه الجائزة لم يكن الناس يعرفون زهران القاسمي وما هي روايته ولا أشعاره، ولكن بسبب دخول الرواية في القائمة القصيرة صار هناك إقبال على العمل وانتشر بطريقة كبيرة وفي سنة واحدة صار هناك 6 طبعات من تغريبة القافر، كل هذا يحدث أنه بدأت تعرف في كل مكان وبالطبع وجودي في القائمة القصيرة ثم فوزي ولله الحمد بالجائزة هو مكسب لي وللأدب العماني، الكل الآن يسألني من ترشح لنا من الكتاب؟ ولمن نقرأ من الكتاب العمانيين، والحمد لله هذه واحدة من حسنات المسابقات خصوصا جائزة رفيعة مثل “البوكر” التي ينظر إليها كل قراء الوطن العربي باهتمام كبير جدا ويتابعون فعاليتها حتى إعلان الفائز، وتثير حالة من الجدل حول المتنافسين، وهذه الفترة صحية لأنه تجعل القراء يلحقون عن هذه الكتب ويودون قراءتها، وأنا سعيد جدا بسبب كونها أول تجربة لي في المسابقات وعرفتني بالقراء وصار لي تواصل من القراء والصحفيين والنقاد، والحمد لله صار أسمى في الفترة الأخيرة موجود ومعروف أكثر وخرجت إلى الضوء وصارت أعمالي وكتاباتي تقرأ وأمل أن يكون لي مكان بين القراء”.
حواراتي بالعامية
س: تزاوج في أعمالك بين الفصحى الرصينة والعامية الدارجة وتغرق في اللهجات المحلية المعروفة في عمان والمنتشرة بقوة والتي قد لا يعرفها القارئ العربي، ألا تخشى بعض الصعوبات في مسألة التلقي وبعض الصعوبات في مسألة التفاعل مع العمل؟
ج: “في الحقيقة أنا لا أعتقد أن اللغة تعيق الفهم، في كل رواياتي دائما الحوار باللغة العامية، ولكن أيضا هو حوار مقتضب ويتبعه أيضا ما يفهم في سياق الكلام، أولا لأضع هذه الشخصيات واترك لها أن تكون شخصيات حية طبيعية وأبعدها دائما عن اللغة الفصحى وأتركها تتحدث بلغة بلادها، والشيء الآخر حتى أخلق من المكان مكانا عاديا وحيا دائما أدعمه بتلك الأشياء التي لها علاقة بالثقافة المحلية والأسماء المحلية والأشجار والحيوانات والطيور وأسماء القرى والأمكنة والجبال، ولا أعتقد أن القارئ يكون لديه هذه المشكلة، وحتى الآن في رواياتي الأربع كنت أسأل الكثير من الأصدقاء خارج عمان عن العمل، هل وجدتم فيه مشكلة في موضوع التلقي واللغة، وكانت الإجابة هو بالعكس وجدنا خصوصية كبيرة جدا في العمل بسبب وجود مثل هذه الأشياء، وليس عذرا أن اللغة المحلية هي لغة قد لا تفهم، مثلا كثيرا من الروائيين في الوطن العربي يكتبون حواراتهم بلهجاتهم المحلية، والمصريون سبقونا بسنوات كبيرة بجعل الحوارات باللهجة المصرية، والسودانيين والعراقيين والخليج كذلك، فما اعتقد أنه هناك مشكلة كبيرة جدا في موضوع التعاطي مع اللغة المحلية، على العكس تماما تطعيم الرواية بالأشياء المحلية يعطيها خصوصية قد تكون كريستالات يراها الآخر ليس ذات قيمة ولكنها في الحقيقة هي جوهر العمل”.
فخ التحولات السياسية
س: زهران القاسمي متعدد المواهب لكن دعنا نتوقف عند العمل الروائي وكقارئ ولست كاتبا أو روائيا أو أديبا، أين ترى الرواية العربية خلال العقد الأخير ولماذا عقمت البلدان العربية أن تنجب نجيب محفوظ آخر أو يحيى حقي آخر أو عبد الرحمن الشرقاوي آخر، أو نماذج في الإبداع القصصي الروائي مثل يوسف إدريس أو إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وأسماء كبيرة، ولم أقصد التوقف عند حالة مصر، ولكنني ذكرت بعض أسماء الجيل القديم مثل طه حسين والعقاد؟
ج: “هو في الحقيقة هو وضع الكثير من كتاب الوطن العربي في الفترة الأخيرة في هذه القضايا التي يرونها قضايا مفصلية، أنا ضد كتابات في موضوع الرواية السياسية أو التي لها علاقة بالوضع السياسي أو الوضع العام للبلد، في الفترة الأخيرة صار هناك العديد من الروايات المتشابكة عندما نعود إلى قضية المهجرين من بلدانهم بسبب الحالة التي احدثتها أحداث 2011، نجد أن الكثير من الروايات كتبت في هذا الموضوع، أيضا موضوع أن بعض الكتابات وقعت في فخ التحولات السياسية في بلد ما لم ينظروا إلى كثير من المجالات التي تكتب فيها الرواية، فنجد مثلا نجيب محفوظ روايته كلها تخص الإنسان المصري العادي وقد تكون هناك رمزية سياسية أو تاريخية في أعمال محفوظ الذي كان ذكيا جدا في استقطاب القارئ لكي ينظر ويستشعر الإنسان المصري البسيط الذي كان يعيش على هامش هذه الحياة، هذه واحدة من الأشياء التي أراها في الفترة الأخيرة وهي التشابهات الكبيرة جدا في الكتابات، أنه لم يعد ينظر كثير من الكتاب إلى خصوصية بلده، إلى هذا الإنسان العادي البسيط الموجود إلى أحلامه وطموحاته وإلى الأفكار العادية جدا والصغيرة جدا والمهمشة جدا نجدها هي التي تصنع العالمية في العديد من الأحيان في العالم، فعندما نعود إلى قصة همنجواي “العجوز والبحر” هي قصة بسيطة لرجل عجوز لم يحالفه الحظ في فترة ما في حياته كي يكون صيادا كما الآخرين واشتغل عليها همنجواي بشكل عميق جدا لينتج لنا هذا العمل، وهلم جرة في كثير من الأعمال الروائية العالمية، لا تنطلق من هذه القضايا الكبيرة جدا السياسية وغيرها، ولكنها تنطلق من موضوع إنساني بسيط ونفسي وتشتغل على الرمزيات الكبيرة واشتغال الشباب في هذه المناطق جعل هناك تشابها كبيرا جدا في الكتابة”.
الغذاء الروحي
س: زهران القاسمي عاشق الوديان والأفلاج والقهوة والعود، قدم حتى الآن 4 روايات هي جبل الشوع والقناص وجوع العسل وتغريبة القافر ، و10 دواوين شعرية وقصص قصيرة هي سيرة الحجر 1 و2 وبعض النصوص وكتاب الأعمى وأمسكنا الوعل من قرونه، أين ترى نفسك بدرجة أكبر زهران الشاعر أم الروائي، وما الذي يخطط له زهران القاسمي خلال هذه المسيرة الإبداعية في الشعر والرواية والمجموعات القصصية؟
ج: “أنا أحب الشعر، فالشعر بالنسبة لي كان الغذاء الروحي الذي أستطيع به اجتياز المناطق الكئيبة جدا في حياتي، لذلك بدأت شاعرا وكنت قارئا نوعيا للشعر العربي وبعض الشعر المترجم، وكنت أمارسه أيضا هذا لا يعني أنه عندما بدأت كتابة الأعمال السردية “قصة ورواية” أنني تخليت عن الشعر، على العكس تماما، فأنا من الناس الذين يؤمنون تماما بتداخل الفنون وممكن للإنسان أن يكون شاعرا وقاصا ومسرحيا وفنانا وموسيقيا وفنانا تشكيليا أو مصورا أو مخرجا سينمائيا، أو غيرها، هذه فنون كلها تتقاطع مع بعضها البعض، وممكن أن يطغى فن على فن آخر أو جانب على جوانب أخرى وفقا للحالة النفسية للكاتب والشخصية، لكني في الحقيقة على الرغم من أنني كتبت هذه الروايات وهي التي عرفتني على القراء، ولكني ما زالت أحب الشعر وأحب كتابته وقراءته، أنا أحاول تزاوج بين الشعر والسرد لأني أحيانا أجد أن هناك فكرة كبيرة جدا لا يمكن أن تقال شعرا وأبدأ كتابتها بطريقة سردية والعكس تماما، وكنت ومازالت أزاوج بين هذين الفنين منذ أكثر من 12 أو 15 سنة حتى الآن وهذا لم يشكل لي عائقا وكنت أخرج إلى الجنس الآخر مثلا عندما أكتب رواية وحتى أخرج من هذا الجو العام من السردية اتجه مباشرة إلى الكتابة الشعرية، حتى أنسي ذلك العمل وادخل مشروعا شعريا وعندما أخرج منه أجد نفسي اتجه إلى مشروع سردي”.
عمان إلى العالمية
س:الأدب العماني بدأ مرحلة الخروج من الشرنقة أو الانغلاق أو المحلية والانطلاق نحو المنافسة العربية والإقليمية والدولية، هل يمكن أن تصدر لنا السلطنة خلال الفترة المقبلة أدباء بأوزان ثقيلة ويمكن أن تلفت أنظار العالم بالوصول لمقاعد التكريم في نوبل أو غيرها؟
ج”طبعا في الفترة الأخيرة هناك نتاج أدبي كبير جدا، الناس لا ينظرون إلا إلى الأعمال التي وصلت إلى الجوائز ولكن هناك تجارب ما زالت تكتب ومازالت تنتج أيضا تستحق أن ينظر لها وتجارب ربما لم تدخل في مسابقات ولم تخرج للضوء ولكنها تجارب ناضجة وأعتقد أن مستقبل هذا البلد سيكون له دور كبير في موضوع العالمية، بل على العكس تماما عندما وصلت الدكتورة جوخة إلى “البوكر” عملت إضاءة قوية جدا على الأدب العماني وصار هناك تساؤل عن الأدب العماني أين كان ولماذا في هذه المكانة ولماذا في هذه الجودة ومن هم كتابه وكيف وصل وما هي الروايات الموجودة فيه، وكل هذه الأسئلة اسمعها في كثير من المحافل وكنت أرشح الكثير من الأسماء وعندما كنت أتنقل في المحافل كنت أخذ معي العديد من كتابات الأصدقاء وأروج لأعمالهم، وكما يفعل الكثير من الزملاء والأصدقاء في عمان، ونحن محتاجون إلى الترويج القوي جدا ولفت أنظار الأخريين، يكفينا صمتا ويكفينا هذه العزلة، ونريد أن نخرج إلى أرض الواقع وينظر الناس إلى نتاجنا الأدبي ويقرءونه ويرونه كما هو الحال في كثير من مناطق الوطن العربي الكبير”.
س:المفردات الثقافية في عمان مثل النادي الثقافي في القرم وأدواره والصحف والصفحات الثقافية العمانية التي مع الأسف أراها تتهاوى فهل هناك ارتباك ما في المشهد الثقافي العماني أو أدواته وممكناته بحيث إنه في حالة تضاد ألاحظها يعني هناك طفرة إبداعية على مستوى الأفراد، لا يقابلها طفرة في العمل الثقافي المؤسسي؟
ج:”بالنسبة للعمل المؤسساتي طبعا هو يختلف من إدارة إلى أخرى، النادي الثقافي مثلا كمؤسسة مرت عليه إدارات مختلفة، فهناك إدارة تهتم بهذه الجوانب تعمل في خلق أنشطة ثقافية وهناك إدارة أخرى تكون أقل في هذا الموضوع، وأيضا إدارات الجمعية تختلف وتتفاوت بين إدارة وأخرى وأيضا وجود وسائل التواصل الاجتماعي واتجاه الناس على منصات مختلفة جدا لتلقي المعلومات صار مثل هذه الأماكن لم تعد مرغوبة من خلال الفعاليات التي تقدمها، هذه المؤسسات تقدم فعاليات لها برنامجها الخاص، ولكن للأسف الشديد هذه وسائل التواصل الجديدة صار الإنسان يحجم عن الذهاب إلى هذه المؤسسات، أيضا عدم التطور والتوافق مع العصر الجديد في تسويق أنشطة هذه المؤسسات، وما زالت أعداد كبيرة من هذه المؤسسات تتبنى النمط القديم في موضوع الأنشطة، الآن هناك مثلا شبكات قراء ومجموعات كبيرة جدا لها مواقع عبر الإنترنت ويجتمعون عبر برامج معينة ويتناقشون في روايات ونقد أدبي وفي بعض المحافل الأدبية الموجودة ويفترض منها أيضا أن المكان لا يكون مشكلة، أستطيع أن أخلق مهرجانا شعريا وأنا في بيتي، وأستطيع أن اسوق لفاعلية ما وانا لا أحتاج ما احتاج اليه من المجيء بالشاعر من بعيد والانفاق عليه فيما يتعلق بإقامة فندقية وإعاشة وغيره، وعلى الرغم مثل هذه الفعاليات تسوق تسويقا ثقافي وأدبيا للمكان، وهذا رأيته في كثير من المحافل في الوطن العربي بسبب مواقع التواصل والانترنت وسهولة الوصول عن المعلومات وصار هناك عزوف كبير جدا عن الذهاب إلى المؤسسات الثقافية، وهذا يفرض ضرورة تطوير هذه المؤسسات أكثر مما كانت عليه في السابق”.